أصيب كثيرون بالإحباط بعد تعيين المستشار أحمد الزند وزيرًا للعدل، والإحباط ليس بسبب شخص الزند، فهو قاضٍ جليل وكانت له مواقفه القوية لصالح القضاة خلال فترة حكم الإخوان وطوال رئاسته لنادى القضاة، على مدى دورتين متتاليتين، ولكن الإحباط جاء بسبب أن الوزير الجديد له موقف مشابه للوزير السابق، الذى قدم استقالته عقب تصريحه بأن ابن الزبال لا يصلح قاضيا، بل إن الزند زاد عليه بإعلانه الانحياز إلى تعيين أبناء القضاة فى مواقع قضائية، عندما قال: «من يهاجم أبناء القضاة هم الحاقدون والكارهون ممن يرفضون تعيينهم وسيخيب الله آمالهم وسيظل تعيين أبناء القضاة سنة فسنة، ولن تكون هناك قوة فى مصر تستطيع أن توقف هذا الزحف المقدس إلى قضائها»... هذا الكلام يكرس مبدأ التوريث، مما يعنى تقليص الفرص أمام الفقراء فى التعيين فى منصب قضائى، مهما كانوا أكثر اجتهادا وتفوقا من أبناء المستشارين وأقاربهم، وربما هذا ما جعل البعض يتساءل هل النظام الذى أعلن كثيرا عن تمسكه بالعدالة الاجتماعية موافق على شرط الوضع الاجتماعى عند التعيين فى القضاء؟ وإذا كان متمسكًا بالعدالة الاجتماعية فكيف يأتى بوزير ضدها؟ ويزيد البعض بأن اختيار الزند رغم كفاءته وقدراته التى لا يختلف عليها أحد فهى رسالة من النظام بأنه لن يدخل معركة مع القضاة من أجل الغلابة، وأن إقرار مبدأ العدالة الاجتماعية فى تعيينات القضاء ما زال بعيدا، أو على الأقل لا تعتمدوا على الحكومة فى حصول الفقراء على حقوقهم، وهى أيضا رسالة أخرى للمجتمع: أنتم لم تجبرونا على إقالة وزير العدل السابق وهو الذى فضل الاستقالة، ولو أصر على الاستمرار فى منصبه لظل رغم كل الهجوم عليه، فنحن لا ننصاع لإرادة الجماهير ولا نخشى غضبها، ولذلك جئنا بالوزير الجديد يحمل نفس أفكار الوزير المستقيل وله ذات المواقف. يرى البعض أن اختيار الزند هو عودة لاختيار أهل الثقة، ويستندون فى ذلك إلى اختياره رغم وجود عدد كبير من القضاة يصلحون للمنصب ممن لم يجهروا بآراء مستفزة، مثل أن القضاة هم الأسياد، وأيضا ليس لديهم خلافات مع عديد من الشخصيات العامة أهمهم رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، والذى أعلن من قبل أكثر من مرة عن خلافه مع الوزير الجديد، بل وصل الأمر إلى تبادل الاتهامات بينهما، فهل اختيار الزند رسالة أخرى من النظام تقول: نحن لا نتخلى عن الذين وقفوا معنا فى معاركنا ضد الإخوان، وهؤلاء لا بد أن يكافأوا؟ قد يكون الكلام السابق صحيحا، وقد يكون تحليلا خاطئا ومتزيدا، ولكن المؤكد أن تعيين الزند أو غيره من القضاة وزيرا للعدل لن يحل المشكلة المزمنة فى طريقة اختيار وكلاء النيابة الجدد، ولن يعطى المظلومين والمبعدين من جنة القضاة لاعتبارات اجتماعية غير مقبولة، مثل وظيفة وعمل الأب ولأسباب غير دستورية مثل مؤهل الوالدين، والمشكلة ليست فى النظام وانحيازاته فقط، ولا لأنه يعمل بطريقة رد الفعل، ولا لأنه لا يقوم بخطوات جريئة فى الإصلاح الاجتماعى، المشكلة الحقيقية تكمن فى المجتمع المدنى والقوى السياسية والمفكرين ودعاة الإصلاح الذين يكتفون بالكلام وتوجيه الانتقادات دون اتخاذ خطوات حقيقية من أجل إرغام الحكومة على تصحيح الأخطاء، فهل ننتظر من هذه القوى خطوة تجاه إعداد قانون لتجريم التمييز الدينى والاجتماعى والجنسى تمهيدا لمطالبة الرئيس بإصداره أم نظل نتكلم فقط حول مغزى اختيار الزند؟!