كتب- أشرف الصباغ: تتردد المخاوف من تكرار أزمة عام 1998 الاقتصادية في روسيا، والمعروفة ب"الثلاثاء الأسود"، التي كادت روسيا أن تُشهر خلالها إفلاسها، بعد انهيار الروبل الروسي وتداعي أركان العديد من المؤسسات الاقتصادية والمالية آنذاك، ففي مساء أمس الثلاثاء، هبط سعر صرف الروبل الروسي أمام الدولار واليورو ليصل إلى أدنى مستوياته، حيث تجاوز سعر صرف الدولار مستوى 75 روبلًا بعد أن كان عند مستوى 34 روبلًا في بداية العام الحالي وحتى أسبوعين فقط، وذلك بعد تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية في الفترة الأخيرة إلى مستويات قياسية، وتحت ضغط من العقوبات الغربية التي فُرضت على موسكو فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية. وواصلت العملة الروسية الهبوط على الرغم من قيام البنك المركزي الروسي برفع سعر الفائدة الأساسي، ويبدو أن تراجع قيمة الروبل أمام العملات الأساسية في العالم بات أحد أشكال المواجهة المباشرة بين روسيا والغرب، ولم يعد الأمر يتوقف على عودة شبه جزيرة القرم إلى روسيا، ولا تزال موسكو ترى أن استمرار التوتر في الأزمة الأوكرانية ما هو إلا غِطاء يستخدمه الغرب لحصار روسيا عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا، وذلك في سعي لتغيير نظامها السياسي، والخلاص من قوة عظمى تسعى للعيش في عالم متعدد الأقطاب، وفق تصريحات المسئولين الروس. وأرخت العقوبات بظلالها على الاقتصاد الروسي بقطاعاته المختلفة، فتراجعت قيمة الروبل لعدة عوامل، أهمها العقوبات الغربية على القطاعات الحساسة في الاقتصاد الروسي، وتراجع سعر النفط الذي وصل إلى أدنى مستوياته منذ سنوات، إضافة إلى عمليات التلاعب في أسواق صرف العملات من قِبل السماسرة والأفراد والمؤسسات، وذلك بغرض تحقيق مكاسب مالية سريعة، وأخيرًا إخراج العملات الصعبة من روسيا من قبل المستثمرين الأجانب وحتى الروس تخوفًا من انهيارات اقتصادية أو سياسية. في الوقت نفسه، دفع الاضطراب الذي تشهده أسواق العملات العالمية، أمس الثلاثاء، المستثمرين صوب الملاذات الآمنة مثل الين الياباني والعملات الأخرى، مع تهاوي الروبل الروسي، وهبوط أسعار النفط إلى أقل من 60 دولارًا للبرميل، وكانت الكرونة النرويجية الخاسر الأكبر بين العملات الرئيسية، وهبطت عملة النرويج الغنية بالنفط لأدنى مستوياتها فيما يزيد على عشر سنوات مقابل الدولار وتراجعت عن مستوى التكافؤ مع نظيرتها السويدية، وذلك للمرة الأولى في نحو 15 عامًا. كما هبطت الكرونة النرويجية بنحو 4% إلى 0.9800 كرونة سويدية مسجلة أدنى مستوياتها منذ 1992، وتراجعت لأدنى مستوياتها في 11 عامًا مقابل الدولار عند 7.6533 كرونة، وما زالت بصدد أكبر انخفاض لها فيما يزيد على 20 عامًا. وارتفع الين 1.8% إلى 115.56 ينًا مقابل الدولار، مسجلا أعلى مستوياته في شهر، وصعد الفرنك السويسري إلى 1.20085 دولار مقتربًا من أعلى مستوياته منذ سبتمبر 2012. وارتفع اليورو الذي ينظر إليه كملاذ آمن إلى أعلى مستوياته في ثلاثة أسابيع مقابل العملة الأمريكية، مسجلا 1.2570 دولار مدعومًا ببيانات أظهرت تحسنًا طفيفًا في أنشطة الشركات بمنطقة اليورو في ديسمبر مقارنة مع ما كان متوقعًا. هذا وبحلول مساء الثلاثاء سادت أسواق العملات في روسيا حالة من الفوضى، إذ وصل سعر الدولار الواحد 75 روبل، واقترب سعر اليورو من المئة روبل، وهذه الأسعار وصلت إلى هذا المستوى بعد أن كان سعر الدولار منذ أسبوعين فقط يساوي 34 