نعم هناك فوضى... بل إنها تزيد يوما عن يوم. والسبب فى ذلك الذين يحكمون البلاد ويديرونها، سواء فى الحكومة الضعيفة برئيسها الباهت وبوزير داخليته الضعيف حتى أمام ضباطه الذين تبين أنهم فى الحقيقة ما زالوا ضباط حبيب العادلى وليسوا ضباط البلد. وكذلك المجلس العسكرى صاحب الأداء المترهل وقليل الخبرة.. وإذا قرر الاستعانة بأحد يغرقه فى شوية مية.. بل هناك من أغراه الإعلام، فمنهم من يحب أن يظهر فيه أو يكون أصدقاؤه ومجالسوه من هؤلاء الإعلاميين الذين كانوا يأكلون على مجالس الرئيس السابق المخلوع وأعوانه.. بل وصل بهم الأمر إلى منح أحدهم كتابة تاريخهم مع الثورة. أضف إلى ذلك حالة الانفلات الأمنى التى ما زالت مستمرة حتى الآن.. ورغم حالة الانفلات والكسل لدى ضباط الشرطة فإن هناك دلعا وتدليلا من جميع السلطات معهم.. ومع هذا يتدللون أكثر.. ولا يريدون العمل، وإذا قاموا إلى عملهم قاموا كسالى.. اللهم إلا إذا شاركوا فى المؤامرات واستعادة هيبتهم عن طريق قمع الناس وتعذيبهم.. هم تربوا على ذلك ولا يريدون التنازل عنه.. وللأسف يتم تشجيعهم الآن من رؤسائهم، فهم ضد الثورة، ولم يكونوا يريدون لها أن تنجح أبدا. كل هؤلاء هم وراء الفوضى الحادثة الآن فى الشارع.. ولعلنا نذكر جميعا أيام الثورة الثمانية عشر والاعتصامات فى ميدان التحرير وميادين مصر، وفى ظل الانفلات الأمنى وانسحاب كل قوات الشرطة من أمام المصالح الحكومية والسفارات والهيئات.. ودور العبادة والآثار والمتاحف.. ولم تحدث فوضى أو أى شىء ولا اعتداءات على السفارة الإسرائيلية أو مديرية أمن الجيزة، تلك المديرية التى مر عليها الآلاف من شوارع وأحياء الجيزة إلى ميدان التحرير ولم يتعرضوا لها.. رغم تعرضهم رمزيا لمبنى الحزب الوطنى المقابل للمديرية. فهذا الشعب الذى يتهم الآن بالفوضى ويتهم شبابه بالبلطجة والشغب.. هو الذى حافظ على الدولة فى وقت تهرب فيه كثير من المسؤولية وخان كثير رسالته.. من أجل إحداث الفوضى.. ليعود تماسك الدولة ويتسلمها المجلس العسكرى عن طيب خاطر من الشعب بعد أن وثق فيه ليساعده على الانتقال إلى دولة جديدة حديثة. ولكنه لم يحدث.. فمنذ اليوم الأول والمجلس العسكرى مرتبك ولا يعرف كيف يتصرف.. وأى نعم استجاب لمطالب الشعب ولكن على طريقته.. وطريقة النظام السابق فى البطء والتعامل بالقطعة قطعة.. فبدلا من وضع دستور جديد للبلاد يكون خارطة طريق لمصر الثورة.. فإذا به يسير على نهج مبارك ويُعدل، أو قل يُرقع، نفس المواد التى كان قد طرحها مبارك المخلوع، ويصنع حالة من الاستقطاب فى المجتمع ليستغل البعض تلك «الترقيعات» ليزيف عند البسطاء من الناس اختيار التصويت بين نعم ولا.. وليفاجأ المجلس العسكرى بعد هذه الترقيعات الدستورية بأنه مطالب بأن يترك السلطة ويسلمها لرئيس المحكمة الدستورية، لأنه أجرى ترقيعات على دستور 1971.. ومن ثم لم يجد مفرا لبقائه فى السلطة سوى الاعتماد على إعلان دستورى مهلهل.. فكان بذلك أول طوبة وضعها المجلس العسكرى فى طريق الفوضى.. ليدخل الناس فى جدل بين «الدستور أولا» أو «الانتخابات أولا» وتظهر الاختلافات بين القوى المختلفة، بما فيها القوى الثورية الجديدة «ودعكم من الأحزاب التى كانت تتحالف مع صفوت الشريف وجهاز أمن الدولة المنحل، وعلى رأسهم حزب وفد السيد البدوى وتجمع رفعت السعيد». ثم يصدر قوانين دون مناقشة مع أحد بعد أن صرفوا لنا اللواء ممدوح شاهين، وهو الذى كان حاضرا اللجان التشريعية التى كانت تصدر القوانين فى العهد السابق، فى حضور مفيد شهاب وفتحى سرور، وترزية مبارك، ولم يكن يسمع له لا حس ولا خبر.. فإذا به الآن يصدر قوانين أسوأ من التى كان يصدرها ترزية مبارك.. ويكفى فى ذلك قانونا مباشرة الحقوق السياسية ومجلسى الشعب والشورى.. ومشروع قانون تقسيم الدوائر. وهم بتلك القوانين يريدونها فوضى وانهيارا للبلد، وهم لا يدركون ذلك فلم يكن لهم علاقة بالسياسة وألاعيبها.. ولديهم حكومة مطيعة لا تناقش معهم شيئا!! لم يكونوا يريدون أن يسمعوا رسالة جمعة 9/9 وتصحيح المسار.. ولم يشاهدوا أن الذين كانوا فى التحرير وميادين مصر كانوا من نوعية الناس الفاضية التى خرجت فى 28 يناير دون سياسيين وزعماء، فكان لا بد من ختامها بتلك الفوضى المتعمدة سواء عند السفارة أو المديرية. يا أيها الذين فى المجلس العسكرى.. الشعب لا يريد الفوضى.. الشعب يريد الحرية.. ولن يهمه طوارئ أو عرفية ولا تليفزيون هيكل.. ولا داخلية عيسوى.. ولا حكومة شرف. ابحثوا عن حد تانى.