هل الصدام وشيك بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والتيارات الإسلامية المتنامية فى الشرق الأوسط، على خلفية ثورات الربيع العربى، أم أن التحالف بينهما سيكون سيد الموقف، خلال السنوات، وربما العقود المقبلة؟ تساؤل بات محوريا، وإن لم يكن متوقعا أيضا، مع حلول الذكرى العاشرة، لهجمات الحادى عشر من سبتمبر على برجى التجارة العالمى فى نيويورك، فى عام 2001، تلك الهجمات التى قلبت العالم رأسا على عقب، وقسمته إلى فسطاطين، فسطاط خير بقيادة الرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش، وحلفائه فى إسرائيل وأوروبا والعالم الغربى بصفة عامة، وفسطاط شر يتسع لكل أعداء واشنطن، وفى القلب منهم العالم الإسلامى، سياسة العين الحمراء لواشنطن، وحملها لواء الحرب على الإرهاب، فى أفغانستان والعراق، ومطاردتها زعيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن فى الكهوف والجحور، وقبل هذا وذاك، إشرافها على عملية إعدام مسرحية، وعلى الهواء مباشرة، للرئيس العراقى صدام حسين، أرجف قلوب معظم الحكام العرب، ليتكالبوا على إرضاء البيت الأبيض، وعلى تجنب غضبه، ومن ثم الانسحاق أمام الرغبات الأمريكية، مقابل البقاء فى كرسى الحكم، إلى أبد الآبدين.
لكن الربيع العربى حل فجأة، ودون مقدمات، وجاء من حيث لم يحسب الأمريكان، ولا حلفاؤهم، ولا حكام على شاكلة مبارك، وبن على، والقذافى، وعلى عبدالله صالح، جاء من الشارع، لتتغير موازين اللعبة فى المنطقة، وتصبح الكلمة العليا فى مصر وتونس وليبيا واليمن للشعوب، فيما خرج الإسلاميون من عزلتهم، وتحرروا من قيودهم، بل وأصبحوا حجر الزاوية فى معادلة الحكم فى الدول العربية بعد الثورة، ما ضاعف من مخاوف عديد من المراقبين والمحللين فى الغرب، من مواجهة محتملة بين الإدارة الأمريكية والإسلاميين، خصوصا إذا ما وصلوا إلى الحكم، على غرار تجربة حركة المقاومة الإسلامية حماس فى غزة.
وكالعادة، كانت تلك المخاوف حاضرة، فى عديد من الأبحاث والدراسات الأمريكية، ومنها تقرير حديث للمركز الدولى للدراسات الاستراتيجية، أعده جون شيبمان، ويزعم بأن «الثورات الشعبية فى الدول العربية، لن تؤدى حتما إلى الديمقراطية». شيبمان يرى أن التحولات فى المنطقة، حتى الآن «تعد نصف إنجاز»، مشيرا إلى أن «المعركة بين القوى الأمنية، والعناصر الليبرالية، والمجموعات الإسلامية، لإنشاء حكومة مستقرة ديمقراطية، وذات صفة تمثيلية، ستكون العامل الحاسم، خلال مرحلة ما بعد اليقظة العربية»، على حد قوله.
من جانب آخر، كشف شيبمان عن أن كلا من الجمهوريين والديمقراطيين فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، يسعون الآن «لفتح حوار مع جماعة الإخوان المسلمين، فى كل من سوريا، ومصر، وتونس»، باعتبارها «الأقرب للوصول إلى السلطة، وأكثر التيارات الإسلامية اعتدالا، ومن ثم أصبحت لاعبا سياسيا رئيسيا، فى منطقة ظلت تحكمها أنظمة ديكتاتورية، منذ نحو نصف قرن».
لكن صاحب كتاب «الحالة الإسلامية فى زمن القاعدة» فرانسوا بورجا، يعتقد أن تفوق الإسلاميين على منافسيهم فى الانتخابات الأولى «لا يعنى أنهم سيحكمون»، فهم فى رأيه، يحاولون «إحياء أنفسهم كمعتدلين، من خلال محاولة الدمج فى الحياة السياسية، بإنشاء أحزاب وغيرها».
على المنوال نفسه، قال الخبير السياسى محفوظ سلام ل«التحرير»، إن الربيع العربى «وضع الإدارة الأمريكية فى حرج وحذر من وصول الإسلاميين إلى الحكم»، وهو ما ظلت تحاربه فى السنوات العشر الماضية، إلا أن الثورات العربية خصوصا فى تونس وليبيا ومصر، وهى دول محورية ولها مكانة استراتيجية فى الشرق الأوسط «كشفت النقاب عن أن الشعب هو سيد القرار، وفى هذه الحالة قد يكون وصول الإسلاميين إلى الحكم أمرا طبيعيا، ويتوقف على اختيار الشارع، وليس فقط الإرادة الأمريكية».
سلام لم يستبعد وقوع صدام بين الإدارة الأمريكية والإسلاميين «فى حالة وصولهم إلى الحكم»، خصوصا فى ظل «غياب مشروع عربى مشترك، لمواجهة المشاريع الأمريكية والصهيونية».
بينما يقدم مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ضياء رشوان، تحليلا أكثر عمقا، بالإشارة إلى علاقة الإدارة الأمريكية بالتيارات الإسلامية «يتنوع بين ما هو عدائى ومحايد وحميمى»، فنجد أن علاقتها حميمية مع باكستان، وهى دولة ذات حكم إسلامى، وكذلك أفغانستان ونظامها القائم من بقايا المجاهدين. لافتا إلى أن وثائق ويكيليكس، كشفت مؤخرا عن أن وفدا من طالبان «كان فى مقر البنتاجون يوم 11 سبتمبر، للاتفاق على صفقة بترول».
غير أن رشوان يرى أن هناك نموذجا حياديا، مثل الإسلاميين فى الجزائر أو المغرب أو ماليزيا، بينما ترى الإدارة الأمريكية أن الإخوان المسلمين فى مصر أقرب إلى الاعتدال على عكس النماذج العدائية مثل التيارات الإسلامية فى السودان أو غزة أو القاعدة أو حزب الله.