ترامب من البيت الأبيض للأمريكيين: أنهينا 8 حروب، حققنا السلام في الشرق الأوسط لأول مرة منذ 3000 آلاف سنة، وأمريكا أقوى من أي وقت مضى    الاحتلال الإسرائيلي يعتقل شابين خلال اقتحامه بلدتي عنبتا وكفر اللبد شرق طولكرم    الكونجرس الأمريكي يقر مساعدات سنوية لأوكرانيا بقيمة 400 مليون دولار    ترامب: ورثت تركة مثقلة بالأزمات وأعمل على إصلاحها    ترامب: أنهينا 8 حروب فى 10 أشهر وقضينا على التهديد النووى الإيرانى    علياء صبحي تتألق في أجواء الكريسماس بحفل غنائي في جزيرة الزمالك وتُفاجئ جمهورها بأغنية جديدة    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 18ديسمبر 2025 فى المنيا.....اعرف صلاتك    عبد المنعم سعيد يشيد بمشروعي النهر بتوشكى وقناة السويس: غيرا الجغرافيا المصرية    الإعادة تشعل المنافسة.. مجلس النواب 2025 على صفيح ساخن    لمواجهة تراجع شعبيته، ترامب يلقي خطابا الليلة يكشف أجندته ويستعرض "العصر الذهبي"    النواب الأمريكي يرفض مشروع قرار لتقييد صلاحيات ترامب    خالد أبو بكر يدعو الجماهير والأندية لدعم الزمالك.. جزء من تاريخ مصر    تطورات جديدة في انهيار عقار المنيا.....مخالفات جسيمة وراء الانهيار    السيطرة على حريق في أحد المحال بمنطقة ألف مسكن بالقاهرة    مباحث قليوب تنتصر للفتيات.. القبض على متحرش طالبات المعهد    تعليق الدراسة حضوريا فى الرياض بسبب سوء الطقس وتساقط الثلوج    البرلمان تحت الاختبار.. بين ضغوط الأسعار وحصن الأمن القومي    أنشطة متنوعة لأهالي عزبة سلطان ضمن برنامج المواطنة والانتماء بالمنيا    شهادة المخالفات الإلكترونية أحدث الخدمات.. «المرور» يسير على طريق التحول الرقمي    نيفين مندور، أسرة الفنانة الراحلة تتسلم جثمانها اليوم    مسؤول روسي: هجوم أوكراني يلحق أضراراً بسفينة في ميناء روستوف جنوب البلاد    يلا شووت.. المغرب والأردن في نهائي كأس العرب 2025: صراع تكتيكي على اللقب بين "أسود الأطلس" و"النشامى"    بطولة العالم للإسكواش PSA بمشاركة 128 لاعبًا من نخبة نجوم العالم    غياب الزعيم.. نجوم الفن في عزاء شقيقة عادل إمام| صور    سوليما تطرح «بلاش طيبة» بالتعاون مع فريق عمل أغنية «بابا» ل عمرو دياب    جمال الزهيري: كأس أمم أفريقيا أهم من المونديال بالنسبة لمنتخب مصر    بالفيديو.. محمد رمضان يعتذر لعائلته وجمهوره وينفي شائعة سجنه ويستعد لحفله بنيويورك    محافظ قنا يعزي أسر ضحايا حادث انقلاب ميكروباص بترعة الجبلاو.. ويوجه بحزمة إجراءات عاجلة    سفير مصر في المغرب: الأوضاع مستقرة وتدابير أمنية مشددة لاستقبال المنتخب    اسأل والجمارك تُجيب| ما نظام التسجيل المسبق للشحنات الجوية «ACI»؟    ضبط 12 مخالفة خلال متابعة صرف المقررات التموينية بالوادي الجديد    وزير الثقافة يبحث تعزيز التعاون الثقافي مع هيئة متاحف قطر    نقابة المهن التمثيلية تتخذ الإجراءات القانونية ضد ملكة جمال مصر إيرينا يسرى    مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير.. السيناريست محمد هشام عبيه يكشف رحلته بين الصحافة والدراما    عالية المهدي تحذر الحكومة: 65% من الإنفاق العام في مصر يخصص لسداد الديون    التهاب مفصل الحوض: الأسباب الشائعة وأبرز أعراض الإصابة    أمم إفريقيا - البطل يحصد 7 ملايين دولار.. الكشف عن الجوائز المالية بالبطولة    المتحدث باسم الحكومة: الأعوام المقبلة ستشهد تحسنا في معدلات الدخل ونمو ينعكس على المواطنين    مصرع عامل تحت تروس الماكينات بمصنع أغذية بالعاشر