بدأ الكونجرس الأمريكى فى اتخاذ الخطوات الضرورية لرفع القيود المفروضة على المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر. وذلك بعد أن أقرت لجنة فرعية تابعة للجنة الاعتمادات بمجلس النواب الصياغة الجديدة للتشريع الخاص بالمساعدات لمصر فى ميزانية العام المالى 2016. والتشريع الجديد لا يتضمن اشتراط ربط المعونة بأمور الديمقراطية وحقوق الإنسان فى مصر، كما كان مذكورا فى ميزانية العام المالى 2015. وحسب ما قاله المراقبون فإن واشنطن منذ أن حسمت أمرها فى نهاية شهر مارس الماضى تعطى من جديد الأولوية للعلاقة الاستراتيجية مع مصر، وضرورة استمرارها، وأيضا لالتزام مصر باتفاقية السلام مع إسرائيل. الميزانية بتوجهاتها الجديدة سوف يتم إقرارها من جانب لجنة الاعتمادات بكامل أعضائها قبل رفعها لمجلس النواب. النائبة كاى جرانجر (جمهورية من تكساس) ورئيسة اللجنة الفرعية للجنة الاعتمادات، تناولت التعديلات التى جرت مؤخرا قائلة: «ما نريد أن نفعله مع مصر هو أن نعود إلى ما كنا عليه من قبل. ونحن شعرنا أن مصر تحاول أن تغرس الديمقراطية مع السيسى، وأنها تحافظ على التعهدات الأخرى التى تعتبر من مصلحة أمننا الوطنى». كما أن القيادية البارزة فى الكونجرس قالت صباح الأربعاء: «إن مصر شريكة حيوية للولايات المتحدة. وقد استمرت فى علاقتها الاستراتيجية معنا. وهى (مصر) متمسكة بمعاهدة السلام مع إسرائيل. وفى ميزانية هذا العام نحن نستمر فى جعل هذين الأمرين كأولية قصوى. ونحن نواصل متابعة الوضع فى مصر إلا أن الولاياتالمتحدة يجب أن تتوقف عن إرسال رسائل مختلطة» ثم أضافت جرانجر: «إن علاقتنا الأمنية مع مصر بدأت منذ أكثر من 30 عاما، عندما وقعت مصر معاهدة السلام مع إسرائيل. وقد حافظت على السلام منذ ذلك الوقت. إنه فى وقت الفوضى بالشرق الأوسط نحن فى حاجة إلى مصر كحليفنا المستقر». وقال أحد أعضاء اللجنة الفرعية داتش روبرسبيرجر (ديمقراطى من ولاية ميريلاند) فى تصريحات ل«المونيتور» الإصدار الأمريكى الإلكترونى تعليقا: «عندما يكون لديك حليف تعمل معه، أنت لا تنتقده وتهدمه إنما تبنى معه» مضيفا: «عندما نبتعد عن مصر هل تريد أن تقوم الصين أو روسيا بالذهاب إليها والاستحواذ عليها. مثل هذه الأشياء يجب أن ننتبه إليها». ويأتى هذا التحول أو التغيير أو التعديل توافقا مع ما أقرته الإدارة، وقرره الرئيس أوباما، وأبلغ قراره للرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى فى مكالمة تليفونية يوم 31 مارس 2015، مشددا على ضرورة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وشارحا طبيعة توجهها فى المرحلة المقبلة. وقد أجمع المراقبون على أن مع هذا القرار تم «طى صفحة قديمة» و«فتح صفحة جديدة». وجاء التقرير الذى رفعه جون كيرى وزير الخارجية للكونجرس مؤخرا، الذى تناولته «التحرير» فى عددها الصادر أمس ليعكس هذا التوجه الأخير ولغة «البراجماتية» ومصالح البلدين فى الاهتمام بالشراكة الاستراتيجية والعمل على