(1) كثيرون يزعمون هذه الأيام أن إخوانا الصيع الغلابة الذين نراهم أحيانا حالياً ويهيمون على وجوههم المنقرشة بآثار ضربات «السنج» والمطاوي ويتلطعون في الساحات والطرقات العامة وهم يجعرون ويهتفون مطالبين بعودة الرئيس «السارق» من السجن إلى الحكم من جديد، إنما هم مجرد قطعان بائسة مأجورة تثير الأسي والأسف أكثر مما تثير القرف ذلك أن أغلبهم دفع ثمن حكم حسني مبارك مرتين، مرة لما هبطوا إلى مستنقع الفقر والعدم والصياعة بفعل سياسات نظامه الإجرامية ومرة أخرى عندما استغل النشالون الكبار بؤس هؤلاء المساكين وجوعهم واستأجروهم لكي يتظاهروا ضد أنفسهم ويناقضوا مصالحهم ويجهروا بمديح جلادهم وسارق دمهم وسبب غلبهم وراعي بؤسهم. وأصدقك القول عزيزي القارئ، أنني لست مرتاحاً ولا أصدق شيئاً من كل هذه المزاعم الشائعة التي تقال في حق الصيع الغلابة هؤلاء بل لعلي أتجاسر وأبوح صراحة بأنني مقتنع أن غرضهم شريف ودافعهم للمشاركة في تلك التظاهرات والتجمعات المخزية ليس الجنيهات العشرين وعلبة السجائر ماركة «كليوباترا» التي ينفحهم إياها مقاولو الأنفار الذين يستجلبونهم ويلملمونهم من تحت الكباري، وأرجح أن المساكين أولئك ربما اقتنعوا، وهم تحت تأثير شم «الكُلة» ، بأن ثمة مصلحة لهم في عودة مبارك وعصابته للحكم ومن ثم استئناف المشروع القومي للنشل. أما إذا فشل المشروع وتأكد أن عودة الرئيس المخلوع مستحيلة وتماثل تماماً عشم الأستاذ إبليس في دخول جنة الملاك رضوان، فإن أضعف الإيمان وأقل واجب هو شق الحناجر بأي كلام فارغ يحمل معني «رد الجميل» للرئيس السارق. وأظن أن هنا بالضبط يكمن سر الدعوة لخروج جحافل الأخوة الصيع والبلطجية يوم 25 الشهر الحالي إلى الشوارع تحت شعار «رد الجميل» للراجل اللي وقف خلف خراب الوطن 30 عاما كاملة بغير كلل ولا ملل. ومع ذلك ، فإن أبسط أصول الديمقراطية وقواعدها تفرض علينا جميعا احترام حق إخوانا الصيع هؤلاء في التعبير العلني الحر عن تعاطفهم مع «الرئيس السارق» ولا سبيل ديمقراطي للرد عليهم إلا بتنظيم تظاهرات مليونية جديدة تحت شعار «رد السريقة» التي نهبها الرئيس «الناشل» وأسرته. (2) من الحقائق الثابتة في علم الفيزياء أن الأستاذ الدكتور يحيي الجمل نائب رئيس الوزراء لشئون «الثرثرة والرغي الوطني» يشبه في بعض شمائله وخواصه عناصر ومواد الطبيعة الأساسية من حيث كون سيادته لا يفني ولا يستحدث ولا يخلق من عدم. وتأسيساً على هذه البديهية العلمية فالدكتور المذكور لابد أن لديه أسبابه القوية أو يخفي علة أو حكمة ما وراء قراراته العجيبة وارتكاباته الطريفة في الملفات التي أوكلت إليه خصوصا ملفي تغيير قيادات الصحف القومية،وإعادة تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان. ففي الملف الأول بدت الجوانب الايجابية في قائمة التغيير والتبديل التي وضعها معالي الدكتور محض مصادفات وأخطاء غير مقصودة أما السلبيات والكوارث والأفخاخ التي رقدت في أحشاء هذه القائمة فقد ظهر جليا أنها متعمدة وهي الأصل والأساس، بدليل أن سيادته مثلاً تجاهل حقائق شائعة وساطعة كالشمس في كبد النهار وأصر على الاحتفاظ بعدد لا بأس به من القيادات القديمة لإصدارات ومطبوعات (بعضها مجلات عريقة) في مواقعها بينما القاصي والداني يعرف أن أقوي مؤهلات هؤلاء أنهم كانوا ومازالوا يخلطون بين وظيفة المخبر الصحفي والمخبر في مباحث التموين. وبالمنهج عينة تعامل معالي الدكتور الجمل مع ملف المجلس القومي لحقوق الإنسان، فقد حرص جنابه على تطعيم قائمة الأعضاء الجدد في هذا المجلس باثنين على الأقل من المخبرين الناشطين في خدمة جهاز مباحث أمن الدولة المنحل، بل أن مخبرا من الاثنين اللذين منحهما الدكتور الأسبوع الماضي مقعدين في مجلس يحمل اسم حقوق الإنسان، كاد من فرط حماسه وإخلاصه أن يشترك بنفسه في تعذيب المعتقلين السياسيين ويكهربهم بيديه الكريمتين ولم يمنعه إلا الشديد القوي، إذ لم تساعده صحته على أداء هذا الواجب المقدس فاكتفي بكتابة التقارير في زملائه والتحريض عليهم وإبلاغ البوليس فورا عن أي معارض لمبارك الأب أوالابن. علي كل حال لقد اجتهدت وأنفقت أياما في البحث والتنقيب عن الحكمة القاعدة خلف حرص الدكتور يحيي الجمل على تزويق قوائم الأسماء التي يختارها لكي تتبوأ مواقع في الصحافة أو حقوق الإنسان بعينات منتقاة من الأخوة أصحاب سوابق العمل في المباحث، وتوصلت بعد طول تأمل وتمحيص إلى أن سيادته ربما يكون من أنصار نظرية «داويني بالتي كانت هي الداء» وتطبيقها العملي أن قليلاً من «المخبرين» من شأنه تقوية مناعة «الصحافة» و«الإنسان» معا ويدفع عنهما شر عيون الحاسدين الطامعين في صحافة حرة وحياة إنسانية كريمة.. ولعياذ بالله.