إنفوجراف| أرقام يجب أن تعرفها عن مجلس الشيوخ    أسبوع القاهرة 2025| وزير الري: منظومة المياه والصرف بغزة أصبحت أطلالًا مدمرة    مساعد وزير الخارجية الأسبق: منح السيسي قلادة النيل لترامب تقدير لدوره في دعم جهود السلام بالشرق الأوسط    رئيس جامعة بني سويف التكنولوجية يستقبل وفد المعهد الكوري للاقتصاد الصناعي والتجارة    المغرب بالإسكندرية 6.30.. جدول مواقيت الصلاة في محافظات مصر غداً الثلاثاء 14 أكتوبر 2025    تحالف مصرفي يضخ 7 مليارات جنيه لتمويل مشروع عقاري ضخم بالقاهرة الجديدة    المستشار محمود فوزي: الرئيس يولي قضية الزراعة والغذاء أعلى درجات الاهتمام    بالصور.. تطوير شامل بمنطقتي "السلام الجديد والتصنيع" في بورسعيد    من التقديم حتى التأكيد.. 8 خطوات للحصول على سكن بديل ضمن قانون الإيجار القديم    «يديعوت» تكشف السبب الحقيقي لتراجع نتنياهو عن حضور قمة شرم الشيخ    نتنياهو يمنح ترامب حمامة ذهبية تقديرًا لجهوده في إنهاء حرب غزة    متحدث الأمم المتحدة: لا بد من تأكيد تدفق دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة    سعفان الصغير: كل من هاجمونا «غير وطنيين».. ونجاحات التوأم سبب الحرب علينا    بث مباشر مباراة ألمانيا وأيرلندا الشمالية اليوم في تصفيات أوروبا    «شكوى ل النائب العام».. أول رد فعل من طارق مصطفى ضد أحمد ياسر    حسن الدفراوي: منافسات المياه المفتوحة في بطولك العالم صعبة    المشدد 3 سنوات لتشكيل عصابي سرقوا موظف بالإكراه في مدينة نصر    مائل للحرارة وأمطار.. الأرصاد تكشف حالة الطقس غدا الثلاثاء    براءة متهم بالانضمام لجماعة إرهابية في العمرانية    «مثلث الحب».. عرض أول فيلم طويل للمخرجة آلاء محمود بمهرجان القاهرة السينمائي    بينهم أمريكي.. الإعلان عن 3 فائزين ب جائزة نوبل في الاقتصاد 2025    آداب القاهرة تحتفل بمرور 100 عام على تأسيس قسم الدراسات اليونانية واللاتينية    نائبة وزير الصحة خلال مؤتمر جمعية النساء الطبيبات الدولية: صحة المرأة وتمكينها أساس التنمية    إحالة العاملين المتغيبين في مركز الرعاية الأولية بالعريش للتحقيق بعد زيارة مفاجئة    جامعة بنها تتلقى 4705 شكوى خلال 9 أشهر    عضو بالشيوخ: قمة شرم الشيخ لحظة فاصلة لإحياء العدالة الدولية فى فلسطين    الأهلي يدعو أعضاء النادي لانتخاب مجلس إدارة جديد 31 أكتوبر    إلهام شاهين لاليوم السابع عن قمة شرم الشيخ: تحيا مصر عظيمة دايما    ترامب: ويتكوف شخص عظيم الكل يحبه وهو مفاوض جيد جلب السلام للشرق الأوسط    ضوابط جديدة من المهن الموسيقية لمطربي المهرجانات، وعقوبات صارمة ل2 من المطربين الشعبيين    دار الإفتاء توضح حكم التدخين بعد الوضوء وهل يبطل الصلاة؟    محافظة بورسعيد: جارٍ السيطرة على حريق بمخزنين للمخلفات بمنطقة الشادوف    المشدد 3 سنوات لعصابة تتزعمها سيدة بتهمة سرقة موظف بالإكراه فى مدينة نصر    كاف يعلن أسعار تذاكر أمم أفريقيا.. 