أى مسار تسير فيه الثورة بالضبط؟!.. مسار الحرية والديمقراطية والعدالة وسيادة القانون، أم مسار القهر والتخويف والتخوين وفرض الرأى بالقوة؟!.. المسار الذى يصنع حياة ديمقراطية سليمة، أم المسار المنادى بالصدام والعنف وحياة ديكتاتورية جديدة؟!.. البعض يطالب المجلس العسكرى بتسليم الحكم لسلطة مدنية، وهذا أمر يتحقّق بالانتخابات البرلمانية، لكى يتسلم الحكم من يختاره الشعب بنفسه، وبإرادته الحرة، عبر صناديق انتخاب غير ملفّقة أو مزوّرة، ولكن البعض يرفض انتظار هذا أو قبوله، ويطالب بتسليم سلطة فورى، والسؤال هو لمن؟!.. من سيتسلّم السلطة من المجلس العسكرى، وبأى وسيلة؟!.. بالمليونيات والصراخ وفرض الرأى؟!.. أهذه هى الديمقراطية التى قامت من أجلها الثورة؟!.. أهذا هو ما ضحى شهداء الثورة بحياتهم من أجله؟!.. هل أريقت دماؤهم الطاهرة من أجل أن ترفض فئة ما أن يتم الأمر بإرادة الشعب، خوفا من أن يرفضها الشعب، ويختار فئة أخرى، فتسعى للسيطرة على الأمور بالقوة، بدلا من انتظار الحقبة الجديدة التى حلمنا بها كلنا؟!.. لو أن كل ما فعلته الثورة هو أنها صنعت أسلوبا جديدا، يعتمد على بذاءة اللفظ، وعنف الحوار، وصنع القوائم السوداء، والهجوم الشرس، على كل من يختلف معها فى الرأى، فهى لم تصنع شيئا، وستقود المجتمع إلى أسفل، لا إلى أعلى.. ولو أن السبيل الوحيد أمام بعض الأحزاب الضعيفة، التى لم تصنع لنفسها قاعدة شعبية، فى الشارع المصرى، تؤهلها للفوز فى الانتخابات، هو أن تثير احتقان الشارع طوال الوقت، على أمل الوجود، فهو أسلوب لن يؤدى إلا إلى غضب الشارع، ورفضه التام لها، فى أى انتخابات قادمة، وربما لهذا تصاب بالحساسية، كلما اقترب موعد الانتخابات، وحاولت إما تأجيلها، أو تعديلها لتناسبها فحسب.. كنت أتمنى أن تستطلع تلك الأحزاب رأى الشارع أوّلا، كما تفعل الأحزاب المحترمة فى كل دول العالم، قبل أن تقدم على أى خطوة سياسية، ولكن من الواضح أن تلك الأحزاب قد انطوت على نفسها، ولم تعد تسمع سوى صوتها وأصوات من يؤيدونها، ولم تعد تجد قوتها إلا فى الحشد، واتهام الآخرين، وعنف المطالبة، وشراسة النقد.. والواضح الآن أنه ما من حزب يريد ديمقراطية حقيقية ما لم تأت به دون سواه إلى السلطة، وأن المليونيات فى اسمها قد أسقطت القانون والعدالة، وصنعت من نفسها المحامى والقاضى ووكيل النيابة والجلّاد أيضا، ولم تعد تبالى بانقسام الشارع، ولا حتى بأهداف الثورة، وصارت تهدر دماء الشهداء، الذين ماتوا فى سبيل الحرية والديمقراطية والعدالة، وتعمل من أجل نفسها، لا من أجل مصر.. وما زال لنا بقية.