تصور شبه متكامل حول «كيفية بناء الولاياتالمتحدةالأمريكية لاستراتيجية جديدة فى الشرق الأوسط»، أعده فريق على مستوى عالٍ من باحثى معهد واشنطن، أحد المعاهد الأمريكية المتخصصة فى صنع السياسات والإدلاء بالنصح فى صناعة القرار، وحماية المصالح الأمريكية، الفريق يضم مجموعة من المتخصصين فى الشأن الخليجى والسياسات العامة وشؤون الشرق الأوسط (صامويل برجر، جيمس جافرى، وربرت ساتلوف)، وعلى رأسهم «دينيس روس»، الدبلوماسى المُحنك والرجل الأول لعملية السلام فى الشرق الأوسط فى أثناء ولاية كل من جورج بوش الأب وكلينتون، حيث كان يعمل عن كثب مع ثلاثة وزراء للخارجية وقام بدور الوسيط فى مساعدة الفلسطينيين والإسرائيليين للوصول إلى اتفاق مؤقت عام 1995؛ وقام بتسهيل معاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية. التصور الذي تقوم «التحرير» بعرض ملخص مترجم له يأتى تحت عنوان «العناصر الرئيسية فى استراتيجية الولاياتالمتحدة فى الشرق الأوسط» ويشير الكتاب فى البداية إلى مجمل التحديات التى تواجه الولاياتالمتحدة فى المنطقة، ثم ينتقل إلى نقاط الارتكاز العامة فى الاستراتيجة المقترحة وآليات التعامل الأمريكى مع القوى الرئيسية فى المنطقة. أمريكا مستنزَفة فى البداية تشير الاستراتيجية المقترحة إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تواجه اليوم كثيرًا من المستجدات والنزاعات والأخطار التى تستهلك قواها فى المنطقة، والتى تنذر بانهيار خريطة «سايكس بيكو»، التى جرى تشكيل المنطقة وفقا لها قبل مئة عام تقريبا. صراع ما بين السنة والشيعة، وبجانب هذا صراعات طائفية وطبقية وعشائرية... الصراع حول الهوية سيكون بمثابة الطاعون الذى يهدد أنظمة الدول فى الشرق الأوسط خلال العقد القادم، وعن التطوير الذى تقترحه الاستراتيجية الأمريكية فهناك ستة محاور بعينها ينبغى العمل عليها وبشكل عام. شكل الاستراتيجية المطلوبة أولا: التركيز على تقوية نظام الدولة فى منطقة الشرق الأوسط، فتحقيق الاتزان فى مواجهة النزاعات التى تدور فى المنطقة يأتى بالعمل مع الشركاء التقليديين (مصر، السعودية، الأردن، الإمارات وإسرائيل)، ووفق الكتاب «هذا لا يعنى سحب انتقاداتنا المشروعة أو التضحية بقيمنا» هنا يأتى ذكر التعامل مع مصر كمثال، حيث الحاجة إلى حكومة مركزية تتوافق مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية العميقة، وهو ما يجب أن يكون مرتبطا بالعمل لتأكيد أن تلك الدول بما فى ذلك مصر تكون أكثر إدماجا وأكثر تعددية وأكثر احتراما للأقليات. ثانيا: العمل على إلحاق أكبر قدر من الهزائم ب«داعش»؛ فالهزيمة وفقدانها الكثير من الأراضى التى تسيطر عليها سجعلانها أقل جاذبية، ويجب أن تكون الدبلوماسية أكثر ذكاء؛ فنشر صورة أن «داعش» يُهزَم سوف ينزع عنها الغطاء الإلهى الذى تدَّعيه، لكن تحقيق هذا يحتاج إلى هجمات أوسع، وهو ما يتطلب قوات برية، وهنا فإن استخدام قوات أمريكا لن يكون الحل، والقوات العربية المحلية هى البديل المناسب، ويمكن دعمها بمستشارين وأفراد قوات خاصة أمريكية. ثالثا: تركيز الرؤية فى سوريا بشكل موضوعى، بتقوية الجماعات المناهضة للأسد وداعش، والتركيز على ألا يمتلك الأسد تفوقا استراتيجيا يتيح له القضاء على من هم من غير «داعش» (من مجموعات المعارضة). رابعا: إدارة تَحوُّل مقبول فى العلاقات مع إيران. فحينما تَقبل إيران ألا تكون خطرا على المصالح الأمريكية، فى هذه الحالة فإن الوصول إلى تسوية شاملة مع إيران حول برنامجها النووى «بما يتيح لها حق استخدام الطاقة النووية فى غير الأغراض العسكرية» ينبغى حينها ترك المساحة لإيران كى تعدل من سلوكها العدائى فى منطقة الشرق الأوسط، والحالة السورية، والتوقف عن دعم بشار الأسد قد يكون مثالا على