طبعا أول ما تسمعوا مصطلح «الحدود الشرعية» ذهنكو يروح لقطع إيد السارق، ورجم الزانى بالحصى حتى الموت لو كان محصنا -يعنى سبق له الجواز- فلو ماسبقش له الزواج يُجلد 100 جلدة، وجلد القاذف اللى يتهم أى راجل أو امرأة بالزنى من غير دليل، وأقسم ليكم بالله إن لفظ الحدود لم يرد فى القرآن الكريم نهائيا فى مناسبة عقوبة محددة لجريمة معينة، إلا أن الفقهاء هُمَّا اللى اصطلحوا على تسمية العقوبات دى وأمثالها بالحدود، وأشاعوا المعنى ده عند عامة الناس، لدرجة أن صار لدى المسلمين فى عقلهم الباطن، كعقيدة لا تقبل الشك، إن الحدود دى من الثوابت فى القرآن الكريم. المعلومة الأولى: إن لفظ الحدود ورد فى القرآن الكريم «14» مرة فى أربع مناسبات، ولا مناسبة منها تتعلق بعقوبة السارق أو القاذف أو الزانى أو حتى قاطع الطريق أو المحارب. والأمانة العلمية تستوجب أن أقول لحضراتكم معلومتين فى مصطلح الحدود. المناسبة الأولى اللى ورد فيها لفظ الحدود فى القرآن الكريم: هى مناسبة بيان ما يحل للمسلم فى ليلة الصيام من الرفث والطعام والشراب وعدم مباشرة النساء حال الاعتكاف فى المساجد، ودى وردت فى الآية رقم «187» من سورة البقرة. المناسبة الثانية اللى ورد فيها لفظ الحدود فى القرآن الكريم هى مناسبة بيان أحكام العلاقة الزوجية من طلاق ورجعة وخلع إظهار، تسع مرات، ستة منها فى الخلع والمراجعة (ودى فى سورة البقرة فى الآيتين 229، 230)، ومرة فى بيان كفارة الظهار (ودى فى سورة المجادلة الآية 4)، ومرتين فى حق المطلقة، (ودى فى الآية الأولى من سورة الطلاق). المناسبة الثالثة اللى ورد فيها لفظ الحدود فى القرآن الكريم هى مناسبة بيان حكم المواريث (ودى سورة النساء الآية رقم 13). المناسبة الرابعة اللى ورد فيها لفظ الحدود فى القرآن الكريم هى مناسبة بيان قدر أوامر الله ونواهيه فى المطلق، فى 3 آيات على سبيل الحصر، وهى قوله تعالى فى سورة النساء: «وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارا خَالِدا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ» (النساء: 14)، وقوله تعالى فى سورة التوبة «الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرا وَنِفَاقا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (التوبة: 97)، وقوله تعالى فى سورة التوبة أيضا: «التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ» (التوبة: 112). هيّا دى المعلومة الأولى اللى ممكن ألخصّها فى إن لفظ الحدود فى القرآن الكريم ورد «14» مرة فى بيان بعض أحكام الحلال والحرام، ومافيش مرة منها اتكلمت عن أى عقوبة حدية من اللى الفقهاء وصفوها بالحدود الشرعية. المعلومة الثانية: أن العقوبات المقدرة فى القرآن الكريم، وهى قطع إيد السارق، وجلد الزانى والقاذف، وقتل قاطع الطريق أو صلبه، أو قطع إيده ورجله من خلاف أو نفيه من الأرض، وردت صحيح فى القرآن الكريم من غير تسميتها بالحدود، وردت كتكاليف عبادته زى التكاليف بالصلاة والصوم والحج علشان الناس تفهم مقصود الشرع منها، فهى تطهيرات نفسية، مش عقوبات تأديبية، يعنى مشروعيتها لتطهير المذنب وتزكيته لردع المجرم، وزجر المجتمع، يعنى بالعربى الفصيح، الحدود دى اللى هيا «قطع إيد السارق وجلد الزانى والقاذف وغيرها» ماينفعش تدخل فى قانون العقوبات، ولا يمكن ينضبط بيها أمن المجتمع، مش زى الخطاب الدينى الكهنوتى أو الوصائى من التيار النصّاب بالدين واللى مسمى نفسه «تيار إسلامى»، يقول إن إقامة الحدود دى هتخلّى البلد فى أمان، وأقسم ليكم بالله، ده كلام كذب وتجارة بالدين علشان يكسبوا أصواتكم، ويستولوا على حكمكم بالبرلمان، زى ما كذبوا قبل كده، بمشروع النهضة، والتجارة بشعار إسلامية، واستولوا على حكم مصر فى 2012. وعندكم تجربة داعش فى العراق اللى أقاموا حد الرجم على امرأة اتهموها بالزنى، وهُمَّا نفسهم أقصد تنظيم داعش نفسه قنِّن لنفسه الزنى فى ما يُعرف بنكاح الجهاد. الحدود المعروفة ماينفعش تكون عقوبة قانونية آمنة، لأنها تسقط بالشبهة اللى بيقدمها المتهم، حتى ولو قبل صدور حكم القاضى، المهم إنها تكون قبل التنفيذ، لما أخرجه البيهقى والترمذى بسند فيه مقال عن عائشة، إن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله، فإن الإمام لأن يخطئ فى العفو خير من أن يخطئ فى العقوبة». وماينفعش تكون عقوبة قانونية آمنة للمجتمع، وتحقق العدل بين أبنائه، لأن الحدود دى تسقط بالتوبة عند بعض الحنفية، والأصح عند الشافعية، وإحدى الروايتين للحنابلة، صحيح الفقهاء التانيين قالوا لو رفع أمر الحد إلى الحاكم فتسقط التوبة، والواجب إقامة الحد، لكن اسمعوا دليل الشافعية فى الأصح ومن وافقهم على أن الحدود تسقط بالتوبة حتى بعد الرفع إلى القاضى: قول الله عزل وجل: «فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (المائدة: 39). كل اللى قلناه بيأكد إن المجتمع المتحضر اللى عايز يأمن أهله عليه إنه يضع القانون المناسب له، سواء كان قانون مدنى ولا جنائى علشان المجتمع يتحمِّل مسؤولية نفسه، ومايرميش تبعة فشله على الشريعة الإسلامة.. أما الشريعة الإسلامية فجاءت تخاطب كل إنسان على حدة، لأن الدين جعل نفسه تحت أمر الإنسان فى قوله تعالى: «وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقا» (الكهف: 29).