النجاح مُعدي.. كلنا نريد أن ننجح وأسهل طريق لتحقيق هذا الهدف هو أن تدرس من سبقك وتقلد كل تفاصيله وتعتبر أنك كلما كنت دقيقا في الاستنساخ كلما نجحت في تحقيق النجاح، رغم أنه الطريق السريع للوصول إلى منتهى الفشل. عندما قفز عبد الحليم حافظ إلى ذروة النجاح الجماهيري في عام 1954 بأغنية "على قد الشوق اللى في عيوني يا جميل سلم" ، فوجئت لجان الاستماع في الإذاعة المصرية بأن أكثر من 100 مطرب يطرقون بابها وكل منهم يقلد عبد الحليم ويحاول أن يغني على الطريقة حليمية، ولم يتحقق أي منهم. النجاح الطاغي يحيل الفنان في أي مجال إلى أن يصبح هو الغناء وليس نموذجا للغناء، حدث هذا مع أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وفيروز، وهو ما تكرر مع فاتن حمامة وسعاد حسني وعادل إمام وأحمد زكي في مجال التمثيل، حيث يعتقد الفنان الجديد أن ما يسمعه أو يراه هو فقط الفن وليس نوعا من الفن. كثيرا ما كنت التقي في نقابة الصحفيين أو في مبني الإذاعة والتليفزيون بفنان جديد أسمر اللون يستوقفني قائلا لي إنه موهوب في التمثيل ويبدأ في تقليد أحمد زكي وهو يرقب نظرات عيني هل أنا مبهور به وهو يقلد نجمنا الأسمر؟ وهل وصل بالفعل إلى التلاقي مع أحمد زكي؟ كنت أكتفي بابتسامة وانطلق بعيدا حتى لا ندخل في جدال عقيم، من البدهي أن يبدأ الفنان مقلدا حتى يعثر على ملامحه وبصمته، كان رياض السنباطي في بداية مشواره مقلدا لمحمد القصبجي أستاذه الذي علمه العزف على العود، لكنه تحرر بسرعة لتصبح له شخصيته، وكان سيد مكاوي يحاكي أستاذه الشيخ زكريا أحمد حتى عثر على نغمته الخاصة، وكان فريد شوقي يريد أن يصبح أنور وجدي وكان أنور وجدي لا يرى في الدنيا سوى يوسف وهبي، والذي حدث مع الزمن أن كل منهما اكتشف نفسه، أنور أصبح أنور، وفريد فريد!! في حياته وبعد رحيله أتحدث عن أحمد زكي وجدت أكثر من فنان بترسم ملامحه مثل عمرو سعد ومحمود عبد المغني ومحمد رمضان، كان رمضان قد عرفته الناس من خلال آدائه لدور أحمد زكي في مسلسل السندريلا فكان التوافق حتميا ولكنه في الحقيقة كان أكثر ذكاء في العبور من هذا القيد مسرعا ليصبح محمد رمضان، ويبقى الأهم وهو المنهج الذي تركه أحمد أنه المعايشة الكاملة مع الشخصية، هيثم أحمد زكي ورث جينات أحمد زكي ولكنه منذ الوهلة والطلة الأولى عرف أنه ليس امتدادا للأب وأن الدور الذي لعبه في بداية المشوار كان حتميا أن يصبح مزيجا من حليم واحمد فهو يطل على شخصية عبد الحليم بعيون أحمد ولكنه بعد ذلك ربما بدون توجيه من أحد صار نفسه. سألوني عن عمرو سعد ومأزق أحمد زكي قلت لهم عمرو ممثل موهوب تأثر في البداية بأحمد ثم صار لديه نغمة أداء خاصة، مأزقه أنه يريد أن يصبح نجما جماهيريا وهو شرط لم أعد بعد مرور كل هذه السنوات أستطيع أن أقول لن يتوفر فيه، نعم لديه جمهور ولكنها دائرة محدودة لا تصنع منه نجما شعبيا وتلك هي العقدة التي يعيشها وسوف يبدد طاقته في إثبات ما لا يمكن إثباته، راجع إيرادات أخر فيلمين تجاريين له "حديد" و"ريجاتا" لتكتشف أن الأرقام تعانده. أما عبد المغني فهو ممثل موهوب ولكن بلا كاريزما النجم القادر على جذب الجمهور، ولو أقر مع نفسه بتلك الحقيقة يستطيع أن يترك أدوارا لا تنسى ولكن لو استمر في تلك المعركة المحسومة نتيجتها مسبقا في غير صالحه فلن يجد أمامه سوي "النبطشي" آخر أفلامه وأتصوره آخر محاولات شركات الإنتاح لتحقيق نجومية مفقودة. أحمد زكي جمع بين الحسنيين الممثل العبقري والنجم الجماهيري وهو مع الأسف ليس له فروعا أخرى!!