إذن فقد حصحص الحق (أى ظهر وسطع وأبان عن الباطل)، ولم يعد هناك مجال للشك أو التشكيك فى حقيقة أن قطعان الصيَّع والبلطجية الذين يسمون أنفسهم «أبناء مبارك» المخلوع (يستحقهم ويستحقونه) ليسوا سوى أدوات تعمل وتحضر وترتكب الجرائم وتعيث بطحا فى خلق الله ب«ريموت كنترول»، تمسك به جهة ما، والدليل أن هذه الجهة ال«ما» سحبتهم فجأة أول من أمس (الأربعاء) من المشهد أمام مقر محاكمة المخلوع بعدما ارتكبوا فى جلسة يوم الإثنين الماضى بشاعات وبلطجات وفظائع كان يُفترض أن يشيب لهولها «ولدان» جيوش الشرطة والأمن التى كانت تنتشر وتضرب حصارا صارما على المنطقة، غير أن أغلب هؤلاء «الولدان» لا شابوا ولا انزعجوا ولا اهتز رمش واحد فى أعينهم الكحيلة وإنما بالعكس، انبسطوا واستمتعوا جدا بهذا المهرجان الإجرامى الدموى، بل أكثر من ذلك اشتركوا مع صيَّع وبلطجية المخلوع (وبهمة ونشاط وغل ملحوظ) فى بعض «النمر» وأظهروا بسالة مثيرة للقرف وهم ينفذون بإخلاص وحماس عمليات شج رؤوس وطحن عظام أهالى الشهداء الأبرار، ومن ثم باؤوا بفضيحة علنية مدوية أظنها هى السر والسبب المباشر وراء قرار سحب قطيع الإجرام من المشهد. غير أننى أظن كذلك أنه تراجع مؤقت وانسحاب «تكتيكى» بغرض امتصاص ردود الفعل الغاضبة المستهجنة، وأن الجهة «الفلولية» التى آلت على نفسها تنظيم المهرجانات الإجرامية المتجولة التى نشاهد هذه الأيام «نمرها» وعروضها المتنوعة الشاملة كل فنون الإجرام من قتل وسرقة وابتزاز وخطف واغتصاب وشتى صنوف الإيذاء والترويع الجماعيين، وهى تتحرك وتتنقل براحتها فى أرجاء البلاد من أقصاها إلى أدناها، ومن مسرح صحراء التجمع الخامس حيث مقر محاكمة المخلوع أفندى، إلى الحارات والشوارع والطرق السريعة وحتى المستشفيات ومرافق الخدمات العامة، بينما «ولدان» كثر فى جهاز الشرطة ما بين متفرج مبسوط قوى جدا خالص، ومشارك ب«نمرة» ما فى هذا المهرجان. أقول إنه انسحاب مؤقت ومن مسرح واحد غارق فى الضوء، لكن باقى العروض الإجرامية التى تستهدف عقاب الشعب المصرى وتكفيره من ثورته على الظلم والبؤس والتخلف والفساد والإذلال، مستمرة وقد تزدهر وتتصاعد أكثر فى الأيام المقبلة ما دام فى السلطة العليا الحالية مَن أصبح مقتنعا على ما يبدو بأن علاج آثار الآثام والأخطاء القاتلة فى إدارة المرحلة الانتقالية وأظهرها هذا التدليل والتدليع الشديدان اللذان استأثرت بهما تلك الجماعات و«العصابات» التى تخلط (عن عمد انتهازى أو جهل ظلامى) بين الدين والسياسة فتفسد وتشوه الاثنين معا، هذا العلاج لن يتم ولن يكون ناجعا إلا لو أتى على طريقة «وداونى بالتى كانت هى الداء»، أى اتباع نهج الطناش والغطرشة والإفساح فى المجال ل«تحالف» فلول ومخلفات نظام مبارك، وربما تشجيعهم وتمكينهم من إعادة إنتاج نفوذهم واستعادة سطوتهم من جديد (انظر وتأمل مليا فى قانونى الانتخابات وتنظيم الدوائر الجديدين). ولعلك لاحظت أن العبد لله استخدم فى الفقرة السابقة كلمة «تحالف»، والحقيقة أننى أقصد معنى هذا التعبير تماما إذ أرى أن زبالة ومخلفات عصر مبارك ليست من جنس ونوع واحد، لكنها متعددة ومتنوعة، فهناك فى القمة شريحة اللصوص وكبار النشّالين، ولكن فى القاع يوجد مزيج وخليط (أشرت إليه فى مقال سابق) بعضه وُلد وتَخلّق من بيئة مجامعية تسممت عمدا بمظاهر البؤس الاقتصادى والتخلف التعليمى والعقلى والتشوه الخلقى والروحى. أما الجزء الأخطر من هذا الخليط فهو الذى يعشش فى بعض مرافق ومؤسسات الدولة خصوصا فى جهاز الشرطة والأمن (راجع مقال أمس). وإذا صح تخمين العبد لله الفقير كاتب هذه السطور، أن بعض من بيدهم أمر البلاد الآن لديه فعلا عقيدة «الدواء الذى من جنس الداء» وعليه قرر أن يترك ويطلق هذا «التحالف» الشرير ليأكل أو يوازن خطر «تحالف» المتهورين اللاعبين بالدين، فإننا نكون أمام تهور أكبر ولعب أخطر بنار قد تحرق الأخضر واليابس فى وطن لا يستحق كل هذا العبث.