للرئيس أوباما مقولتان ظاهرهما التناقض، أولا، الولاياتالمتحدة لا تستطيع أن تحل كل مشكلات الكون باللجوء إلى الغزو، كلما اضطربت الأمور وعمت الفوضى فى دولة ما، لأنه يتعين على الشعوب المعنية إيجاد مخرج وطريق، الولايات المتجدة تستطيع المساعدة، لكنها لا تستطيع حل محل إرادات الأطراف، وثانيا، السياسة الأمريكية تتميز دائما بثقتها بقدرتها على الإنجار، والإدارة الحالية لا تنسحب بل تنتهج سياسة عدوانية فى الانغماس فى المشكلات والسعى لحلها، مدركة أن الولاياتالمتحدة ما زالت أقوى دولة فى العالم، الدولة التى يسعى الجميع لكسب ودها ويطلب كل الأطراف نجدتها وتأييدها. لكن المشكلة وفقا له تكمن فى كون موارد وقدرات الولاياتالمتحدة محدودة، لا تستطيع واشنطن إرسال 200 ألف جندى إلى العراق أو إلى سوريا، إعادة احتلال العراق سيكون كارثيا للولايات المتحدة وللعراق، الدرس المستفاد من سياسات سلفه أن الوجود العسكرى الأمريكى قد ينجح فى تهدئة التوترات والمشكلات الطائفية، لكنه لا يستطيع القضاء عليها، وسوف تعود هذه المشكلات إلى السطح عندما تنسحب القوات، ولا يعنى هذا أن الولاياتالمتحدة لن تساعد، لكنه يعنى أنها لن تساعد ما لم يتوصل العراقيون إلى صيغة توافقية تشرك كل الطوائف فى الحكم، وما لم يثبت العراقيون أنهم مستعدون وراغبون فى القتال، وعندما يلبى العراقيون هذه الشروط ستبنى الولاياتالمتحدة تحالفا دوليا يضم 60 دولة وستحتفظ بالقيادة، والخلاصة -وفقا له- أن على الولاياتالمتحدة أن تعى أن القيادة لا تعنى الاحتلال، وأن هناك مشكلات لا يمكن حلها بسرعة، وأن القيادة تعنى الضغط على الآخرين ليتحملوا نصيبا من المسؤولية، وليشاركوا فى المجهود الحربى، وأن الولاياتالمتحدة تقود، لأنها الدولة التى تمتلك من الموارد والنفوذ ما لا يملكه غيرها، ويسوق الاستقطاب السنى الشيعى فى الشرق الأوسط كمثال دال على صحة كلامه، هذا الاستقطاب قديم، موجود منذ أكثر من ألف سنة، قد تستطيع واشنطن التخفيف من حدته والمساهمة فى تمكين قوى لا تستغل النعرات الطائفية، لكنها لن يكون فى مقدورها القضاء على هذا التوتر، لا سيما فى ظل وجود مشروعات متطرفة تعمل منذ عقود، ونجحت فى ضم أقلية من الشباب المسلم تحت لوائها، محاربة الفكر المتطرف مشروع طويل الأجل، ولا يترتب على إقرار تلك الحقيقة أن الولاياتالمتحدة ستنسحب من ساحة القتال، وأنها لن تحاول الانتصار فى بعض المعارك، الإقرار بتلك الحقيقة معناه أنه يتعين على الولاياتالمتحدة أن تدرك أن التطرف لن يزول بسرعة، لا سيما فى ظل بيئة اقتصادية واجتماعية تسهم فى تغذيته. هذا الكلام يحتاج إلى وقفات، سنفترض أن الرئيس الأمريكى صادق مع نفسه، وأنه عرض بتفصيل محمود تصوراته، وجميل أنه مدرك لحدود القوة العسكرية، رغم أننا نستطيع أن نقول إن رفض الحلول المتطرفة، الغزو أو الانسحاب. لا تترتب عليه الموافقة على خياراته فى ما يتعلق بحجم وتوقيتات وأسباب التدخل، وسنفترض أيضا -وهناك مؤشرات على صدقية هذا الفرض- أن الرئيس أوباما يدرك فساد واعوجاج السياسات الأمريكية السابقة على عهده فى المنطقة، رغم عدم إفصاحه عن هذا التشخيص، السياسات السابقة لم تحاول تهدئة التطورات الطائفية، بل راهنت على تأجيجها، وحاربت المشروعات العربية الساعية إلى التوحد، وإلى تجاوز حالة التفرقة والانقسام، وساندت مشروعات مولدة للفتنة -بالطبع لا ندعى أن تلك المشروعات السياسية العربية كانت خالية من أوجه القصور، لا نكتب للبكاء على الماضى ولا نريد الإطالة فى الحديث عن مسؤولية كل من أمريكا والعرب وإسرائيل، نتحدث فقط عن الحاضر- هل يستطيع أوباما أن يؤكد أن الولاياتالمتحدة لن تقوم مرة أخرى باللعب على التوترات الطائفية؟ طبعا لا. ولنا وقفات أخرى مع منطق الرئيس الأمريكى وخطابه.