الحصر العددي لانتخابات النواب بقليوب والقناطر محافظة القليوبية    مصطفى بكري: أناشد الرئيس السيسي تخفيف الأعباء عن الغلابة والطبقة المتوسطة.. الأسعار هارية الناس    رئيس إدارة المديريات الزراعية: صرف الأسمدة سيضم 6 محافظات بموسم الصيف المقبل    «مطروح للنقاش».. إعادة هيكلة الجيش الأمريكي وتغييرات البث الرقمي    أسعار الذهب اليوم الجمعة 19 ديسمبر في بداية التعاملات    عبد المنعم سعيد: الإعلان عن اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والسودان هو تفعيل لها    العليا للتفتيش الأمني والبيئي تتابع إجراءات تشغيل البالون الطائر بالأقصر    مستشار الرئيس للصحة: لا يوجد وباء والوضع لا يدعو للقلق.. والمصاب بالإنفلونزا يقعد في البيت 3 أو 4 أيام    الحصر العددي للدقهلية: تقدم عبدالسلام وأبو وردة والجندي ومأمون وشرعان    انفجارات في أوريول.. أوكرانيا تستهدف محطة كهرباء روسية    واشنطن تفرض عقوبات على سفن وشركات شحن مرتبطة بإيران    اجتماع رفيع المستوى في ميامي.. ويتكوف يلتقي الوسطاء لبحث ملف غزة    اللجنة العامة للدائرة الثالثة بالإسماعيلية تعلن نتيجة الحصر العددي للناخبين    سامح مهران يحمل رسالة اليوم العربي للمسرح في يناير 2026    اللجنة العامة ببنها تعلن الحصر العددي لجولة الإعادة بانتخابات النواب 2025    الحصر العددي الأول بلجنة طنطا رقم 1، نتائج فرز أصوات اللجان الفرعية    بعد جدل أمني، تيك توك تبيع أصولها في أمريكا    بالأرقام، الحصر العددي للدائرة الثامنة بميت غمر    فوز «حسن عمار» في جولة الإعادة بالدائرة الأولى ب انتخابات مجلس النواب ببورسعيد    اللجنة العامة للدائرة الثالثة بالإسماعيلية تعلن نتيجة الحصر العددي للناخبين    نجاة الفنان وائل كفوري من حادث طائرة خاصة.. اعرف التفاصيل    بناء القدرات في تحليل وتصميم نماذج العواصف الرملية والترابية بالشرق الأوسط    سفير مصر في المغرب يكشف تفاصيل معسكر منتخب مصر قبل كأس الأمم    (اشتباكات الإسماعيلية) إهانات بين الكعب الأعلى: جيش أم شرطة؟.. وناشطون: طرفان في المحسوبية سواء    كأس عاصمة مصر - إبراهيم محمد حكم مباراة الزمالك ضد حرس الحدود    أمم إفريقيا - منتخب مصر يخوض مرانه الأول في المغرب    تركي آل الشيخ ينفي مشاركة موسم الرياض في إنتاج فيلم «الست»    بالأرقام، الحصر العددي لجولة الإعادة بالدائرة الأولى بالمنصورة    وكيل فرجاني ساسي يصدم الزمالك: سداد المستحقات أو استمرار إيقاف القيد    رئيس الوزراء يرد على أسئلة الشارع حول الدين العام (إنفوجراف)    جوتيريش يدعو إلى توظيف الهجرة لدعم التنمية المستدامة وتعزيز التضامن الإنساني    محمد موسى عن واقعة نبش قبر فتاة: جريمة تهز الضمير قبل القانون    «لم يصلوا أبداً».. حكاية 7 أشخاص احترقت بهم السيارة قبل أن تكتمل الرحلة بالفيوم    رحلة التزوير تنتهي خلف القضبان.. المشدد 10 سنوات ل معلم صناعي بشبرا الخيمة    أكسيوس: تيك توك توقع اتفاقية لبيع عملياتها