500 جنيه لمباريات مصر    «المالية»: فرص اقتصادية متميزة للاستثمار السياحي بأسيوط    هتافات وتكبير فى تشييع جنازة الصحفى الفلسطيني صالح الجعفراوى.. فيديو    ضبط قائدي ثلاث سيارات ينفذون حركات استعراضية خطيرة بالغربية    ارتفاع أسعار النفط وخام برنت يسجل 63.58 دولار للبرميل    فحص 1256 مواطنا وإحالة 10 مرضى لاستكمال الفحوصات بقافلة طبية فى مطوبس    محمد رمضان يوجّه رسالة تهنئة ل«لارا ترامب» في عيد ميلادها    إعلان أسماء مرشحي القائمة الوطنية بانتخابات مجلس النواب 2025 بمحافظة الفيوم    "هتفضل عايش في قلوبنا".. ريهام حجاج تنعى الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي    الأمم المتحدة: إحراز تقدم في إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة    وزير السياحة يترأس اجتماع مجلس إدارة هيئة المتحف القومي للحضارة المصرية    إليسا تشارك وائل كفوري إحياء حفل غنائي في موسم الرياض أكتوبر الجاري    تشكيل منتخب فرنسا المتوقع أمام آيسلندا في تصفيات كأس العالم 2026    بالفيديو.. الأرصاد: فصل الخريف بدأ رسميا والأجواء مازالت حارة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 13-10-2025 في محافظة قنا    أوقاف السويس تبدأ أسبوعها الثقافي بندوة حول المحافظة البيئة    حملات تموينية مكثفة على المخابز والأسواق في دمياط    مصطفى شوبير: لا خلاف مع الشناوي.. ومباريات التصفيات ليست سهلة كما يظن البعض    «شرم الشيخ».. منصة مصر الدائمة للحوار والسلام    رئيس «الرعاية الصحية» يتفقد مجمع الفيروز بجنوب سيناء استعدادًا لقمة شرم الشيخ    انتظام اللجان الخاصة بالكشف الطبي لمرشحي انتخابات مجلس النواب بالأقصر    عاجل- البيت الأبيض: ترامب يتابع عملية إطلاق سراح الرهائن من على متن الطائرة الرئاسية    هل يجوز الدعاء للميت عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟.. «الإفتاء» توضح    عيار 21 الآن في الصاغة.. سعر الذهب اليوم الإثنين 13_10_2025 بعد الزيادة الجديدة    بولندا تواصل تألقها بثنائية في شباك ليتوانيا بتصفيات المونديال الأوروبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول التطبيع والتمويل الأجنبى للمنظمات غير الحكومية (2-2)
نشر في الشعب يوم 25 - 04 - 2013

يتألف المركز من خمسة أقسام: قسم التحليلات الإستراتيجية، وهو يشتغل بقضايا الحل النهائى، قسم التنمية والقانون، وهو يعمل بقضايا المجتمع المدنى، قسم البيئة والمياه، قسم طرق للمصالحة، وهو مشروع متعدد الجنسيات للتثقيف بالسلام، وأخيرا وحدة المركز الاستخبارية Intelligence Unit Center، إذا كان هناك من توجد لديه شكوك حول ماهية الدور الذى يضطلع به المركز المذكور. ورب قائل: وما علاقة كل ذلك بالتمويل الأجنبى؟ والجواب على مثل ذلك السؤال المهم هو لائحة ممولى المركز المنشورة على موقعه على الإنترنت، والتى تضم نفس الجهات التى تنثر التمويل الأجنبى "غير المشروط" يمنةً ويسرةً، على ما زعموا، ومنها ال«يو إس إيد» وسيدا السويدية والاتحاد الأوروبى وصندوق الحوار الكندى، وعدد من الدول الأوروبية من فنلندا إلى إسبانيا، بالإضافة لمؤسسات غير حكومية مثل الوقف الوطنى للديمقراطية، وهو الصندوق الأمريكى الذى قدم الدعم "للمجاهدين" فى أفغانستان وللانقلابات العسكرية فى أمريكا اللاتينية ضد تشافيز وغيره وللحراك الجماهيرى الملون فى أوروبا الشرقية، ومثل مؤسسة كونراد إديناور الألمانية ومؤسسة ماك أرثر الأمريكية ومثل البنك الدولى، وغيره...
