هكذا انقلب السحر على الساحر ووقع المجلس العسكرى فى نفس الفخ الذى نصبه للإخوان، فمنذ أن تربع الإخوان على عرش السلطة التشريعية والعسكرى يناور من أجل تحجيم الصعود الهائل للجماعة وكان لازما على المجلس العسكرى لتحقيق هذا الهدف أن يعمل على محورين :- المحور الأول يكون العسكرى هو الفاعل فيه ويكون رد فعل مثيرا للجدل ومرفوضا من قبل القوى الثورية والشعبية، فلقد تعرضت الجماعة لهجوم شرس من قبل الإعلام والقوى السياسية بعد تشكيل اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور فقد بدى الأمر أن الإخوان تسعى لاحتكار كتابة الدستور ولو وضع الأمر فى نصابه لتجلى للمواطن المصرى أن قوام الإخوان فى هذه اللجنة حوالى ثلاثين بالمائة وهى نسبة أقل بكثير من نسبتهم فى البرلمان، كما أن باقى اللجنة ضمت العديد من الشخصيات التوافقية والمعتدلة وجاءت ممثلة لكافة التيارات وأن كان تمثيلها ضعيفا بعض الشىء كما أنها لم تضم بعض الفقهاء الدستوريين أمثال إبراهيم درويش وحسام عيسى وهو خطأ يجب الاعتراف به وتقويمه. إن كان اختيار لجنة إعداد الدستور أمر مهم فمضمون الدستور هو الأهم فإن لم يأت مرضيا للشعب فلن نصوت عليه بالقبول وبدلا من أن يصطاد العسكرى فى الماء العكر باجتماعه مع القوى السياسية الرافضة لتشكيل الدستور فى غياب القوى الإسلامية كان عليه أن يسعى لإحداث التوافق بينهم. المحور الثانى: عندما تتعمد حكومة الجنزورى تصدير الأزمات للبرلمان كالغاز والسولار ورغيف العيش وأحداث بورسعيد ناهيك عن استنزاف أموال الصناديق الخاصة وقضية التمويل الأجنبى لإفشال البرلمان أمام الرأى العام وعندما يطالب البرلمان سحب الثقة من هذه الحكومة يتدخل المجلس العسكرى ويثير لغطا عاما حول عدم قدرتها على سحب الثقة طبقا للإعلان الدستورى ثم يهدد بحل البرلمان. ثم يأتى بيت القصيد عندما قررت جماعة الإخوان وحزبها الدفع بالمهندس خيرت الشاطر كمرشح لرئاسة الجمهورية وهو ما يخالف القرار السابق للجماعة بعدم خوضها للسباق الرئاسى مما أفقد الجماعة الكثير من رصيدها فى الشارع المصرى الذى أظهرها بمظهر المستبد الطامع فى السلطة بما يعيد للأذهان شبح الحزب الوطنى المنحل. ولو أمعن المواطن المصرى النظر فى هذا الأمر بعين ثاقبة بعيدا عن أى انتماء سياسى لتجلت عدة حقائق لعل أبرزها:- إن جماعة الإخوان ليست بهذا القدر من الحماقة السياسية حتى تتخذ قرارا مستفزا للشعب بهذا الشكل إلا إذا كان للضرورة القصوى، فالموقف الأول للجماعة بعدم الدفع بأى من مرشيحها منطقى للغاية فهى لن تسعى لمنصب رئيس الجمهورية وهى تسعى لإقامة نظام برلمانى أو مختلط على أقل تقدير ولكن عندما اتخذت الجماعة هذا الموقف كانت حلبة الصراع الرئاسى لا تضم أيا من رموز النظام السابق إلا عمرو موسى وكانت القوى فيها متعادلة إلى حد كبير أما الآن فاللعبة مختلفة فلقد فشلت كل القوى السياسية والإسلامية فى التوافق على رئيس وبعد رفض العديد من الرموز الوطنية لطلب الإخوان بالتقدم للسباق الرئاسى كالدكتور نبيل العربى والمستشار أحمد مكى ومع دخول الفريق شفيق إلى دائرة الضوء مصحوبا بتأييد الكثير من أصوات حزب الكنبة حتى بدأ الإخوان يشكون فى سلامة الصراع الانتخابى خاصة مع وجود من يرضى عنه المجلس العسكرى مما يعنى أن الصراع الانتخابى أصبح غير متزن خاصة فى ظل عدم اتفاق القوى الإسلامية على مرشح واحد بين أبو إسماعيل وأبو الفتوح مع تراجع فرص العوا كما أنه لا يمكن للإخوان دعم أبو الفتوح حتى لا يقال إنها مؤامرة بين الإخوان وأبو الفتوح هذا علاوة على التهديد الخفى للإخوان بالدفع بسليمان إذا ما بقى البرلمان على موقفه من سحب الثقة فى حكومة الجنزورى. بالفعل تحقق ما إرادة العسكرى وبدأ رصيد الإخوان فى التناقص بدرجة كبيرة خاصة مع إعلان الجماعة دفعها للدكتور محمد المرسى كاحتياطى للشاطر فى أعقاب مخاوف الجماعة من استبعاد الشاطر على غرار أبو إسماعيل. وهنا اعتقد العسكرى أن الأرض خصبة لقدوم عمر سليمان كمرشح للرئاسة فانقلب السحر على الساحر فبالطبع أثار هذا الترشح لغطا فى الأوساط السياسية التى أيقنت أن معركة الرئاسة بدأت ليبرالية – إسلامية وانتهت إلى أنها مدنية – عسكرية فترشح سليمان وهو مرشح قوى ويحظى بشعبية كبيرة لدى حزب الكنبة أقوى بكثير من شعبية شفيق، وربما يكون هذا الأمر دافعا لتوافق كل القوى السياسية بما فيها الإخوان تحت مظلة قوى مدنية موحدة لمواجهة شبح عودة النظام المباركى. وسيكون أمام الإخوان لعودة الوفاق مع القوى السياسية والشارع المصرى أن يفعل أمرا من اثنين: إما أن يعيد تشكيل لجنة إعداد الدستور على النحو الذى يرضى عنه النخبة الوطنية أو أن يتوافق على مرشح رئاسى إسلامى واحد وإن أدى ذلك لسحب مرشحيه الشاطر والمرسى.