كان المخرج الكبير صلاح أبو سيف يعتبر كتابة السيناريو أهم مراحل إعداد الفيلم، وربما كان هذا سببا فى مشاركته فى كتابة السيناريو لكثير من أفلامه، حتى يضمن أن يكون متفقًا مع رؤيته السينمائية. كان مخرج الواقعية يبحث دائما عن الواقع، ويستمد منه أفلامه، لذا كان لا بد أن يجتمع مع ملك الأدب الواقعى. كانت الساحة السياسية فى مصر فى فترة الأربعينيات مليئة بالأحداث، التى لا بد، وأنها تركت أثرها فى المخرج الشاب آنذاك صلاح أبو سيف، الذى كانت نقطة تحوّل فى حياته، عندما التقى بالأديب الشاب آنذاك نجيب محفوظ. ويحكى محفوظ عن بداية علاقته بالسينما قائلا «عرفنى صديقى المرحوم الدكتور فؤاد نويرة بصلاح أبو سيف، وطلب منى أن أشاركهما فى كتابة سيناريو فيلم للسينما، اخترنا له فى ما بعد اسم (مغامرات عنتر وعبلة)، وكان صلاح أبو سيف هو صاحب فكرة الفيلم، وشجعنى للعمل معه أنه قرأ لى (عبث الأقدار)، والحقيقة أننى تعلمت كتابة السيناريو على يد صلاح أبو سيف». أما المخرج الكبير صلاح أبو سيف فيحكى ذكرياته عن بداية دخول محفوظ السينما: «بدأنا نفكر معا فى (مغامرات عنتر وعبلة) عام 1945، وكتبناه سنة 46، وتم تصويره 47، وعرض 48، كان قصة عبد العزيز سلام، ولم يكن فيها جديد عن الفيلم، الذى سبق إخراجه عن نفس الموضوع. فكرت فى أن يكون الجديد أن تكون الحروب بين العرب وعدو خارجى، وليس بين العرب والعرب. وافقنى نجيب محفوظ، وقررنا أن تكون الحروب فى الفيلم بين العرب والرومان، كما صورنا فى الفيلم شخصية يهودى قام بتمثيلها زكى طليمات، وجعلناه يلعب على الطرفين: العرب والرومان، تم تصوير الفيلم فى أثناء احتدام المشكلة الفلسطينية، وبدأ المونتاج بعد تقسيم فلسطين فى نوفمبر 47، وإن كان قد عرض فى ديسمبر 48 بعد إنشاء إسرائيل. والغريب أن الحوار الذى كتبته مع نجيب محفوظ وردت فيه بعض العبارات والشعارات، التى رفعتها ثورة 23 يوليو بعدها مثل (نسالم من يسالمنا ونعادى من يعادينا)، بل والأغرب أن شخصية اليهودى فى الفيلم كانت له عصابة على عينه تماما مثل موشى ديان بعد ذلك، ولم يكن ديان قد أصيب بعد ووضع هذه العصابة». وكانت تلك هى البداية فحسب، لينطلق بعدها الثنائى فى عدة أفلام ناجحة دخلت فى قائمة أفضل مئة فيلم فى السينما المصرية، ففى عام 1953 كتب محفوظ قصة وسيناريو فيلم «ريا وسكينة»، مستلهما إياه من تحقيق صحفى عن الجريمة الشهيرة، وبعدها بعام قدما فيلم «الوحش». وبعد تعاون فنى امتد نحو 13 عاما كان صلاح أبو سيف أول من أقدم على إخراج فيلم سينمائى عن رواية لنجيب محفوظ، وهكذا خرج فيلم «بداية ونهاية» عام 1960 لتنتبه بعدها السينما إلى عظمة روايات نجيب محفوظ. والتعاون بين محفوظ وأبو سيف ممتد، فلا يمكن أن تنسى فيلما مثل «الفتوة» أو «القاهرة 30»، ويكفى أن تتوقف أمام فيلم مثل «بين السما والأرض» لتعرف كيف يمكن أن يجتمع عملاقان ليخرجا معا تحفة فنية. والعجيب أن الفيلم كله مأخوذ عن تجربة شخصية لأبو سيف، عندما تعطل به المصعد مع زوجته فخطرت له الفكرة وحملها إلى نجيب محفوظ. لم يكن محفوظ يقبل أن يتنازل عن إحساسه بالواقع المصرى، وكانت هذه هى النقطة نفسها التى تميّز بها صلاح أبو سيف، الذى كان يصر على أن ينقل الواقع، وهكذا كوّن الاثنان معا ثنائيا واقعيا متجانسا، وكأن كل منهما كان يبحث عن الآخر ليكمل به إبداعه. وهكذا أخرج محفوظ أفضل ما فى أبو سيف، وأخرج أبو سيف أفضل ما فى محفوظ، وخرجنا نحن بروائع سينمائية.