أما بعد، فهل تعتقدون أن المركز المذكور فريدٌ من نوعه؟ على العكس! إنما هو غيض من فيض. وإليكم قائمة جزئية بمراكز مماثلة أكثر أو أقل تأثيرا، تعمل منذ سنوات طوال، وقد سبق نشرها على الإنترنت:

- مركز بيجن – السادات للدراسات الإستراتيجية
- معهد هارى ترومان لبحوث تطوير السلام
- مركز جافى للدراسات الإستراتيجية
- معهد ليونارد ديفيس للعلاقات الدولية
- مركز موشى دايان لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا
- مركز تامى شتابنمبنر لبحوث السلام
- معهد السياسة الدولية لمكافحة الإرهاب
- المركز العربى اليهودى فى جامعة حيفا
- معهد العلاقات الإنسانية فى جامعة حيفا
- معهد الدراسات العربية فى جفعات حفيفا
- قسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطى فى الجامعة العبرية
- مركز الدراسات الإستراتيجية فى جامعة تل أبيب، باسم جافى أويا فيه
- المركز الدولى للسلام فى الشرق الأوسط
- والمركز الأكاديمى "الإسرائيلى" بالقاهرة.

ويمكن أن نضيف للقائمة أعلاه "مركز بيريز للسلام" و"شبكة الشرق الأوسط" Middle East Web، و"برنامج بذور السلام" Seeds of Peace وغيرها كثير، فنحن لا نتحدث عن تكهنات هنا أو عن افتراءات، بل عن مشاريع واضحة وضوح الشمس للتطبيع وكسر حاجز العداء مع العدو الصهيونى، وفرض الرواية التاريخية اليهودية على العرب. وهنا يدخل التمويل "الإسرائيلى" المباشر على الخط فى كثير من الحالات.
وفى سياق إستراتيجية استخدام "القوة الناعمة" لتحقيق تمدد العولمة، لأن الشركات الدولية الكبرى تريد أن تستثمر وتتاجر عبر الحدود دون دول وطنية تحاسبها أو تعيقها، دعونا نقدم مثالا سريعا جدا. فلو أخذنا الناتج المحلى الإجمالى للأردن فى العام 2011 مثلا لوجدنا أنه يعادل 31 مليار دولار. هذا يساوى قيمة النشاط الاقتصادى فى الأردن، أى دخل الناشطين اقتصاديا فى الأردن فى ذلك العام. لكى نعرف الآن ما هى الشركات متعدية الحدود التى تمتلك مشروعا لتخطى الدول وحواجزها السيادية فلنقارن الناتج المحلى الإجمالى الأردنى بمبيعات أكبر شركة دولية لنفس العام، وهى شركة إكزون Exxon النفطية الأمريكية، وهو 486 مليار دولار. ولنلاحظ أننا نتحدث هنا عن حجم المبيعات لعام واحد هو عام 2011، لا عن القيمة الرأسمالية للشركة. وقد بلغ عدد موظفى شركة إكزون وعمالها لنفس العام أكثر من مائة ألف. فلنأخذ ثانى أكبر شركة لنفس العام وهى شركة رويال دتش شل Royal Dutch Shell، وهى شركة نفطية غازية بريطانية هولندية بلغت قيمة مبيعاتها فى العام 2011 حوالى 470 مليار دولار، وبلغ عدد موظفيها وعمالها أكثر من تسعين ألفا. ولنأخذ ثالث أكبر شركة من حيث حجم المبيعات فى العام 2011 وهى شركة النفط والغاز والبريطانية بريتش بتروليوم British Petroleum، وقد بلغت قيمة مبيعاتها 375 مليار دولار. وعلى سبيل المقارنة فلنلاحظ أن الناتج المحلى الإجمالى المصرى لنفس العام كان 230 مليار دولار حسب البنك الدولى. وهذه مجرد أمثلة على حجم عمليات تلك الشركات وكيف تقزّم الواحدة منها بلدانا بأكملها اقتصاديا، فلا يرى مديرو تلك الشركات لماذا عليهم أن ينصاعوا لإرادة موظفى بيروقراطية دول لا تبلغ نصف أو ربع أو عُشر حجمها اقتصاديا!!!