روبلًا، وسعر اليورو في نفس الوقت 46 روبلًا. وفي خطوة مفاجئة على خلفية تدهور أوضاع العملة الروسية، أعلن البنك المركزي الروسي رفع سعر الفائدة الأساسي السنوي اعتبارًا من اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر من 10.5% إلى 17% في خطوة جذرية لكبح مخاطر التضخم، وهبوط سعر الروبل بالنسبة للعملات الأخرى، وبالذات الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي. وذكر بيان صادر عن البنك أن هذا القرار يعود إلى ضرورة الحد من مخاطر تراجع قيمة الروبل والتضخم التي ازدادت بصورة ملحوظة في الآونة الأخيرة، إضافة إلى ذلك، ومن أجل توسيع إمكانيات المؤسسات الائتمانية في مجال إدارة سيولتها بالعملات، اتخذ البنك المركزي الروسي قرارًا برفع الحد الأقصى من المبالغ التي تطرح في مزادات شراء العملة الأجنبية لمدة 28 يومًا من 1.5 مليار دولار إلى 5 مليارات دولار، وأيضًا عن إجراء عمليات مماثلة لمدة 12 شهرًا على أساس أسبوعي. وكان المركزي الروسي قد رفع سعر الفائدة أخر مرة يوم الخميس الماضي 11 ديسمبر، بنقطة مئوية واحدة فقط إلى 10.5%، وكانت الروبل تراجع أمام الدولار واليورو بشكل حاد خلال تداولات الاثنين 15 ديسمبر، فتجاوز الدولار عتبة ال63 روبلًا، واليورو عتبة ال78 روبلًا، ويعود هبوط الروبل إلى انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية والعقوبات الغربية المفروضة ضد روسيا نتيجة لموقفها من الأزمة الأوكرانية، التي قيدت وصول المصارف الروسية إلى أسواق المال الغربية. ويتوقع البنك المركزي الروسي أن يتراوح انخفاض الاقتصاد الروسي العام المقبل في حال تعرضه لسيناريوهات سلبية بين 4.5% و4.7%، واعتبر البنك المركزي الروسي أن تراجع سعر صرف العملة الروسية الروبل يعد بمثابة دعوة للاقتصاد الروسي بضرورة التأقلم مع الظروف الجديدة، في إشارة إلى تراجع أسعار النفط العالمية. وقالت رئيسة البنك المركزي الروسي إلفيرا نابيؤلينا، إن تراجع قيمة الروبل يعود قبل كل شيء إلى تأثير عوامل خارجية، في إشارة منها إلى تراجع أسعار النفط العالمية إلى مستويات قياسية، والعقوبات الغربية التي تم فرضها ضد روسيا المتعلقة بالأزمة الأوكرانية. وأضافت نابيؤلينا أن قرار البنك رفع الفائدة الأساسية يهدف إلى الحد من التداعيات السلبية لتراجع سعر صرف الروبل، مشيرة إلى أن هذا القرار سيؤدي إلى زيادة الفائدة على الودائع بالبنوك، وبالتالي زيادة جاذبية الودائع بالروبل بالنسبة إلى السكان، كما لفتت إلى أن سعر صرف الروبل العائم ورفع نسبة الفائدة الأساسية سيجعل نشاط المضاربين في سوق العملات محفوفا بأخطار كبيرة. وعلى خلفية الفوضى العارمة في أسواق المال الروسية، وتدهور قيمة الروبل الروسي، صرح المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني أن زعماء الاتحاد الأوروبي سيناقشون هذا الأسبوع مسألة مدى فعالية العقوبات ضد روسيا، وقال إن هذه المسألة قيد اهتمامنا المستمر وستسنح الفرصة الأسبوع المقبل لقادة الاتحاد الأوروبي لمناقشة الوضع، وأشار إلى أن إعادة استقرار الوضع في أوكرانيا سيكون السبيل الوحيد لرفع العقوبات، وأضاف المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني أن روسيا جعلت من نفسها أكثر عرضة للصدمات الاقتصادية التي قد تواجه الدول المنتجة للنفط في حال تغير أسعار النفط، فضلا عن العزلة الناجمة عن العقوبات بسبب الأحداث في أوكرانيا. على هذه الخلفية، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، أن