ممثل مصري عصامي إلى درجة الحزم، لكنه يؤدي أعماله بخفة وحب حقيقيين، مثل جدٍ يُداعب أحفاده بحُب لا يخطئه قلب وبابتسامة لاتغيب، فنان يعشق الحرية وينطلق من فضاءاتها، أصر دائمًا على أن يُضيف إلى السينما والمسرح قيمة حياتية وفنية وتثقيفية؛ فهو صاحب رؤية خاصة في فن "الضحك الهادف" تتلمذ على يد نجيب الريحاني، وتربى في مسرحه؛ وشكّلَ مُنفردًا ظاهرة رسمت أحد ملامح الحياة الفنية المصرية والعربية. ولد عبد المنعم مدبولي في باب الشعرية بالقاهرة عام 1921، وتسلل إلى عالم الفن عندما كان في المرحلة الابتدائية؛ حيث تم اختياره قائدًا للفرقة المسرحية في المدرسة. والتحق مدبولي بالمعهد العالي لفن التمثيل العربي وتخرج فيه عام 1949؛ لينضم بعد ذلك إلى فرقة "جورج أبيض" وبعدها إلى فرقة "فاطمة رشدي". وأسس مدبولي مع مجموعة من زملائه عام 1952 أول فرقة للمسرح الحر، وقدمت هذه الفرقة عددًا من العروض المسرحية التي خرجت عن إطار المسرح التقليدي، وبعيدة عن ممارسات المؤسسة الرسمية. وعمل مدبولي كممثل في العديد من المسرحيات سواء عن طريق الفرق المسرحية التي أسسها أو تلك التي شارك في تأسيسها، وكان من أشهر مسرحياته: "المفتش العام"، و"السكرتير الفني"، و"أنا وهو وهى"، و"الناس اللي تحت". كما عمل كمخرج مسرحي، وأخرج العديد من المسرحيات منها: "مطار الحب"، و"السكرتير الفني"، و"حواء الساعة 12"، و"لوكاندة الفردوس"، و"أنا وهو وهي". أطلق عليه النقاد "مدرسة المدبوليزم" نسبة لفرقته المسرحية التي أسسها، وإشارة إلى الضحك الذي ينتج عن تكرار الإيفيه نفسه عدة مرات متتالية. وقال مدبولي عن المسرح: "الفنان الناجح يلقي بمشكلاته الشخصية خارج باب المسرح؛ ولهذا لا أفكر أثناء التمثيل سوى في دوري، أما لو ترك الممثل نفسه للذكريات وهو على المسرح فذلك شيء مؤلم ولن يساعد الممثل على النجاح؛ لأن الفن التزام ولابد للفنان أن يحترم فنه ووقته". كما دخل مدبولي إلى السينما في أواخر الخمسينات، وكان أول فيلم له هو "أيامي السعيدة"، وسارت أعماله السينمائية بالتوازي مع نشاطه المسرحي. من أبرز أفلامه: "الحفيد"، و"مولد يا دنيا"، و"إحنا بتوع الأوتوبيس"، و"مطاردة غرامية"، و"ربع دستة أشرار"، و"ريا وسكينة". وشارك مدبولي في مسلسلات نالت نجاحًا كبيرًا، كان أشهرها مسلسل"لا يا ابنتى العزيزة" ومسلسل "أبنائي الأعزاء شكرا"وهو المعروف بمسلسل "بابا عبده". يعد مدبولي صاحب مدرسة خاصة في الكوميديا تخرج فيها عشرات الممثلين في مصر والعالم العربي؛ حيث ساهم طوال مشواره الفني في اكتشاف عددٍ كبيرٍ من الفنانين مثل محمد صبحي، وأحمد زكي، وعادل إمام، وسعيد صالح، ويونس شلبي. وتوفى الفنان الراحل عام 2006 عن عمرٍ يناهز ال85 عامًا؛ نتيجة إصابته بالتهاب رئوي وهبوط حاد في الدورة الدموية . ومن المفارقات التي حدثت يوم رحيله أن موعد افتتاح مهرجان المسرح المصري الأول، كان في نفس المساء الذي شُيّع فيه الفنان الكبير، وقد أعلن المهرجان عن تكريم عبد المنعم مدبولي إلى جانب فؤاد المهندس، وحسين الشربيني؛ لكنه توفى قبل الموعد بيوم واحد فتسلمت التكريم بدلًا منه الفنانة فردوس عبد الحميد، التي شاركت معه في مسلسل "أبنائي الأعزاء شكرًا". رحل مدبولي عن عالمنا؛ تاركًا وراءه إرثًا فنيًا ضخمًا، وهو وإن كان قد رحل إلى العالم الآخر؛ إلا أنه سيبقى يعيش بيننا؛ بإنتاجه الفني الرائع.