■ صديق عزيز أبدى ملاحظة ساخرة عن الموقف الراسخ للإعلام المصرى من رئيس البلاد، قائلا بسخرية مستحقة: «الإعلام المصرى أيام عبد الناصر يقول الرئيس حلو بس رجالته وحشين! وأيام السادات: الرئيس حلو بس رجالته وحشين، ومبارك كان حلو بس رجالته وحشين، حتى مرسى، ثم وبالطبع السيسى، ومن مر مرور الكرام، دائما أبدا.. الرئيس حلو بس رجالته وحشين!»، انتهت ملاحظة صديقنا الساخرة. ■ للإنصاف.. فإن الإعلام فى كل تلك العصور لم يبالغ كثيرا! فرجال الرئيس فى مصر -أو معظمهم- ستجدهم فعلا بشكلٍ أو بآخر وراء كل معاناة عاشها ويعيشها المصريون عبر التاريخ! دائما وأبدا يمكنك أخذ وزير الداخلية مثالا! وزير المالية أو وزير التعليم مثلا، ضع فى القائمة المحافظين ووزير الصحة ووزير الإعلام! ■ إذا كانت تلك الملاحظة الساخرة تصف مدى بؤس الإعلام المصرى.. فإن هناك بُعدين لظاهرة إن الرئيس رائع لكن رجاله سيئون! ، البُعد الأول إعلامى يتعلق بالمهنية، أما البُعد الثانى فهو سياسى.. يتعلق برجال الرئيس ذاتهم، فليس من سببٍ لوجودهم حوله إلا أنهم: اختيار الرئيس! ■ دعونا نتحدث عن مهنية الإعلام المصرى.. بشكل عام وليس فقط عن طريقة تعاطيه مع الرئيس ورجاله. الإعلام -ككل مؤسسات هذا البلد- فى حاجة إلى ثورة حقيقية ، ولا أعرف تعريفا للثورة فى تاريخ كل الأمم إلا أنها: التخلص من القديم واستبدال آخر مختلف به ! أى هدم ثم بناء، هدم تام وجذرى! هذا هو ما يحتاج إليه الإعلام المصرى، مرئيا ومسموعا ومقروءا، حكوميا كان أو خاصا.. ■ فهو للأسف يفتقد الاحترافية ، سواء فى أسلوب عرض ما لديه من أخبار أو فى تقصيه لها أو فى توصيل رسالته أيا كانت أو حتى فى تنفيذه للتعليمات السيادية! ■ ويفتقد معايير يختار على أساسها من يؤدون رسالته، أو يبنى على أساسها استراتيجيته الإعلامية، وبالتالى ستجد إعلاميين لا يتقنون قواعد اللغة العربية ولا أساليب الكتابة الصحفية ولا يعرفون المواثيق المهنية الإعلامية.. ولا يملكون أدوات وعقلية الإعلامى الباحث لتوثيق ما يبثون من أخبار أو تحليلات، وغالبا ستجد حظ معظمهم من الثقافة والمعرفة متواضعا للغاية، هم مجرد أنفار يوظفهم مقاول ويلقى بمنتجهم السيئ فى سوق تستهلك أى شىء بلا مراجعة! ستجد مذيعين ومذيعات -للأسف- جهلاء، بل الجهل ليس مصيبتهم الوحيدة، فبعضهم حتى قليل الأدب! وستجد استراتيجيات إعلامية عشوائية وتحريضية وغوغائية وبلا معايير مهنية أو أخلاقية أو نقدية.. هذا إن جاز وصف هذا العك بأنه استراتيجية إعلامية أصلا! ■ المثال الأقرب هو فيديو داعش الهمجى الذى صُوّر فيه مصريون يُذبحون فى ليبيا، فقد قضيتُ أياما أقفز على شاشة الكمبيوتر فى مواقع الجرائد الإلكترونية.. تحاشيا لمشاهدته التى تريد أن تجبرنا عليها مواقع الجرائد والأخبار، بتلك العبارة القميئة المصاحبة لكل خبر: بالفيديو والصور.. ، وتقافزت بين القنوات الفضائية المصرية -حكومية وخاصة- كمن يجرى حافيا على جمر.. كى أهرب من البث المتواصل لفيديو داعش الهمجى. ■ فى وجود استراتيجية إعلامية واضحة تلتزم بمعايير مهنية وأخلاقية ولديها وعى برسالتها.. لم يكن ممكنا لذلك الفيديو الهمجى أن يجد طريقه للبث على شاشات أى من تلك القنوات، المفتقدة جميعها للاحترافية والمهنية ومواثيق الإعلام كافة.. المهنية والأخلاقية، ولو أن بينهم رشيدا لأدرك أنه مطية للمتطرفين ومَن وراءهم.. يحققون أغراضهم بهذا البث المتواصل لسينما داعش الدموية.. ■ هو إذن -وبغض النظر عن افتقاده أصلا للاستقلالية- إعلام غير محترف، يعتمد على أنفار غير محترفين، ولا يمارس نقدا موضوعيا جادا.. لأنه لا يعرفه أصلا! لا للرئيس ولا لكل ذى سلطة واضحة محددة نافذة، فى أحسن حالاته سيكتفى بتمييع نقده بحيث يتوقف عند صغار المسؤولين! ويصفهم بأنهم (رجال سيئون حول الرئيس!)، هو باختصار: إعلام فهلوى! نحن فى مأزق كبير بهذا الإعلام غير المحترف غير المهنى غير المستقل غير الذكى قليل الأدب! ■ هل يعنى هذا أنه لا أمل؟! بالطبع يوجد أمل! حين يتبلور فى مصر مشروع سياسى متكامل يرسم مستقبلها على أعمدة -حقيقية وليست مزيفة- من الحرية والعدالة الاجتماعية واستقلالية مؤسسات المجتمع والدولة.. سيكون ضمن وسائل ذلك المشروع الكبير حرية حقيقية لإعلام محترف مستقل، ليس بالضرورة محايدا إنما سيكون موضوعيا. الإعلام الموضوعى الناقد الجاد هو جزء من مشروع كبير لم تبلوره الثورة بعد.. إنما على الأقل.. يوما بعد يوم يتبين للمصريين أنهم بحاجة إلى تلك الثورة الإعلامية الكبرى، مع ملاحظة أن الثورة الإعلامية هى المرحلة الأسهل! فالأصعب هو السؤال: فى هذا المناخ الإعلامى الردىء.. من يقود تلك الثورة الإعلامية الكبرى؟!