الخامس والعشرون من يناير هو عيد الثورة، وهو أيضًا، ومن قبل الثورة، عيد الشرطة، والشرطة المصرية، لكل من يعاديها، ليست وليدة اليوم، وليست شرطة مبارك أو سواه، إنها شرطة الوطن، شرطة مصر، ولها تاريخ عظيم من الوطنية. فى التاسع من سبتمبر 1881م اندلعت الثورة العرابية، وكانت ثورة اشتركت فيها كل فئات الشعب، من العسكريين والمدنيين بمختلف طوائفهم، وعلى رأسهم الشرطة المصرية، كانت أول ثورة شعبية عارمة، منذ تولى محمد على ولاية مصر. وككل الثورات، لم تكن هذه هى البداية، فالثورات أشبه بوعاء ماء على النار، ترتفع درجة حرارته تدريجيا، حتى يبدأ مرحلة الغليان، والغليان لا يبدأ دفعة واحدة، بل يبدأ بفقاعات صغيرة منفردة، تظهر فى أماكن متفرقة من الوعاء، ثم سرعان ما يندمج بعضها ببعض، فتتحول إلى فقاعات كبيرة، لا تلبث أن تكبر وتتجمع، حتى يحدث الغليان الشامل، أو الثورة. وبداية الغليان كانت من خلال ما عرف باسم الجمعية الخيرية ، التى كان أبرز مؤسسيها عام 1881 محمد شكرى، معاون ضبطية الإسكندرية، ومن أهم أعضائها سليمان أباظة مدير شرطة الشرقية، وحسن الشريعى مدير شرطة المنيا، ومع انضمام عديد من القوى الوطنية لتلك الجمعية أطلق عليها اسم الحزب الوطنى ، الذى أصدر لائحة صارمة جريئة قوية، قدمها إلى الخديو إسماعيل، الذى وافق -مضطرًّا - على ما جاء فيها، ولكن هذا لم يرضِ الإنجليز، الذين كانوا يدسون أنوفهم فى شؤون مصر، بحجة حماية مصالحهم فى أسهم قناة السويس. وفى استعراض قوى، راحت السفن الحربية الإنجليزية والفرنسية تحوم عند شواطئ مصر، مما أدى إلى عزل الخديو إسماعيل، ووضع الخديو توفيق مكانه على عرش مصر، الذى عيّن عثمان رفقى وزيرًا للحربية، على الرغم من تعنت رفقى مع الضباط المصريين، وإساءة معاملتهم، وتفضيله الضباط الأتراك عليهم. وعلى الرغم من اتفاق كل القوى الوطنية على اعتبار أحمد عرابى قائدًا للحركة الوطنية فى مصر، فقد تم سجن أحمد عرابى وعبد العال حلمى وعلى فهمى، مما أثار غضبًا شعبيًّا، أدى إلى إقالة عثمان رفقى وتعيين محمود سامى البارودى بدلا منه، وهنا ارتفع شأن عرابى كزعيم وطنى، وضع الشعب كل آماله فيه، فى تحقيق مطالبه فى الحرية، والتحرر من النفوذ الأجنبى. كانت الشرطة قد أصدرت، فى الرابع من نوفمبر 1879م، بيانًا لتعبئة الشعور الوطنى، ساعد فى تحقيق مطالب الشعب آنذاك، وعندما تآزرت الشرطة مع القوى الوطنية والجيش، وصار الشعب والشرطة والجيش يدًا واحدة متماسكة، وحنجرة واحدة، تنطلق بمطالب واضحة، لم يصبح أمام الخديو سوى الخضوع، وتم عزل رياض باشا من رئاسة الوزراء، وتكليف شريف باشا، المشهود له بالوطنية والاستقامة، بتشكيل الوزارة الجديدة، التى احتل فيها محمود سامى البارودى منصب وزير الحربية، ثم لم يلبث أن صار رئيسًا للوزراء، بعد استقالة شريف باشا، بسبب تدخل الإنجليز والفرنسيين فى شؤون البلاد، وللحديث بقية.