ما رأيك فى النظرية التالية؟ «فى الاجتماع السرى الذى أصبح شهيرا بين عمر سليمان وقيادات الإخوان فى أثناء الثورة المصرية، جرى الاتفاق على الآتى: يتنحى حسنى مبارك عن الحكم، ويتم حل الحزب الوطنى والقبض على قياداته، يسمح للإخوان بتشكيل حزبهم السياسى بعد 80 عاما من الحظر، ومن ثم السيطرة على البرلمان وتشكيل الحكومة. فى المقابل: يخلو منصب رئيس الجمهورية لمن يدعمه المجلس العسكرى، كما تترك ل«العسكرى» السيطرة على الوزارات السيادية وأجهزة الأمن، فضلا عن عدم المسّ بوضع الجيش فى الدستور. اتفق الطرفان على هذا السيناريو، الذى يبدأ بإعلان الإخوان عدم تقديم مرشح لرئاسة الجمهورية، ومن ثم يضغط العسكريون لخلع مبارك، وكادت الأمور تسرى على هذا النحو، ولكن عبد المنعم أبو الفتوح الذى لم يحضر الاجتماع قرر أن يرفض هذا السيناريو، وبالفعل أعلن ترشحه للرئاسة، ولأن الجماعة لم تكن لتعترف بهذا الاتفاق، فقد ضغطت على أبو الفتوح للتراجع عن الترشح، ثم تبرأت منه وفصلته رغم أنه أحد أبرز قياداتها التاريخية، وبمضى الشهور بدأت فرصة أبو الفتوح تتصاعد حتى بدا أحد أقوى المرشحين، فلم يكن هناك بد من إخراجه من السباق بطريقة أخرى، فتم الاتفاق على إعلان عمر سليمان ترشحه، ومن ثم «يضطر» الإخوان لتقديم خيرت الشاطر وبديله محمد مرسى، ثم يخرج سليمان والشاطر لأسباب شديدة الضعف لا يعترض عليها أى منهما، بل ويرتاح لها الناخبون، ويبقى مرسى كمجرد مبرر يسمح للإخوان بعدم التصويت لأبو الفتوح، وهكذا يصعد إلى المرحلة الثانية مرشح الجماعة، ومرشح الدولة شفيق، فيتم الإبقاء على الثنائية القديمة: النظام أو الإخوان، وهى بلا شك فى مصلحة الطرفين». ما رأيك فى النظرية السابقة، مقنعة؟ منطقية؟ سطحية؟ عبثية؟ قد تكون بعض ذلك أو لا شىء من ذلك، الشىء الوحيد المؤكد هو أنها «نظرية مؤامرة»! ونظرية المؤامرة «Conspiracy Theory»، ذكرت كاصطلاح لأول مرة عام 1870 فى «مجلة العلوم النفسية»، حين تشكك مستر تشارلز بايد فى أسباب وجود إصابات فى صدور بعض نزلاء المصحات النفسية، بينما يذكر قاموس «أوكسفورد» أنها ذكرت لأول مرة سنة 1909 فى «مراجع التاريخ الأمريكى» (AHR)، وعلى كل حال فإن معظم تعريفات نظرية المؤامرة تشرحها على أنها «تفسير حدث أو سلسلة أحداث كمجموعة من الأسرار، تكمن فى اتفاق أطراف من وراء الكواليس». هكذا إذن خرجت فى الآونة الأخيرة نظريات من نوع «حمدين صباحى مرشح المخابرات»، و«أبو الفتوح المرشح السرى للإخوان»، و«عمر سليمان مرشح العسكرى»، وأن «الإخوان صوتوا لحمدين فى استطلاعات الرأى حتى يخدعوا أنصار أبو الفتوح»، وأن «الجماعة صوتت لشفيق فى الانتخابات حتى يصل مرسى وشفيق إلى الإعادة»، وصولا بالطبع إلى عشرات النظريات التى خرجت «لتفسر» أسباب الحكم على مبارك وأولاده، أكثرها غرابة أن المجلس قرر التضحية بمبارك والاحتفاظ بالعائلة، علما بأن النظرية الأساسية تفسر وقوف المجلس مع الثورة أصلا، بسبب رغبته فى الإطاحة بحكم العائلة. بصفة عامة فإن نظرة سريعة إلى النظريات السابقة تبين بسهولة كم تتناقض جميعها مع بعضها البعض، ومع ذلك تتمتع جميعها أيضا بشعبية واسعة، وعلى الرغم من أن خبراء الاجتماع يعتبرون أن نظرية المؤامرة تزدهر فى المجتمعات التى يسيطر فيها التفكير غير العلمى وغياب الشفافية، فإن انتشار نظرية المؤامرة فى الغرب المتقدم -كتفسير أحداث 11 سبتمبر- يجعلنى أميل إلى «نظرية» أخرى تفسر انتشار فكرة المؤامرة بتلبية الحاجة النفسية إلى الأفراد والمجتمعات، إن انتشار الأمية وغياب الشفافية لم يتغير فى مصر منذ عشرات السنين، ومع ذلك فقد ازدهرت الآن نظرية المؤامرة رغم ارتفاع الوعى السياسى والاجتماعى عقب الثورة، والواقع أن اهتمام المصريين انتقل من كرة القدم والحوادث إلى السياسة، فانتقلت نظريات المؤامرة معها، لم نعد نبحث عن أسباب صراع حسن شحاتة مع أحمد ميدو، أو أسرار شبكة تبادل الزوجات، انتقل ذلك إلى صراع خيرت الشاطر وأبو الفتوح، وأسرار ليلة التنحى. هكذا فإن بعض مؤيدى أبو الفتوح صدمهم الصعود المذهل لصباحى فى أيام قليلة، ففسروا ذلك بدعم أجهزة خفية نشرت صوره فجأة فى كل مكان، والذين أزعجهم أن يكون هناك أكثر من مرشح إخوانى ينافس على مقدمة الرئاسة صدقوا أن فى الأمر اتفاقا سريا بين الجماعة ومرشحها «المفصول»، ولأن خروج عمر سليمان كان مريحا لأغلب الناس فقد تقبلوا بسهولة هذا الخروج العجيب الذى تم تفسيره بنقصان 13 توكيلا فى أسيوط! ولكن انتظر، لا شىء يمنع أن يكون كل أو بعض ذلك صحيحا، إن نظرية المؤامرة لا تكون بالضرورة خاطئة، إننا نسميها «مؤامرة» فقط، لأنها لا تستند إلى دليل قطعى. وكى أؤكد لك ذلك، فإن هناك نظرية واحدة صحيحة فى النظريات التى ذكرتها فى هذا المقال، هل ستبحث عنها؟ أهلا بك فى عالم المؤامرة!