فإذا تفحصنا أكبر خمس عشرة شركة دولية من حيث حجم المبيعات للعام 2011 لوجدنا تسع شركات نفط وغاز بينها. فلنأخذ منها شركة النفط والغاز الفرنسية توتال Total مثلا. فقد بلغت مبيعاتها فى العام 2011 حوالى 215 مليار دولار، وبعدها جاءت شركة أرامكو السعودية، أو شركة النفط العربية الأمريكية، بمبيعات مقدارها 210 مليارات دولار فى العام نفسه. فالسؤال الذى يطرح نفسه هو: هل يوجد فى فرنسا نفط وغاز؟ وهل فى بحر الشمال نفط وغاز يفسر المبيعات الضخمة لرويال دتش شل أو برتيش بتروليوم؟! بالطبع لا! إنما هى ثرواتنا التى يسيطرون عليها، وثروات شعوب الأرض، وهذا هو مشروع الإمبريالية الحقيقى: السيطرة على ثروات الشعوب وأرضها وأسواقها وسياساتها.
الشركات الكبرى عابرة الحدود فى الدول الرأسمالية هى قاطرة العولمة، لكن يوجد فوقها وخلفها قوة لا تُرى تحركها هى الكتل المالية الضخمة التى تسيطر عليها، عبر امتلاك حصص من أسهمها وقروضها، وهذا هو رأس المال المالى الدولى، المتمثل بالمؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية (مثل صناديق الاستثمار) والكتل المالية التى تملكها عائلات. وهنا يبرز التداخل بين رأس المالى اليهودى ورأس المال الإمبريالى، وبين مشروع الصهينة ومشروع العولمة، وبين التطبيع والتمويل الأجنبى، وتبرز مؤسسات فورد وروكفلر وغيرها التى تمثل امتدادا طبيعيا للمؤسسة الحاكمة فى العالم الرأسمالى. فإذا مولت تلك المؤسسات بعض المنظمات غير الحكومية، فمن أجل مشروعها السياسى، وهو التمويل الذى لا يشكل إلا جزءا بسيطا من فتات الأرباح التى تحققها الإمبريالية من أرضنا ومواردنا وعرق عمالنا وموظفينا.
ومثل هذا التمويل لا يمكن فصله عن مشروع الدم الذى رأيتموه فى العراق وليبيا والذى ترونه اليوم فى سورية، والذى سيمتد إلى كل الوطن العربى إن لم نتصدّ له بقوة.
ويمكن اعتبار التمويل الأجنبى فى هذا السياق امتدادا لمشروع استخدام "القوة الناعمة"، أى استخدام وسائل التأثير الإعلامى والثقافى والسياسى فى تحقيق الأهداف الإمبريالية باعتبارها أقل كلفة من "القوة الخشنة" المتمثلة بالحروب والعمليات الخارجية والاغتيالات وما شابه. على سبيل المثال، أطلقت وزارة الخارجية الأمريكية عام 2001 مشروعا مهما جدا هو "مبادرة الشراكة الشرق أوسطية" Middle East Partnership Initiative الذى يتألف من حوالى 350 برنامجا ممولا، تحت عنوان "الدبلوماسية العامة"، بغرض اختراق الجمهور العربى والإسلامى، كبديل للدبلوماسية التى تجرى بين الدول. وقد تلقى عشرات آلاف المواطنين العرب دورات فى "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان" فى سياق تلك البرامج.