تعزيزها، مع عدم ربطها أو اشتراطها بالقلق أو التحفظ الذى لدى واشنطن تجاه ما يحدث فى مصر داخليا وسياسيا. ويذكر كول بوكنفيلد من «بوميد» وأحد أبرز المتابعين والمختصين بقضايا الكونجرس وشؤون الشرق الأوسط فى إشارته إلى التغييرات التى طرأت بأنه إذا كان التشريع الخاص بميزانية العام المالى 2015، يتضمن طلبا بأن تجرى مصر انتخابات برلمانية «حرة ونزيهة» (حسب التوصيف) فإن التشريع الخاص للعام المالى 2016 يطلب فقط أن مصر «تجرى انتخابات برلمانية». ثم إذا كان التشريع من قبل يطلب «إجراء تحقيقات ومحاكمات ذات مصداقية تجاه الإفراط فى استخدام القوة» (حسب نص التشريع) فإن التشريع الحالى يتنظر فقط تقريرا عن الخطوات التى تم اتخاذها «لتحسين الشفافية والمحاسبة بالنسبة لقوات الأمن». كما أن التشريع لميزانية 2016 يسحب من التشريع السابق الشرط، أو الاشتراط بأن تقوم مصر «بالإفراج عن المواطنين الأمريكيين الذين يراهم وزير الخارجية الأمريكى بأنهم سجناء سياسيون، وأن يتم إسقاط التهم الموجهة إليهم». وكان تقرير قد صدر مؤخرا عن الخارجية ذكر بأن هناك أربعة من «مزدوجى الجنسية قضاياهم لها صبغة سياسية» يوجدون فى مصر. وهذا الرقم كان يشمل «محمد سلطان» الذى تم الإفراج عنه وترحيله منذ أيام. كما أن التشريع القديم لآليات المساعدات المقدمة لمصر كان يتطلب تقريرا من وزير الخارجية لإقرار التزام الحكومة المصرية بمسارها الديمقراطى والإصلاحى. وفى المقابل فإن التشريع الجديد (كما يشير بوكنفيلد) تطالب الخارجية الأمريكية أن تقدم تقريرا كل 90 يوما عن «الخطوات التى تتخذها مصر» من أجل إجراء انتخابات برلمانية وحماية ودفع حقوق المرأة والأقليات الدينية. وأيضا تطبيق القوانين والسياسات من أجل الحكم ديمقراطيا وحماية حقوق الأفراد والتمسك بالإجراءات القانونية. وإجراء إصلاحات لحماية حرية التعبير وحرية التجمع السلمى، بالإضافة إلى إمكانية المجتمع المدنى والميديا فى ممارسة نشاطهم دون تدخلات، وأيضا تحسين الشفافية والمحاسبة لدى قوات الأمن. وحسب ما ذكر فإن التشريع الجديد يسمح بأن تكون هذه التقارير سرية، مما يزيد من قلق المنظمات المعنية بحقوق الإنسان. بشكل عام ما كان مطلوبا من قبل من إقرارات من جانب الإدارة ووزير الخارجية سوف يقتصر فى المستقبل على التقرير الذى يمكن تقديمه، وأيضا الاحتفاظ بسرية مضمونه. ولذا أشار أكثر من مراقب إلى أن التشريع المقترح والمطروح يعد ما يمكن تسميته ب«ذروة الإضعاف التدريجى» للقيود الموضوعة على المساعدات لمصر، منذ أن تمت الإطاحة بالرئيس مرسى عام 2013. الباحثة ميشيل دن بمركز «كارنيجى» والمتخصصة فى شؤون مصر، علقت على هذا التحول قائلة: «إن التشريع الجديد فى الأساس يقر أن الإدارة الأمريكية لن تستطيع أن تقر وتعتمد إقرارا بأن حكومة مصر مستمرة فى انتقال ديمقراطى أو تحترم حقوق الإنسان، لأنها لا تفعل ذلك. ولكن فى الوقت نفسه فإن الإدارة الأمريكية غير راغبة أن تعلق المساعدة العسكرية لهذه الأسباب».