فى أمريكا إلى تحالف استثمارى أمريكى    فلسطين.. قصف مدفعي إسرائيلي يستهدف جباليا شمال قطاع غزة    ترامب يدعو أوكرانيا إلى التحرك سريعا لإنهاء الحرب    كونتي: هويلوند يمتلك مستقبلا واعدا.. ولهذا السبب نعاني في الموسم الحالي    مش فيلم.. دي حقيقة ! شاب مصري يصنع سيارة فوق سطح منزله مع "فتحى شو"    أزهر اللغة العربية    بميزانية تتجاوز 400 مليون دولار وب3 ساعات كاملة.. بدء عرض الجزء الثالث من «أفاتار: نار ورماد»    مصطفى بكري: الطبقة المتوسطة بتدوب يجب أن تأخذ حقها.. وننقد حرصا على هذا البلد واستقراره    الزمالك يهنئ بنتايج والشعب المغربى بالتتويج ببطولة كأس العرب    فرنسا تعلن تنظيم مؤتمر دولي في فبراير لدعم الجيش اللبناني    رئيس غرفة البترول: مصر تستهدف تعظيم القيمة المضافة لقطاع التعدين    لوسى ل اليوم السابع: أنا بخير وفى بيتى وتعرضى لأزمة صحية غير صحيح    هل يرى المستخير رؤيا بعد صلاة الاستخارة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل عليَّ إثم لو لم أتزوج؟.. أمين الفتوى يجيب أحد ذوي الهمم    الداخلية تكشف تفاصيل واقعة إلقاء مادة حارقة على 3 طلاب بالقليوبية    الحصر العددى فى دائرة حدائق القبة يكشف تقدم المرشح سعيد الوسيمى ب7192 صوتًا    سنن يوم الجمعة: آداب وأعمال مستحبة في خير أيام الأسبوع    اللجنة العليا للتفتيش الأمني والبيئي تتفقد مطار الأقصر (صور)    وزير الأوقاف يكرم عامل مسجد بمكافأة مالية لحصوله على درجة الماجستير    محافظ الدقهلية يكرم أبناء المحافظة الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    المستشفيات التعليمية تناقش مستجدات طب وجراحة العيون في مؤتمر المعهد التذكاري للرمد    قبل صافرة البداية بساعات.. بث مباشر مباراة السعودية والإمارات في كأس العرب 2025 وكل ما تريد معرفته عن القنوات والتوقيت وطرق المشاهدة    الأردن يواجه المغرب في نهائي كأس العرب 2025.. كل ما تحتاج لمعرفته عن البث المباشر والقنوات وطرق المشاهدة أونلاين    وزير الصحة: الذكاء الاصطناعى داعم لأطباء الأشعة وليس بديلًا عنهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ألماس ونساء».. ذاكرة لامعة تمسك أشياء هاربة
نشر في التحرير يوم 02 - 03 - 2015

أفضل ما تفعله رواية تعود إلى الماضى هو أن تكون هذه العودة من أجل الحاضر. هكذا فعلت الروائية السورية لينا هويان الحسن فى روايتها «ألماس ونساء» التى وصلت إلى قائمة «البوكر» العربية القصيرة لهذا العام. تستعيد الرواية فصولًا طويلة من حياة شخصياتها موزعة بين دمشق وباريس وساو باولو وبوينس أيرس، وعلى مساحة زمنية متعسة منذ عام 1912 حتى عام 1978، تحافظ على وقائع منسية لهجرات سورية بحثًا عن ثروة تتحقق فى أمريكا الجنوبية، ترسم ملامح تغيُّرات عاصفة على مستوى وطنها والعالم، تحكى عن امرأة القرن العشرين العربية التى خرجت من الحجاب إلى السفور، تتحدَّث عن الشام التى كانت تجمع كل الأطياف والأديان والقوميات.
