تبتعد عن مدينة الفيوم بحوالي 130 كيلو متر، وتقع شمال غرب الفيوم، بعد بحيرتي قارون والريان، وصحراء وادي الحيتان، وبالرغم من أنها يسكنها حوالي 5 آلاف أسرة، أي ما يقرب من 30 ألف نسمة، إلا أن طريقها ممتلئ بقطاع الطرق، والبلطجية الذين يسطون على المارة ويسرقون ما معهم تحت تهديد الأسلحة في وضح النهار، دون رقيب، وذلك بسبب بعد تلك المنطقة عن المدينة، ووجودها في عمق الصحراء، وتقترب من الحدود الغربية المصرية مع ليبيا، ويقطن بالقرية عددا من النازحين من الصعيد..إنها قرية سيدنا موسي وسيدنا الخضر. "التحرير"، رصدت في هذا التحقيق حياة سكان تلك القرية، وتبين أن عيشتهم تكاد تشبه الإنسان المصري القديم حال عيشه في الغابة، حيث يقطنون في منازل شيد معظمها بالطوب اللبن، ومكونة من طابق واحد، لا يزيد ارتفاعها عن مترين، وليس بها أي خدمات سواء كهرباء أو مياه، وتتكون من غرفتين فقط. الأهالي يعيشون على مياه الآبار، أو يشترون "جراكن المياه" من القرى المجاورة مثل مدينة إهناسيا التابعة لمركز بني سويف، والتي تبتعد عنهم مسافة 40 كيلو متر بسعر 4 جنيه مقابل كل جركن، كما أنهم يعيشون على "لمبات الجاز"، فبعد غروب الشمس يسود الظلام الدامس، ولا يرى أحدهم أحد بسبب عدم وجود الكهرباء، كما أن القرية لا يوجد بها أي مصدر للعلاج سواء وحدة صحية أو حتى صيدلية، وأقرب وحدة صحية لهم في قرية والي ميزار على بعد 80 كيلو، بالرغم من أنهم يعيشون وسط جميع أنواع الحشرات والزواحف الصحراوية السامة مثل العقارب والثعابين وغيرها، كما أنهم لا يوجد لديهم مقابر يدفنون بها، ومن يموت منهم يتم نقله إلى مسقط رأسه ليدفن فيها. في البداية، يقول بخيت لطفي "مزارع": إنه أتي من الصعيد في التسعينيات عقب صدور قانون العلاقة بين المالك والمستأجر، مما تسبب في ضيق عيشهم، فقرروا النزوح لتلك القرية آملين في حياة آدمية، بعد أن أخذت الدولة أراضيهم التي في بلادهم منهم مقابل قطعة أرض هناك بمساحة فدانين ونصف مع منزل صغير، ووافقوا حينها لأن مياه الري كانت متوفرة، كما أن الجمعية الزراعية كانت تصرف لهم جميع مستلزمات الزراعة من البذور، والتقاوي، والمبيدات مجاناً، بالإضافة إلى إعطائهم معونة غذائية شهرية تتكون من "عيش، ودقيق، وأرز، وعدس، ومكرونة، وزيت، وزبدة"، ولكن الأمر تدهو عام 2005 عندما رفع الاتحاد الأوروبي دعمه عن المشروع، وأسنده إلى الحكومة المصري، فانقطع كل شئ، ووجدوا أنفسهم في وضع أسوأ، مثلما يقول المثل "يخرج من نقرة يقع في دحديرة". يقول سعيد سرحان "فلاح": إن الأهالي جمعوا مبلغ من المال، واشتروا به "دينامو" كبير لتوليد الكهرباء، والذي يعمل بالبنزين، الذي يحتاج 750 لترًا يومياً، ما يضطرهم لبيع حصصهم من المبيدات التي تصرفها لهم الجمعية الزراعية حتى يتمكنوا من شراء البنزين اللازم لتشغيله يوميًا، لإضاءة القرية ليلاً بسبب عدم وجود أي وصلات كهربائية عندهم، حيث أنه لايجرؤ أحد أن يدخل البلد أو يخرج منها بعد المغرب، فالطريق المؤدي إلي هناك مظلمٌ تماماً. وتضيف خديجة سعيد، ربة منزل، أنهم يشترون الخبز من القرى المجاورة ب 50 قرش للرغيف الذي لا يصلح أصلا للاستهلاك الآدمي، حيث أنه ملئ بالحشرات، وطعمه سيئ جدًا، ولكن ماذا يأكلون ليس أمامهم شئ آخر يأكلونه. يقاطعها سيد جداوي، قائلا: إنهم قاموا بإعداد مكان وتجهيزه ليصبح مخبزًا، ولكن مديرية التموين رفضت منحهم حصة الدقيق، قائلة لهم مع منظومة الخبز الجديدة، إذا كان هناك فائض من الدقيق سيقومون بتوفير حصة لهم، وإذا لم يكن هناك فائض فليس بأيديهم شئ. أما عن الطبخ، تقول أم الهنا: إنهم يطبخون على "الكانون" وهو عبارة عن حجرين يتم وضعهم ويوضع الخشب والقش بينهم وتشعل فيهم النيران، ويتم تسوية الطعام عليهم، ولا يوجد في القرية كلها " بوتوجاز" واحد، وهم تعودوا على ذلك، فكل طعامهم وشرابهم على "الكانون"، موضحة أنهم أحيانا يشترون دقيق من القرى المجاورة، ويقومون ويصنعون منه "عيش شمسي" حيث يقومون بعمل العجين وتقطيعة لأرغفة صغيرة ونشره في الشمس حتى يستوي ويأكلونه بعد ذلك. وأوضح ناصر إبراهيم، أنه لا يوجد بالقرية كلها ولد أو بنت يعرفون القراءة والكتابة، حيث أن القرية لا يوجد بها أي مدرسة لأي مرحلة تعليمية، وأقرب مدرسة لهم تبتعد عنهم مسافة 30 كيلو، وهم يخشون إرسال ابنائهم وبناتهم للتعليم فيها بسبب انتشار قطاع الطرق بطول الطريق، فيفضلون ألا يذهبوا للتعليم، ويبقوا في منازلهم آمنين. ويؤكد عيد المنفي، أن الأهالي فرحوا لدى علمهم أن الدولة اعتمدت 24 مليون جنيه للتنفيذ، وبدأت الشركة في العمل، وحينها شعر الأهالي أنهم في حلم جميل لا يريدون أن يستيقظوا منه، ولكنهم استيقظوا على كابوس بعد أن تدخلت وزارة البيئة ومنعت استكمال المشروع بحجة أنه يمر من أراضي محميات طبيعية، إلا أن الأمل عاد مجددًا بعد الإعلان عن توسيع حدود المحافظات، وإنشاء طريق الواحات الضي يمر بجوارهم، وإنشاء مركز شرطة هناك، وكافة الخدمات أيضًا، الأمر الذي أصبح بارقة أمل جديدة لهؤلاء الأهالي المكلوبين. ويختم فوزي عبد الحميد، فلاح، أن جميع الأراضي الزراعية بارت، بسبب عدم وجود المياه، حتى أن محصول الزيتون الذي يتحمل العطش ولا يحتاج لمياه كثيرة ذبل وجف أيضًا، مؤكدًا على أن معظمهم هجر القرية، وذهب لقرى أخرى، وسيهجرها باقي أهلها قبل أن يتعفنوا فيها قريبًا.