ولا يأتى مثل هذا البرنامج بلا خلفيات، بل كثيرا ما استخدمت الولايات المتحدة "القوة الناعمة" بالتوازى مع القوة الخشنة فى سعيها للسيطرة على العالم. مثلا، لو نظرنا لما يسمى "مؤتمر الحرية الثقافية" الذى أسسوه عام 1950 للتصدى للشيوعية فى أوروبا الغربية أيديولوجيا وثقافيا، من خلال واجهات لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، لوجدنا أن كثيرا ممن عملوا فى تلك الواجهات لم يكونوا يعلمون أنهم مجرد أدوات بيد الإمبريالية. وقد وثقت الكاتبة البريطانية فرانسيس ستونور سوندرز جيدا، فى كتابها "من يدفع للزمار/ الحرب الباردة الثقافية"، دور وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ليس فقط فى خلق واجهات ثقافية، بل فى إنشاء تيارات كاملة فى الموسيقى والرسم والأدب والشعر، أو فى تشجيعها، لأغراض سياسية. مثلا، هنالك ما وثقته سوندرز عن تشجيع موسيقى الهارد روك لمحاربة التثقيف الجماهيرى بالموسيقى الكلاسيكية فى الدول الاشتراكية سابقا التى اعتبرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أنها تسهم بتنمية حس تماثلى عند الجمهور. وهنالك ما وثقته سوندرز عن تشجيع الرسم التعبيرى التجريدى Abstract Expressionism بأقصى صوره الرافضة لوجود شكل أو خطوط واضحة فى الرسم، وكذلك تشجيع الشعر الحر...

وعلى نفس المنوال، نرى اليوم عددا كبيرا من مواقع الإنترنت والمنابر والمؤتمرات التى برزت كواجهات ل"مبادرة الشراكة الشرق أوسطية" من أجل التثقيف ب"الديمقراطية" و"حقوق الإنسان". وحسب دراسة روسية سبق أن ترجمت خلاصتها إلى العربية فإن تلك المنابر نجحت بالوصول إلى مئات آلاف المواطنين العرب، ويمكن إيجاد تلك الترجمة على الرابط التالى:
http://freearabvoice.org/?p=1117
وقد تبين فى النهاية أن التحليلات الروسية والصينية عن دور برامج التمويل الأجنبى المنبثقة عن "برنامج الشراكة الشرق أوسطية" الأمريكى فى صياغة "الربيع العربى" ليس ببعيدٍ عن الحقيقة. وقد كانت كوندوليسا رايس، مستشارة الأمن القومى ثم وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، قد خرجت بتصريح علنى عقب نجاح الثورات الملونة فى أوروبا الشرقية تدعو فيه لزيادة تمويل المنظمات غير الحكومية. ولدينا هنا فى الأردن مثالٌ آخر عن العلاقة بين التمويل الأجنبى والتطبيع فيما حدث بين 9 و11 يونيو فى العام 2008 عندما رعت "مبادرة الشراكة الشرق أوسطية" مؤتمرا فى عمان، تحت عنوان "قادة المجتمع المدنى يتبادلون الخبرات"، بإشراف خبراء من وزارة الخارجية الأمريكية، شارك فيه شباب عربٌ من أقطار عربية متعددة متعددة من اليمن للمغرب، بالإضافة لشباب "إسرائيلى"!! وهذا موثق طبعا.
ففى منطقتنا تحديدا يصبح التطبيع جزءا أساسيا من لعبة التمويل الأجنبى. وحتى لو لم توجد "شروط مسبقة"، فما دامت أجندة المموِل معروفة مسبقا، فليس ضروريا أن يفرض شروطا، بل يصبح قبول التمويل قبولا ضمنيا بالشروط. وليس ضروريا أن تكون مثل تلك الشروط حاضرة فى كل مثال صغير، فى كل حضانة للأطفال أو دورة تدريبية أو حملة تثقيف صحى، فما يحدث فى النهاية هو أن المموِل يفرض أجندته، والمتمول سوف يحرص على استمرار التمويل، مما يدفعه للتغاضى عن أجندة الممول بشكلٍ أو بآخر. فالمهم هو السياق والنتيجة. وربما يحرص المموِل على إخفاء اسمه لإظهار التطبيع كعمل محلى طوعى كما فى حالة ال«يو إس إيد»، أو وكالة التنمية الأمريكية، والكراسين التطبيعيين الذين نشرتهما للطلبة من سن تسعة إلى اثنى عشر عاما عبر جهات رسمية أردنية:
http://nozion.net/?p=1226
إذن السؤال الحقيقى يجب أن يكون: هل هناك تمويل أجنبى غير مشروط؟ ففى مجتمعات رأسمالية غربية تقوم على مبدأ الربح لا بد أن نتساءل عن أهداف التمويل الأجنبى المحددة، لا إذا ما كان مشروطا أم لا. ففى الولايات المتحدة وحدها يوجد مئات آلاف المشردين الذين يعيشون بلا مأوى أو منزل، فلماذا إذن تنفق حكومة الولايات المتحدة والمؤسسات الأمريكية مئات ملايين الدولارات على تمويل المنظمات غير الحكومية حول العالم، فى أوروبا الشرقية مثلا، خاصة فى روسيا، بدلا من إنفاقها على الأمريكيين المشردين؟!
