«1» فى بلدة نائية بالولايات المتحدة، مبانيها رمادية، عاشت قرود شمبانزى، ضئيلة الحجم، تذهب إلى عملها فى الصباح، وتعود قبل العصرية. لم يكن فى المدينة حدائق للراحة، ولا ملاعب لتنفيس الطاقة. اللى عايز يرتاح يبلط قدام التليفزيون، واللى عايز ينفِّس يعمل خناقة. وفى يوم عادت قردة من أهل البلد، سافرت عُمْرًا إلى بلاد غريبة. جاءت وليس فى يدها سوى بعض البذور، تحملها فى حقيبة. وفى حديقة بيتها غرست بذرة، وصبَّت ماء، فخرجت نبتة، شقت الأرض، كأنها حبل يمتد فى اتجاه السماء. لكن شرطة البلدة ذهبت إلى بيت القردة فى زيارة. «إيه يا ستى؟ إيه العبارة! مش عارفة إن الزرع ممنوع، والمياه شحيحة. دا الناس يا فكيكة مش لاقية فلوس، لا فكة ولا صحيحة. أوْلى تراعى أحاسيس الجارة. وبدال ما رايحة تربّى ف زرعة، ربى يا حلوة فقير من فُقرا الحارة». تصفيق حاد. والقردة راحت الحبس، بأمر من العمدة، مافيهوش هزار ولا لبس. الأمر خطير، وحضارة القرود على المحك، دى حضارة زهد وقشف، مش حضارة ميوعة وهلس. ثم سافر العمدة إلى مشتاه، وترك القردة يا ولداه، فى الزنزانة منسية، لا بِتْغيّر أكل، ولا حتى قادرة تغيّر لِبس. «2» جنب بيت القردة ولد وبنت، اسم البنت سمارة واسم الولد شعير. صعب عليهم زرع الجارة، واتفقوا يسقوه كل يوم، بالليل. الشجرة كبرت وبقى لها فروع، وأغصان، وورق أخضر، وزهور. وبين فرعين ربطت سمارة حبال، وزقّت شعير يتمرجح. يعلو وتعلو الضحكة معاه، ينزل كله فرح وسرور. يلّا يا سمرة، عليكى الدور. جارهم جِرِى على شباك الصالة، وجارتهم فتحت شباك الحمام، مدرّسهم وقّف بالسيارة، وأصحابهم صرخوا، عايزين نتمرجح إحنا كمان. كل بيت أنجب شجرة، كل طفل صنع مرجيحة، وضحكة بتعلا وضحكة بتوْطَى، من غير كسل وملل وزنّ، من غير زهق وتقل الدم. حتى الشرطى عجبه الوضع، عجبه النومة وقت العصر، زى الناس، على سرير هزاز، مشدود بحبال من فرع لفرع. وبنى شجرة تحت السجن. «3» على أول الربيع، على موعد رجوع العمدة، وبعد البرد، كانت ألوان المدينة أبيض وأحمر وبنفسجى وروز، ألوان الورد. وكانت القرود كلها، برّه البيوت، تتنطط من فرع لفرع، كأن الواحد فيهم أخيرا عرف، إيه معنى كلمة قرد. والقردة المسجونة اتنفست، روح الربيع، لما اتسلل من بين القضبان غصن شجرة، بزهره البديع. قالت لنفسها، زى ما الفرع دخل علشانى من الحرية للسجن، لا يمكن يرجع فاضى، من النهارده، هو العمدة وهو القاضى، من النهارده هو المغنى، وأنا السمِّيع. ونزلت فى منتصف الليل، زى مواطن استرد مسروقاته وراجع عَ المواسير. لقت البلدة غير ما سابتها، الشارع بالشجر مليان، والبيوت أشكال وألوان. إلا بيت واحد أسمنت. ماينفعش يكون غير سجن. وغرفه بقت زنازين. ساكنها لوحده العمدة، كئيب وتعيس وحزين. راحوا له أهل البلدة، وأمامهم ماشية القردة. سألته: عرفت الصح؟ شفته؟ آمِنت؟ كل فاس نزل على شجرة. اتجرح، وانكسر واتهد. والشجرة فضلت ثابتة، ولقت طريقة تعيش، وتكبر تانى، من جذر، لفرع، لقلب. «4» فكرة المقال مقتبسة من قصة الأطفال «Chimpanzees of Happytown» من تأليف ورسوم: Giles Andreae وGuy Parker-Rees