هناك أُسسا للاعتقاد بأن الولاياتالمتحدة تحاول زعزعة الاستقرار وتغيير النظام في روسيا من خلال فرض العقوبات عليها، موضحًا أن بعض الساسة في الغرب لا يخفون ذلك. وتعليقًا على مشروع القانون الأمريكي الذي وافق عليه الكونجرس، والذي ينص على إمكانية فرض عقوبات إضافية على روسيا، قال لافروف إن روسيا ستتخذ خطوات جوابية تبعا لتطور الأمور، مشيرًا إلى أنه يجب انتظار توقيع الرئيس باراك أوباما على المشروع، واصفًا العقوبات بأنها دليل على الانزعاج، وليست من أدوات السياسة الجدية، مشيرًا إلى أن قرار الاتحاد الأوروبي فرض العقوبات على روسيا كان غير منطقي إذ اتخذ في اليوم التالي بعد توقيع بروتوكول ميسنك حول التسوية في أوكرانيا. وانتقد لافروف السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي وعلاقتها بالعقوبات، مشيرًا إلى أنه إذا كان ذلك خيار أوروبا، ورد فعلها على التطورات الإيجابية، "فيمكنني القول أننا كنا نبالغ في تقدير مدى استقلال الاتحاد الأوروبي في سياسته الخارجية"، واستبعد سيرجي لافروف إمكانية انهيار الاقتصاد الروسي بسبب العقوبات، مؤكدًا أن روسيا ستتمكن من تجاوز تداعياتها. في سياق متصل، قال مدير معهد قضايا العولمة ميخائيل ديلياجين إن العقوبات الأمريكية الجديدة ضد روسيا واتهام موسكو بالخروقات المزعومة لمعاهدة إزالة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، وأيضًا التهديدات باتخاذ إجراءات جوابية، كل ذلك يأتي بغية ثني روسيا عن دعم سكان جنوب شرق أوكرانيا، وكل ذلك لتصعيد الحرب الباردة الجديدة التي أعلنها الغرب ضد روسيا. أما أستاذ العلوم العسكرية قسطنطين سيفكوف، مدير أكاديمية القضايا الجيوسياسية فقد قال إن هدف واشنطن المعلن في قرار "دعم حرية أوكرانيا-2014" بديهي تمامًا، وهو إعادة تسليح الجيش الأوكراني وجعل أوكرانيا حليفًا يمكن الاعتماد عليه، والخطط اللاحقة للولايات المتحدة هي إحداث حالة من الفوضى وزعزعة الوضع في روسيا، لقد جنت الولاياتالمتحدة كل العوائد نتيجة لتفكك الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو، والآن هم يصوبون على روسيا. وانعكست الفوضى المحيطة بتدهور أسعار الروبل الروسي على الحياة العادية للمواطن الروسي، فقد قررت الخطوط الجوية الأورالية الروسية إلغاء رحلاتها إلى الإمارات من عدة مدن روسية هي بيرم، وسامارا، وتشيليابينسك، ونيجني نوفجورود، اعتبارا من 18 يناير المقبل بسبب تراجع الطلب. وأفاد مصدر في المكتب الصحفي التابع لشركة "Ural Airlines" بأن الرحلات من مدينة مينيرالني فودي إلى دبي ستلغى اعتبارا من الثلاثاء 16 ديسمبر الحالي، موضحًا أن المسافرين الذين ألغيت رحلاتهم سيعرض عليهم السفر في موعد أبكر أو إعادة ثمن التذاكر. وأشار المصدر إلى أن تراجع الطلب على السفر إلى دبي، سجل ليس فقط من قبل شركات الطيران بل ومن قبل شركات السياحة أيضًا التي تعمل في هذا الاتجاه، مشيرًا إلى أنه في حال تغيرت حالة السوق، فإن شركة الطيران "Ural Airlines" لا تستبعد احتمال أن تستأنف رحلاتها. يذكر أن حركة السياح الروس تشهد تراجعًا في الفترة الأخيرة بسبب تراجع سعر صرف العملة الروسية أمام الدولار واليورو إلى مستويات قياسية، مما حد من قدرة المواطن الروسي على شراء العملات الصعبة التي يحتاجها للإنفاق في الرحلات السياحية، ومن المتوقع أن ينعكس هذا التراجع على القطاعات السياحة في تركيا ومصر ودول أخرى لاعتمادها بشكل كبير على السائح الروسي.