والحقيقة أن التمويل الأجنبى للمنظمات غير الحكومية هو جزءٌ أساسى من عمل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لزعزعة استقرار الدول التى يراد إضعافها وتفكيكها، كما نرى من وثيقة ترجمتها عام 1999 بعنوان "الترويج للديمقراطية فى يوغوسلافيا: عناصر أساسية للدعم المالى” صدرت فى واشنطن فى 16/12/1998:
http://www.freearabvoice.org/arabi/maqalat/TamweelAjnabeeLemonathamatMadaneyyeh.htm
وقد لا تجد فى تلك الوثيقة شروطا واضحة فى كل حالة، فهنالك 5 ملايين دولار لقطاع التعليم، و10 ملايين دولار للأحزاب السياسية، ومليون للقضاء المستقل، إلخ... بل قد يكون الهدف، كما جاء فى مقدمة الوثيقة، هو إقامة أوسع الصلات مع عناصر المجتمع المدنى وإيجاد مؤسسات بديلة للدولة، ضمن السياق الذى تناولناه فى مقدمة هذه الورقة، وإيجاد جيل جديد من القادة الذين يحترمون حكم القانون والتسامح، والأهم، إقامة دولة صربية ديمقراطية. ومن الواضح أن يوغوسلافيا كانت تتألف من صرب وكروات وبوسنيين، فالحديث عن دولة صربية ديمقراطية يعنى فقط تفكيك يوغوسلافيا فى سياق الحديث عن "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان"!
النقطة الأخرى أن جماعة التمويل الأجنبى يتهموننا عندما نقدم خطابنا المناهض للتمويل بأننا متحالفون مع الدول الديكتاتورية ضد "الديموقراطية" و"حقوق الإنسان"، ويعيبون علينا ذلك ونحن معدودون من المعارضين زاعمين أننا نؤيد بمثل هذا الموقف تسلط الأجهزة الأمنية وتغولها. والحقيقة أننا فى ظل مشروع العولمة لتفكيك الدول، أى دول، وأى حالة قوة مركزية، خاصة إذا كانت خارجة عن طوع الإمبريالية، يجب أن نميز ما بين الدولة من جهة، كمؤسسة عامة ترعى القضايا العامة وكبنية تحتية تحفظ البلد من التفكك، وما بين النظام السياسى بما يمثله من نخبة حاكمة وسياسات وأدوات توظف الدولة والمؤسسة العامة لمصالح لا تنسجم مع مصلحة الشعب من جهة أخرى. فما نعارضه حتى النهاية هو النظام، أما الدولة بالمجرد، فنحن غير معنيين على الإطلاق بضربها وشطبها بناء على برنامج العولمة، بل نريد دولا وطنية قوية ومركزية تستطيع أن تواجه مشروع العولمة. نريد دولا تعبر عن المصلحة العامة بشكلٍ أفضل، أى دولا تتبنى مشروع الاستقلال والتنمية المستقلة والتحرر الوطنى، وفى النهاية، دولة عربية واحدة تعبر عن المصلحة القومية للشعب العربى.