ذلك. خامسا: إدارة العلاقة مع الأتراك، مع الأخذ فى الاعتبار دور تركيا فى قضية «داعش» وإيرانوسوريا، وقضية المحافظة على أنظمة الدول فى الشرق الأوسط، لكن تظل مشكلة دعمهم للإخوان مشكلةً عميقة.. وهنا يجب إعطاء اهتمام أكبر لتحقيق المصالح الأمريكية ببذل جهد أكبر للتقريب بين تركيا وجيرانها. سادسا: الترتيب مع الأوروبيين واليابانيين والخليج لإعادة بناء وتنمية واستقرار مناطق فى العراقوسوريا فى المساحات التى يفقدها «داعش».. والمبدأ الأساسى هنا هو ألا يكون الأسد شريكًا فى التسوية السياسية، وعلى الولاياتالمتحدة أن تعمل أكثر لتلبية احتياجات السوريين فى المخيمات فى لبنانوالأردنوتركيا. وبشكل أكثر تفصيلا تدرج الاستراتيجية آليات الحركة على مستوى البلدان فى العراق، ومصر وسورياوإيران والخليج والأردن وإسرائيل. المطلوب فى العراق: 1- دعم العشائر السُّنية، من خلال الحرس الوطنى، بجعلها قادرة على محاربة «داعش». 2- إعادة السيطرة على المدن الكبرى. 3- ضمان عدم وجود تهديد على العاصمة بغداد. 4- تطبيق معايير لضمان تأسيس قوات أمن عراقية مؤثرة، بما فى ذلك قوات مكافحة إرهاب وعمليات خاصة. 5- تقليص الميليشيات الشيعية. 6- توسيع إنتاج النفط وتأمين اتفاقات نفط بين الحكومة المركزية فى العراق والأكراد. المطلوب في سوريا: تستبعد الاستراتيجية تحقيق أى نجاح فى العراق دون اتباع مقاربات متعددة، فالإدارة الأمريكية مدركة أن «داعش» لن يُهزم فى سوريا دون أن يُهزم فى العراق، لكن فى الواقع فإن بشار الأسد يستغل الضربات الأمريكية فى العراق بشكل دراماتيكى لكى يقوم بقصف المعارضة (من غير داعش) «الجماعات التى تريدها أمريكا أن تحل محل «داعش» فى وضع صعب، ومشغولة بالدفاع عن نفسها. الخطة المزمع تنفيذها للتدريب يجب أن تبدأ؛ من أجل بناء معارضة قوية تستطيع أن تغير الاتزان الاستراتيجى على الأرض، وبهذا تكون هناك مجموعات معارضة عسكرية وسياسية أكثر كفأة». ثم يأتى الاقتراح بضرورة الضغط على الأتراك كى يعملوا على ضمان وجود «منطقة عازلة» بعيدة عن اختراق «داعش»، مثل هذه المنطقة سوف توفر بيئة مناسبة للمعارضة السورية.. ويجب على السعودية والإماراتالكويت وقطر أن تمول السكن والبنية التحتية للاجئين، وأن يتحملوا تكلفة التدريب العسكرى للمجموعات المعارضة السورية. فالهدف هنا هو إيجاد مساحة لتسوية سياسية بإظهار أن الأسد لا يمكن أن يفوز، بالطبع قد لا يقبل الإيرانيون والروس هذا، لكن يجب إظهار أن الكلفة لهذا ستكون عالية. يجب أن يعلم الروسيون والإيرانيون أن الهدف الأمريكى هو بناء معارضة من أجل الوصول إلى تسوية سياسية «الأسد ليس داخلها»، حيث يتم حوار وطنى شامل يدمج كل المجموعات بما فى ذلك الأقليات. العلاقة مع إيران تضع الاستراتيجية المقترحة تحديا ضروريا أمام صانع القرار فى هذا الصدد وهو «جعل أنفسنا فى موضع القابلين للعمل مع إيران فى حالة إذا قامت بتغيير منظورها، وفى نفس الوقت إظهار أن الكلفة سوف تكون غالية فى حالة أى سلوك غير مقبول، لذا فمن المهم إظهار أننا قادرون على رفع الكلفة أمام إيران فى سوريا، وفى المنطقة، من المهم جدا التأثير على سياسة إيران.. فالحاجة لتطوير رؤية براجماتية هو مفهوم فى إيران لكن فرصها فى النجاح محدودة مع توسع تأثير قاسم سليمانى وفيلق القدس فى المنطقة». إطار الاتفاق الذى تم التوصل إليه مع إيران فى أبريل يضع أساسا لنظام سيطرة محكم على القدرات النووية الإيرانية، لكنه يحتاج إلى إضافات حيوية قبل نهاية يونيو كى يكون النظام ناجحًا. الاتفاق الإطارى يوفر الدخول لكل المنشآت المعلنة وغير المعلنة، لكن الآلية لتنفيذ هذا يجب أن تكون محل تفاوض.. ويجب أن تعلم إيران عواقب أى اختراق أو مخالفة، ويجب أن يوصل أوباما رسالة أن امتلاكها للسلاح