أصدر البرلمان الأوروبى بيانًا بشأن موقفه مما جرى ويجرى فى مصر، ودعا مصر فى البيان إلى الإفراج عن «المعتقلين السياسيين»، الإفراج عن قادة جماعة الإخوان المسلمين. كما أبدى بيان البرلمان الأوروبى انزعاجه من أحكام القضاء التى وصفها بالقاسية تجاه بعض المتهمين وتحديدًا من أعضاء جماعة الإخوان. وعاد البرلمان سبعة أشهر إلى الوراء ليعلن أن الانتخابات الرئاسية التى فاز بها الرئيس عبد الفتاح السيسى لم تستوفِ المعايير الدولية فى النزاهة، وبناء على ذلك قرر البرلمان الأوروبى عدم إرسال بعثة لمتابعة أو مراقبة الانتخابات البرلمانية القادمة. جاء بيان البرلمان الأوروبى عكس اتجاه سير التفاعلات فى العلاقات المصرية الأوروبية، فقد استقبلت مصر رئيسى وزراء اليونان وقبرص، وزار الرئيس إيطالياوفرنسا، وحدثت تفاعلات وفاعليات عديدة بين القاهرةوالعواصم الأوروبية، ومصر على وشك إنجاز الاستحقاق الثالث والأخير من خارطة المستقبل. والسؤال هنا: ما الذى جرى ودفع البرلمان الأوروبى إلى إصدار مثل هذا البيان السيئ؟ وهل من تداعيات سلبية مترتبة على هذا البيان؟ بداية يمكن القول إنه لم يطرأ جديد فى العلاقات المصرية الأوروبية كى يصبح معه مضمون البيان منطقيًّا أو متوقعًا، فالبيان مثله مثل قرار الحكومة البريطانية بتعليق العمل فى سفارتها فى القاهرة قبل أعياد الميلاد ورأس السنة، فلم يكن هناك مبرر منطقى للقرار ولم يحدث ما يعكر صفو الأمن فى مصر، بل إن ضربات الإرهاب توجهت إلى أستراليا، وبعد ذلك ضرب الإرهاب فرنسا. خلاصة الأمر أن أحد التفسيرات التى تقدم عادة لتفسير قرارات أوروبية وبيانات غير متوقعة هو غياب التفسير المنطقى والعقلانى وفق قواعد تعامل الدول وبعضها البعض وفق مبدأ المصالح المشتركة، فمعروف أن القيم الإنسانية هى مجرد شعارات ترفع من حين إلى آخر فى محاولة لتقديم تفسير أو مبرر فى وقت يغيب فيه التفسير النابع من القاعدة الذهبية فى علاقات الدول، وهى المصالح، ومن هنا يبدو واضحًا أن هناك رهانات أوروبية على جماعة الإخوان بأنها سوف تعود إلى الحكم فى مصر وغيرها من دول المنطقة، ومن ثم لا بد من الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع الجماعة، والتنظيم الدولى، حيث تعتقد عواصم أوروبية أن الجماعة معتدلة، وأن بمقدورها ضبط الجماعات الأكثر تشددًا وتطرفًا، فعندما تصل الجماعة إلى الحكم سوف تقدم ملاذات آمنة للجماعات الراديكالية، ومن ثم تغادر الغرب إلى مواطنها الأصلية وبذلك يتخلص الغرب من الجماعات الجهادية التى فتح لها أبوابه منذ عقود وباتت تمثل خطرًا شديدًا على نمط الحياة الغربى وتستقطب الأجيال الجديدة من أبناء المهاجرين المسلمين. ومن هنا يظل الحديث عن زيارات متكررة لوفود من الجماعة لمقرات الاتحاد الأوروبى حديثًا فى التفاصيل أكثر منه فى الجوهر. بيانات من هذا النوع ستظل تصدر من البرلمان الأوروبى طالما أننا دولة متلقية للمساعدات منهم، وهو الأمر الذى ينبغى أن نعمل بكل قوة على التخلص منه، فالدول التى لا تتلقى مساعدات يكون لديها هامش كبير للمناورة والتعامل مع مثل هذه الأساليب من موقع قوة، قوة عدم الاحتياج. وأخيرًا: هل يؤثر غياب البرلمان الأوروبى عن متابعة الانتخابات البرلمانية على شرعية هذه الانتخابات أو صورة مصر فى العالم، الإجابة بالقطع لا، فليس من بين شروط سلامة الانتخابات أن يراقبها أو يتابعها طرفٌ ما، وعدم متابعة البرلمان الأوروبى لانتخاباتنا البرلمانية أمر يخصه ولا يخصنا.