شاهدت فيلم «ساعة ونص» الذى كتبه أحمد عبد الله وأخرجه وائل إحسان فوجدت به ما يستحق التنويه، فالمؤلف والمخرج قد بذل كل منهما جهدا ملحوظا فى صنع فيلم ملتصق بالواقع بأسلوب سينمائى أخّاذ، استفادا فيه من تقنيات السينما العالمية فى كتابة السيناريو وفى الإخراج. رأينا السيناريو يقدم فى بداية الفيلم شخصياته بصورة متتابعة، إذ تظهر الشخصية فى أحد المشاهد فى مكان ما ومعها محيطها، وبينما يدور الحوار فى أثناء المشهد تظهر شخصية جديدة تنطلق معها الكاميرا، ومع كل مشهد تدخل شخصيات جديدة إلى الكادر وتتحول إلى أبطال للمشهد الجديد.. كل ذلك ببساطة ويسر حتى نجح المخرج فى تقديم أبطاله المرتبطين بالقطار المسافر إلى بنى سويف فى ربع الساعة الأولى من الفيلم. ولعل هذا يذكّرنى بالمخرج العبقرى هيتشكوك فى آخر أفلامه «مؤامرة عائلية» الذى أخرجه عام 1976 عندما قدم لنا قصتين متوازيتين، وكان هناك المشهد الذى لم يسبق تقديمه بالسينما عندما انطلق البطل بالسيارة، وعند أحد التقاطعات ظهرت أمامه امرأة تعبر الطريق غير منتبهة إلى السيارة القادمة بسرعة، حتى إنها لم تنظر نحوه وهو يدوس فرامل بأقصى قوة لمفاداتها ومضت عبر الشارع لتصل إلى الرصيف المقابل.. الغريب أن هيتشكوك ترك البطل الذى تابعناه من أول الفيلم ومضى بالكاميرا مع هذه المرأة لندخل فى أحداث جديدة. شىء مشابه لهذا رأيناه فى فيلم «ساعة ونص» وهو الأمر الذى لفت انتباهى إلى رغبة السينارست والمخرج فى تقديم فيلم سينمائى جيد. نجح صناع الفيلم فى تقديم صورة مصغرة من مصر الحقيقية التى نعرفها وأدخل فى فيلمه كل ما استطاعت الساعة ونصف أن تتحمله من شخصيات.. والساعة ونصف هى زمن الفيلم، كما أنه زمن رحلة القطار المنطلق من القاهرة إلى بنى سويف والذى يحمل بداخله نماذج من أهل مصر الشقيانين وبداخل كل منهم قصة تدمى القلب، وقد رأينا ملامح من كل قصة عرفتنا الوجه الحقيقى لوطن الغلابة الذين يعيشون مغامرة يومية للبقاء على قيد الحياة. مهارة المخرج تكمن فى أنه قدم الشخصيات الجانحة دون أن يسقط فى الميلودراما الفجة، ودون أن يقدم دروسا فى الفضيلة، وكان تعاطفه مع أبطاله واضحا، حتى وهم يقومون بجرائم القتل والسرقة والرشوة والفعل الفاضح فى الشارع. أعجبتنى شخصية العربجى الذى يسرق قضبان السكة الحديد، ويحمل فى جنبه قلبا يتوق إلى الحب ويتمزق بين رغبته فى الارتباط بفتاته وخوفه من سلوكها المعوج، وكذلك شخصية الشاب الصعيدى المتزوج من ابنة عمه التى سمح لها أن تكمل تعليمها وتصبح طبيبة، ثم نهشته الهواجس خوفا من مكانتها ومركزها الذى سيباعد بينهما حتما، ولئن كان الفيلم قد قدم هذا الصعيدى فخورا بزوجته، وهو يراها تنقذ حياة مريض بالقطار فإن هذا لن يرمم الشرخ، وستمضى علاقتهما لنهايتها المحتومة، وهو الأمر الذى لم يتسع الفيلم لتناوله، لأنه يحتاج إلى فيلم مستقل. أما المشهد الذى يعلو على باقى المشاهد فى الفيلم من وجهة نظرى فهو الذى يجمع كريمة مختار التى أدت دور أم تركها ابنها بالشارع مع ورقة مكتوب بها رجاء لأن يحملها أولاد الحلال إلى دار المسنين.. يجمعها مع إياد نصار بائع الكتب بالقطار مشهد بديع يصارحها فيه نصار بحقيقة ابنها الجبان الذى تخلى عنها، وهى العجوز المريضة، وبدلا من أن تلعن الأم جحوده ونذالته رأيناها فى شدة الحزن، لأنها أثقلت على الابن عندما طلبت منه شراء دواء السكر لها، أى أنها لا ترى جريمته وإنما تلوم نفسها على مضايقته! هنا نرى النظرة الحيرى فى عينى إياد نصار وإعصار من المشاعر يجتاحه من هذه الأم التى لا تعرف أن تكون إلا أُمًّا فلا يملك إلا أن ينفجر فى البكاء وهو يرمى نفسه بين أحضانها. أما بالنسبة إلى نهاية الفيلم عندما ينقلب القطار بمن فيه، فهى تستدعى إلى الأذهان نهاية مصر التى باتت وشيكة، إذا لم تتم محاكمة قتلة الثوار ولم نسترد أموالنا الموجودة بالخارج والأخرى التى بالداخل من أيدى اللصوص.. أى حلول أخرى لن تنقذ قطارنا من سوء المصير.