تتساءل لينا فى مفتتح روايتها: بماذا نمسك إلا ما يهرب منا؟ ، تكرر السؤال فى نهاية الرواية، وكأنها تقول إنها تستدعى الماضى من أجل حاضر لا يسر عدوًّا ولا حبيبًا، وإذ تبقى تلك الماسة الزرقاء اللامعة لمعانًا يشبه بريقًا لنجمة لا حد لها، وإذ يتزوج الحبيبان بعد كل تلك السنوات، فإن مساحة التفاؤل تزيد من جاذبية الرواية، وتغلّف الذكريات القديمة بأمل كبير فى المستقبل.
تنقسم الرواية إلى قسمَين: الأول وهو الأفضل والأكثر تماسكًا وتفصيلًا، تحكى فيه عن بطلة من نوع خاص: ألماظ، الفتاة الدمشقية الصغيرة تتزوَّج من الكونت الثرى السورى كرم شاهين، تحتفظ ألماظ بتلك الماسة الزرقاء الأسطورية الموروثة عن جدتها الهندوسية بابور، يقال إن لصًّا سوريًّا اختطف الجدة وسرق الماسة من عين أحد تماثيل الآلهة، الكونت شاهين سيأخذ عروسه الصغيرة لتعيش فى باريس، فتتغيَّر حياتها إلى الأبد، عدد عشيقات الكونت بعدد أحلام ألماظ، هى أيضًا قوية الشخصية ومستقلة، ترد على غراميات زوجها بالهرب مع البكباشى الانتهازى محمود إلى ساو باولو، هناك يسلبها مجوهراتها، تتزوّج من رجل روسى عجوز يمنحها الحب، بعد موته تعود من جديد إلى كرم شاهين فى باريس، لا تفسر الرواية بشكل جيد كيف تقبل ألماظ ذلك حتى لو كان الأمر وفقًا لشروط. شخصية مثلها تستطيع أن تختار مَن تشاء، كرم أصبح أيضًا عجوزًا، ولكنها ستنجب منه ابنهما الوحيد كارلوس، ألماظ كما رسمتها لينا هويان الحسن تكاد تلخص حلم المرأة العربية بالحرية وتحقيق الذات فى زمن يحاول أن يتجاوز عصر الحريم، تساند ألماظ حق النساء فى التعليم والعمل، ولكن ضعفها الخاص يهزمها، تنتحر على شاطئ فرنسى إثر ما خسرته فى القمار، هى فى الحقيقة كانت دومًا تقامر بحياتها سواء فى الحب أو فى الهجرة إلى عالم لا تعرفه.
فى الجزء الثانى الذى يبدو أقرب إلى العناوين السريعة، تتسع الفجوات الزمنية، وتنوب لغة شاعرية متأملة عن وصف تفصيلى مطلوب، ولكن مصائر جيل الأبناء تتعرَّض أيضًا لعواصف عاتية، بطلة هذا الجزء هى أيضًا امرأة اسمها برلنت، الكلمة تعنى الماس ولكن باللغة التركية، وكأن برلنت تنويعة على ألماظ بطلة الجزء الأول، برلنت ابنة امرأة أرمنية كانت تعرفها ألماظ، عاشت تلك المرأة حياة عاصفة قادتها من دمشق إلى بيروت وباريس وساو باولو، ولكنها عادت فقيرة لتلد برلنت فى دمشق، تبنت الطفلة الجميلة إحدى هوانم دمشق، ولكن الهانم أنجبت ابنة، فأخذت اسم برلنت لابنتها، وأعطت الطفلة المتبناة اسم لطفية، ولكن الأخيرة تمسَّكت باسمها، تمرَّدت على واقعها، ردَّت على الشراسة بشراسة مماثلة بعد أن تحوَّلت إلى خادمة لابنة الهانم، وبعد أن تسرّى بها خطيب الابنة ثم تزوج من ابنة الهانم، ستحتفظ لطفية باسم برلنت، ستستخدم جمالها لتصبح سيدة أعمال ثرية، ستصبح عشيقة لأحد الأثرياء، ستدفعها الكراهية أكثر مما يحركها الحب، هى لا تبادل كارولوس حبًّا بحب، ولكن كارلوس الذى هاجر إلى ساو باولو بحثًا عن ميراث أُمّه ألماظ لم ينسها، عاش عشرين عامًا فى الأرجنتين، تزوج وقتلت زوجته وابنه فى فترة تقلبات سياسية، ولكنه سيعود إلى دمشق ليسترد ذاكرته وحبه، تغيَّرت دمشق ولكنه سيأخذ برلنت إلى الأرجنتين، ما زال الجيل الجديد يبحث عن الحرية، بعد أن تحوَّلت دمشق فى النصف الثانى من السبعينيات إلى بلد الوشاية والتقارير والمطاردات الأمنية.