ولنلاحظ أننا لا نستبدل مكان الدول القطرية هنا دولة وحدة عربية واحدة، بل بمشروع تفكيك يتخذ من "الديموقراطية" و"حقوق الإنسان" ستارا، كما رأينا فى مثال يوغوسلافيا أعلاه، وأن الهجوم على الدولة القطرية لا يأتى من مشروع أكثر استقلالية ووحدوية منها، بل ان المطروح هو العودة إلى الخلف، إلى ما قبل الشعب والمواطن... ونلاحظ أن المدافعين عن التمويل الأجنبى، كبعض الإسلامويين تماما، يعادون الدولة بذريعة معاداة النظام، ولكنهم عندما يستلمون السلطة يفككون الدولة ويبقون على النظام، أى نظام التبعية للامبريالية والخارج والتطبيع. فنحن إذن نعارض النظام دفاعا عن الدولة، عن وطنيتها تحديدا، أما هم فيعارضون الدولة ويحافظون على النظام. وذلك هو الفرق الرئيسى بيننا وبينهم. وفى النهاية يتمثل البرنامج القومى العروبى بتأسيس دولة عربية واحدة من المحيط إلى الخليج مركزية، لا فدرالية ولا كونفدرالية، وهو ما يعنى الانتقال من الدول القطرية العربية إلى الدولة القومية العربية الواحدة، وشتان ما بين هذا وبين تفكيك الدولة القطرية العربية إلى دويلات.

النقطة الأخيرة تتعلق بربط فكرة "المجتمع المدنى” بتجاوز الحدود، تحت عنوان "المجتمع المدنى الكونى”، وهى من أخطر أدوار منظمات التمويل الأجنبى فى تنفيذ مشروع التفكيك. وقد سبقت الإشارة أن التعريف السائد فى الغرب للمجتمع المدنى يقوم على اعتباره ما لا يمثل قطاعا حكوميا أو خاصا، ولكنه تعريفٌ يقوم أيضا على شرط أخر هو تجاوز المنظمة غير الحكومية للحدود الوطنية فى القضايا التى تتبناها وفى آلية عملها القائمة على اتصالات عابرة للحدود ومؤتمرات دولية... ويمكن أن نقدم هنا أمثلة منتدى دافوس أو "المفوضية الثلاثية" أو "مجموعة الأزمات الدولية" (الممولة أيضا من مؤسسة روكفلر، التى أسست المفوضية الثلاثية). لكن الأهم فى شرط تجاوز الحدود الوطنية هو فرضية التضامن المتعدى للإقليم الجغرافى، أى فك الارتباط بين المواطن والأرض. فالمنظمات غير الحكومية، حسب التعريف السائد، تقوم على أساس إحساس بهوية جماعية ومصير جماعى يتجاوز الحس الوطنى والقومى عبر شبكات تربط الناس عبر الحدود مثلا على أساس العمر أو المهنة أو العرق أو الطائفة أو التوجه الجنسى، وكلما كانت قضية المنظمة غير الحكومية أكثر التزاما بمقولة التضامن المتعدى للأقاليم، أى كلما كانت أكثر تجاوزا للحدود الوطنية، كلما اصبح الحصول على تمويل اجنبى أكثر سهولة. ومن الواضح أن المقصود هنا ليس التضامن الأممى فى مواجهة الإمبريالية والصهيونية مثلا، لأن مثل ذلك التضامن لا يتم على قاعدة نفى الاستقلال الوطنى والوحدة القومية، بل على أساس تعزيزهما، إنما المقصود هو أن مشروع "المجتمع المدنى الكونى” هو فى النهاية تحطيم الانتماء الوطنى والقومى. ولعل هذا ما يمثل القاسم المشترك مع بعض الحركات الإسلاموية فى بلادنا التى تعمل على أساس فرضية التضامن المتعدى للأقاليم بدورها فى انتمائها وفى آلية عملها وفى كونها تبنى مثل ذلك التضامن على أساس الانتماء المذهبى فى سياق يصب فى آن معا فى خدمة مشروع التفكيك ومحاصرة الدولة الوطنية بالذات فى عموم الوطن العربى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.