تحدثنا عن الجدل حول لمن يجب أن تصل التمويلات؟ انتصر الممولون طوال العقدين المنصرمين للمجتمع المدنى، خصوصا مَن هو تحت لافتة الديمقراطية وحقوق الإنسان.. شهدنا وتحدثنا مطولا عن المليارات المنفَقة، والتى لم يتناسب حجمها مع الأثر على حياة الفقراء والمهمشين «من طلبنا الأموال من أجلهم». لم تتحقق الديمقراطية التى بُشر بها! وبات واضحًا أمام الممول أن كل ما كان مأمولا أو مخططا قد بات سرابا. أسقطت ثورة يناير القناع. المجتمع المدنى ليس ديمقراطيا وإن ادعى، المجتمع المدنى لا يستطيع أن يحول المجتمع إلى الديمقراطية نتيجة طبيعية أو يساهم فى أى مشروع يرمى للتغيير. المجتمع المدنى ليست له علاقة بمجتمعه؟! وهنا السر الذى تدركه مؤسساتنا المدنية و تغفله جهلا من أفرادها أو فسادًا. الحل هو فى الانطلاق من قضايا الناس والعمل معهم، تمثيل الناس مش التمثيل عليهم وبهم! تحدثنا كثيرا عن إصلاح المجتمع المدنى، الأمر الذى أصبح حتميا أو نقبل بانهيار تام وبحلّ داخلى.. انتظارًا لبداية جديدة. وما نتمناه هو أن ينتبه زعماؤنا ويشرعون فى المراجعة والإقرار بالأخطاء والإصلاح. لكن الدولة ليست أحسن حالا من المؤسسات المدنية، بل أكثر ترهلا وفسادًا وتخلفا فى نظمها ولوائحها. رغم ذلك ستتوجه التمويلات لها ليس إرغاما للممول ولا نصرا لجهود الحكومة! لكن لتوجيه الأجندة صوب أواصر الدولة. ستنطلق المشروعات المشتركة مع الوزارات والمؤسسات الحكومية... سيهيئ الممول ويبدل موظفيه، استعدادًا لمرحلة ومهام جديدة سنعمل مع الحكومة بصورة أكبر وأعمق مما سبق . فهل ستسعد الدولة بذلك؟ بل هل الدولة مستعدة لذلك؟ لماذا يتحول البعض بتمويلاته؟ ماذا أحدثت التمويلات فى منظمات المجتمع المدنى؟ ما أثر التمويل على المنظمات وملاكها والعاملين بها، والأهم ما هى نتائج عملها وأثره على المجتمع وقضاياه؟ ما الخبرة التى يجب تنقل للمؤسسات العامة؟ يزعم كثيرون وأنا منهم، أن التمويلات قد أتت على التوجه النضالى التطوعى والحماس للعمل مع الناس، تلك الإيجابيات التى سادت المجتمع المدنى قبل سيل التمويلات فى العشرين عاما الماضية. كان المجتمع المدنى ليحقق إنجازا فى التنظيم والبرامج، وتلاحمًا حقيقيا مع الناس وقضاياهم، بما يضمن له القدرة على الضغط والتأثير فى سياسات الحكومة، ذلك لولا إفساده بالتمويلات، وشده بأجندات وقضايا بعينها. هل يمكن تكرار النموذج مع الدولة ومؤسساتها؟ الفساد للركب كما قالوا عن أنفسهم، فهل ما نخشاه هو أن يتعمق ويتوسع الفساد فى الجسد الحكومى الكهل؟ هل الحكومة مستعدة لخوض التجربة، أم فقط تريد المال.. حتى لو كان الثمن الدولة العميقة ، والمضحك أنها بفسادها من منعت الانهيار والتفكيك؟! هل نحارب الفساد فى الدولة العميقة أم نسمح بأنواع جديدة من الفساد؟ بمزيد من التوغل فى دروبها ونظمها وأفرادها، الصالح والطالح؟ انهيارها أو تفكيكها يأتى من ضرب ما بقى من أوصالها، ضرب أعمق نقطة وأكثرها ترابطا. ستأتى التمويلات، لكن ما ثمنها؟ على المؤسسات العامة والوزارات أن تخصص فريقًا أو إدارة فى كل مؤسسة عامة، لإدارة التمويلات والمشروعات والعلاقة مع المنظمات الدولية والممولين، فريق مدرب، مُعد بدقة، واعٍ ونظيف! يجب أن لا يُفتح الباب على الغارب فرحا بالتمويلات، ونُعُدهُ نصرا! لقد اختُرقت مؤسسات المجتمع المدنى وبتنا نبكى عليها، فهل يتكرر الأمر مع المؤسسات العامة؟ أكرر مؤسساتنا ليست الأفضل بل تحتاج إصلاحًا جذريا عاجلًا، لكن ما أقوله إن مسيرة الإصلاح يجب أن نبدأها ونحميها، فهل نملك الوعى والإرادة والقدرة؟