تنحاز ألماس ونساء بلا مواربة إلى المرأة حتى فى طموحها وتمردها العاصف، معظم النماذج الذكورية لا تهتم إلا بشهواتها، الربط بين الماس والمرأة لا يتعلق فحسب بحب المرأة المعروف للمجوهرات، ولكنه يأخذ معنى أعمق: الماس لا يتشكَّل إلا تحت الأرض، ووسط الصخور والبراكين، ومع ذلك يخرج لامعًا كالشمس، هكذا هى المرأة، بل هكذا هو جيل المهاجرين الذين عانوا ودفعوا ثمن حريتهم ونجاحهم، ولكنهم لم يتوقَّفوا أبدًا عن العمل، تنحاز الرواية كذلك إلى وطن متعدِّد الأديان والأعراق، فى الرواية قصة بديعة عن زواج فتاة مسلمة من رجل يهودى، الاثنان سوريان، هربا إلى ساو باولو، وبعد سنوات طويلة، ماتا معًا، لم يدفنا فى دمشق، فقد غرقت الباخرة التى عادت بهما، احتضن المحيط حبهما الأبدى. وفى الرواية تعاطف واضح مع الحلم الكردى، بوتان هو صديق برلنت وكارلوس، الشاب الكردى ينتمى أيضًا إلى ذاكرته، إلى تاريخ طويل قديم، إلى والده الأمير القادم من جبل كردستان، معاناة جيل الأبناء لا تقل عن معاناة الآباء، ولكنهم يواصلون رغم الخيبات والكوارث، ورغم ضعفهم ونزواتهم أيضًا.
لعل أفضل ما حققته الكاتبة هو رسم لوحات بارعة لشخصيات حية ونابضة، سواء فى دمشق أو فى باريس أو فى بلاد المهجر، هناك انتقالات سلسة بين الأماكن، ربما كان يمكن أن يكون الجزء الثانى أفضل وأكثر تفصيلًا، بدا كما لو أن الكاتبة تريد أن تلملم أوراقها وتغلق أقواسها بسرعة، تدخلت أحيانًا قليلة بتعليقات وتأملات مباشرة، كانت الرواية عمومًا تحتمل فصولًا أطول، لأنها رواية أجيال وأوطان وأزمان، ولكننا عمومًا أمام راوية ذكية، لأنها تقدم تأملًا ناضجًا للماضى، تريد أن تجعلنا نصنع التاريخ بدلًا من أن نكرره، وتستخدم أشياء الماضى كذاكرة لا تنمحى، ثوب الدامسكو الأبيض والألماسة الزرقاء صاحبا ألماظ فى حياتها، اختفيا، ولكنهما سيعودان فى نهاية الرواية، ستبقى إلى الأبد جوهرة نفيسة قاومت تحت الأرض الامتثال والخضوع، فاحتفظت ببريق استثنائى، لا يمكن أن يزول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.