النووى بعد أن ينتهى المدى الزمنى للاتفاق هو أمر لن يسمح به. ويجب أن تعلم إيران أن هناك إمكانية للرد العسكرى فى حالة أن كسرت الاتفاق. الأمر الآخر هنا هو أن أى اتفاق بين أمريكاوإيران يجب أن يكون مقترنا بإجراءات أخرى، مثل الوجود العسكرى، مبيعات الأسلحة، تعاونات أمنية أوسع مع دول الخليج.. هذه الأمور يجب أن يعلمها القادة الإيرانيون، ليس بالضرورة لأنهم سيقتنعون لكن كى يعلموا كُلفة أى فعل مما سبق.. ويجب أن يُنسِّق الكونجرس مع الإدارة الأمريكية من أجل بحث الخيارات المتاحة لكل خرق أو جزء فى الاتفاق، بما فى ذلك احتمالية التدخل العسكرى. المطلوب من الخليج خلْق ملاذ آمن فى سوريا لن يفيد فقط فى استعادة مصداقيتنا لدى السعوديين، لكن أيضا سيسهم فى استعادة نفوذنا.. سوف يرون أننا نعمل على مواجهة طموحات إيران فى المنطقة، وهذا سيمكننا من الضغط عليهم -السعوديين- لفعل المزيد وتقديم أموال أكثر فى سبيل دعم المجموعات السنية، وتنسيق أفضل بين ما يمكن أن يمنح للمعارضة السورية، والتى نسعى إلى أن تتجمع، وجهود أكثر لمواجهة «داعش»، والمزيد من المساعدات للاجئين السوريين، وسوف يكون هذا مهما فى إقناعهم بقبول الاتفاق النووى مع إيران، وأن أمريكا لن تتعامل مع إيران كشريك إقليمى، وربما الدعم اللوجيستى والاستخباراتى والتخطيطى لدعم التحالف الذى تقوده السعودية فى اليمن قد يقلل من اعتقاد الخليج بأننا مترددون إزاء مواجهة النفوذ الإيرانى وتحركاتها فى المنطقة. العلاقة مع مصر لا توجد استراتيجية ممكنة لدعم نظام الدولة فى الشرق الأوسط دون تنشيط العلاقة المصرية الأمريكية، حتى ولو بالشىء القليل. العلاقات العسكرية بين الجانبين يجب أن تبقى أساسا، هذا إذا أردنا امتلاك إرادة للتأثير فى السلوك المصرى. إعادة تقديم المساعدات العسكرية إلى مصرى كانت خطوة هامة فى سبيل إعادة بناء علاقة تمزقت مع مصر، بدا فيها تحدٍّ للولايات المتحدةالأمريكية. لا يجب أن نوقف الانتقادات الأمريكية حول السياسات الداخلية المصرية، لكن هذا قد يكون أكثر تأثيرا فى إطار علاقات (مصرية - أمريكية) ممتدة.. فلن يكون هناك نظام دولة فى الشرق الأوسط دون مصر. نحتاج أيضا إلى استخدام الخليج فى التأثير على السياسات الاقتصادية المصرية، ويجب فتح قنوات مع الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى فى سبيل الإعراب عن مخاوفنا من التضييق على المجتمع المدنى، واعتقال النشطاء السياسيين (من غير الإسلاميين)، وعدم ترك مساحة للنشاط السياسى.. والهدف الأبعد من المحافظة على المساعدة المشروطة هو توثيق الشراكة الأمنية، بما فى ذلك العمل المتعاون مع مصر لمواجهة مصادر الخطر التى تواجهها من الجماعات المرتبطة ب«داعش» فى سيناء وفى ليبيا. العلاقة مع الأردن الأردن يُعدُّ منطقة عازلة بالنسبة للخليج وإسرائيل من خطر «داعش»، ولهذا فإن بلدان الخليج عليها أن تقدم المزيد من الدعم للأردن ماليا (لدعم وتعزيز استقراره ولمساعدته فى إدارة شؤون اللاجئين). قتل معاذ الكساسبة الطيار الأردنى خلَّف ردود فعل غاضبة وواسعة فى الأردن، خصوصًا بين العشائر السنية، وهو ما عزز بالفعل موقف الملك فى جهود مكافحة «داعش». لكن أيضا لا يمكننا أن نتجاهل السخط الداخلى فى الأردن والذى قد يكون مغذيا ل«داعش»، لذا علينا أن نعمل مع الملك لمواجهة التحديات التى تواجهه فى الأردن، بالإضافة إلى ضرورة أن يؤخذ الأردن فى الاعتبار بتصور إقامة منطقة آمنة فى سوريا، خصوصا أن أمن مثل تلك المنطقة قد يكون جاذبًا للاجئين الذين يتدفقون على الأردن ويجعلون الأمور سيئة بالنسبة للأردنيين. ويجب تعزيز الإرادة الأردنية لقتال «داعش»، وعزل الأردن عن المطالبات بأن تقوم قواته البرية بالتدخل بريًّا ضد «داعش» كبديل عن الدول العربية الأخرى.