قال لى بمجرد انتهاء عرض فيلم «العذراء والأقباط وأنا» عندما استمع إلى تصفيقى وقبلها إلى ضحكاتى فى أثناء مشاهدة الفيلم: لو كنت قبطيا لتغير موقفك تماما. قلت له: أنا أشاهد الفيلم كمتذوق، لا أرى الفيلم بمنظور دينى، ولكنى مصرى أشاهد مصريين. فرد علىّ: هذا الفيلم جرحنى كمسيحى. قلت له: لم أشعر أن الفيلم يتعرض للأديان، إنه فقط يقدم مصريين يدينون بالمسيحية، هم مصريون أولا وحتى عاشرا.. وغادر موقعه بجانبى وعلمت بعد ذلك من مخرج الفيلم نمير عبد المسيح أنه توعده بالهجوم الضارى على الفيلم فى الجريدة التى يكتب على صفحاتها! عدت بالذاكرة سبع سنوات وتذكرت فيلم «بحب السيما» الذى أعتبره أهم عمل فنى فى تاريخ الدراما المصرية تناول الشخصية القبطية بحالة ألق وإبداع. قبل أن يرى هذا الفيلم النور شعرت الدولة ممثلة فى جهاز الرقابة المرتعش أن الأقباط من الممكن أن يثوروا وتشكلت لجنة اعتقد رئيس الرقابة وقتها مدكور ثابت، أن الاستعانة بعدد من الأقباط الذين يعملون بالنقد السينمائى أو من الشخصيات العامة سوف يقطع الطريق أمام المتطرفين الذين سوف يرفضون الفيلم. ما حدث هو أن أول طعنة تلقاها الفيلم جاءت من تلك اللجنة بعد أن اعتبرت الدولة الفيلم شأنا قبطيا ولم تجد سوى أن تواصل اللعب بنفس الطريقة، وهى أن تلجأ إلى الاستعانة بنقاد ومثقفين أقباط تشعر بأنهم يملكون رؤية أكثر رحابة للموافقة على عرض الفيلم، وهو ما تم بالفعل إلا أن «بحب السيما» ظل أمام عدد من الأقباط فيلما مُدانا، وهو بالمناسبة لم يصمد طويلا فى دور العرض على الرغم من جماله الإبداعى، لكن هذه تظل قضية أخرى متعلقة بأكثر من سبب منها عدم تعود المتفرج المصرى على التعامل مع أبطال أقباط عبر شاشة السينما، كما أن عددا من الأقباط اعتبر تقديم شخصية قبطية سلبية يعنى هجوما مستترا على الدين، وهو مع الأسف ما لاحظته مثلا بين عدد من النقاد والمثقفين المسلمين عندما تساءلوا عن شخصية الحرامى ولماذا هو مسلم فى فيلم «مواطن ومخبر وحرامى» للمخرج داوود عبد السيد، وهو ما يعنى أن التطرف هو السمة التى اجتمع عليها عدد من المثقفين المسلمين والأقباط، وهو ما أكده لى مخرج فيلم «العذراء» نمير عبد المسيح الذى قال لى إن ناقدا آخر اتهمه بأنه ليس مسيحيا صالحا كأن الفيلم هو شهادة على حُسن السلوك الدينى رغم أن أحداثه تتناول الدنيا لا الدين. قبل أن أشاهد «العذراء والأقباط وأنا» شعرت أن هذا الفيلم يعنينى كمصرى وقرأت الملخص واكتشفت أنه يروى بالضبط ما يثار فى مصر الآن عن ظهور العذراء بعد أحداث ماسبيرو. وفى الحديث عن المعجزات لا ينبغى أن نتكئ على العقل وننسى أن كلمة معجزة لا تخضع للمقياس الموضوعى وإلا ما أصبحت معجزة، كما أن المخرج لا يقدم لنا تحليلا دينيا عن السيدة العذراء وهل نراها بالفعل رؤية التجسيد العيان أم الخيال والإحساس، هل مشاهدة تجلى «العذراء» هى رأى أم رؤية أم رؤيا، ليست هذه هى أهداف نمير عبد المسيح، ولو سألتنى ما الذى يريده، أقول لك إن الرجل ببساطة يحب أمه وهى سيدة مصرية خفيفة الظل ومن خلال الأم رأينا أهلها المصريين فى إحدى قرى صعيد مصر. لا يمكن أن تنسى مشاهد الأم وهى تحرك الأحداث من باريس قبل أن تأتى إلى مسقط رأسها فى أسيوط، أو وهى تحذر ابنها من ضرورة أن لا يصور أهلها، أو عندما تمسك بالميكروفون وتدور على أهل القرية ترجوهم أن لا يغيبوا عن التصوير فى الغد. أن يرى الصعايدة كاميرا فى قريتهم ويتعاملوا معها ويقفوا أمامها ويعتقدوا أنهم ممثلون تكشف من خلال ذلك روح هؤلاء البشر كيف يفكرون. أتصور أن المخرج كان لديه هم أساسى يحركه وهو أن نرى بشرا مصريين ولا شىء أبعد من ذلك.. هل من الممكن أن يُعرض الفيلم فى مصر بعد كل هذا الشحن الطائفى؟ أتمنى أن لا تنغلق العقول والقلوب وأن لا نسأل بعد مشاهدة الفيلم: هل أنت مسلم أم مسيحى بل هل أنت مصرى أم مصرى؟ وكانت تلك هى رسالة نمير عبد المسيح!