من رمضان    إصابة 11 شخصاً فى حادث تصادم سيارتين ب بدر    رئيس الوزراء: خطة واضحة لخفض الدين الخارجي إلى أقل من 40% من الناتج المحلي الإجمالي    وزير الاتصالات: ارتفاع الصادرات الرقمية إلى 7.4 مليار دولار وخطة لمضاعفة صادرات التعهيد    كأس الرابطة الإنجليزية - نيوكاسل يواصل حملة الدفاع عن لقبه بفوز قاتل على فولام    نوبات غضب وأحدهم يتجول بحفاضة.. هآرتس: اضطرابات نفسية حادة تطارد جنودا إسرائيليين شاركوا في حرب غزة    اقتحام الدول ليس حقًا.. أستاذ بالأزهر يطلق تحذيرًا للشباب من الهجرة غير الشرعية    القاضى أحمد بنداري يدعو الناخبين للمشاركة: أنتم الأساس فى أى استحقاق    وزارة الداخلية: ضبط 40 شخصاً لمحاولتهم دفع الناخبين للتصويت لعدد من المرشحين في 9 محافظات    الإسماعيلية تحت قبضة الأمن.. سقوط سيدة بحوزتها بطاقات ناخبين أمام لجنة أبو صوير    ما حكم حلاقة القزع ولماذا ينهى عنها الشرع؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    الحكومة تستهدف استراتيجية عمل متكامل لبناء الوعى    محافظ الجيزة: زيادة عدد ماكينات الغسيل الكلوى بمستشفى أبو النمرس إلى 62    السيسي يرحب بتوقيع اتفاق الدوحة للسلام الشامل بين حكومة وتحالف نهر الكونغو الديمقراطية    مستشار رئيس الجمهورية: مصر تمتلك كفاءات علمية وبحثية قادرة على قيادة البحث الطبى    أسوان تكرم 41 سيدة من حافظات القرآن الكريم ضمن حلقات الشيخ شعيب أبو سلامة    18 فبراير 2026 أول أيام شهر رمضان فلكيًا    باريس سان جيرمان وفلامنجو.. نهائي كأس الإنتركونتيننتال 2025 على صفيح ساخن    إقبال على التصويت بجولة الإعادة في انتخابات مجلس النواب بالسويس    متحدث وزارة الصحة يقدم نصائح إرشادية للوقاية من الإنفلونزا الموسمية داخل المدارس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«.. مات بغيره»
نشر في التحرير يوم 05 - 06 - 2012

يَحْكى الشاعر الراحل الكبير طاهر أبو فاشا مُتندِّرًا، أنه عندما انتقل إلى الدراسة فى معهد الزقازيق الأزهرى، فرضوا عليهم وجبة غذائية عجيبة ولا أسوأ، لم يستطع الطلاّب رفض الوجبة، ولم يستطيعوا الصمت، اختاروا أن يطلقوا عليها اسمًا أقرب إلى الهجاء هو «بغيره»، وكان التفسير (لمن أراد إيضاحًا) أنّ الوجبة هى المقصودة فى البيت الشهير: ومن لم يمُت بالسيف مات «بغيره» / تعدّدت الأسبابُ والموتُ واحدُ.
تذكّرتُ هذه الحكاية فى ظرف عصيب حقًّا، فقد أزعجنى أكثر من أى شىء فى نتائج الانتخابات الرئاسية تلك التعليقات الثائرة التى تتهم الشعب كله بالغباء والجهل والتخلّف، لمجرد أنه اختار التصويت لصالح مرشح نرفضه، رأيتُ نغمة يأس وقنوط يمكن أن تقتل جيلًا بأكمله، فحاولت أن أقول إنّ «بغيره» التى تقتل الثورات هى اليأس والعجز إذا تسرّب إلى القلوب.
وجدتُ تناقضًا سخيفًا بين أن نحْلف بحياة الناس التى انتظرت فى صفوف طويلة لكى تنتخب، وبين أن ننصب لهم المشانق فى اليوم التالى، بين أن تستمد الثورة شرعيتها من الهتاف الشهير «الشعب يريد»، ثم نَصِفْ «الشعب» بعد ذلك بأن «الثورة خسارة فيه»، تجاهلنا تحت سطوة الغضب أن الناس أيضًا هم الذين منحت حمدين صباحى ملايين الأصوات، دون أن ينفق عُشر ما أنفق شفيق أو مرسى.
على صفحتى على «فيسبوك» كتبتُ هذه العبارات لفرملة عجلة البكاء على الأطلال:
«كفى اتهامًا للشعب بالجهل والتخلف، لأنه لم يتفق معنا على تأييد المرشح الفلانى. إمّا أن الناس يستحقّون الديمقراطية، وإما أن نفضّها سيرة ونستدعى الفرعون ليختار لنا. كفى جَلْدًا للذات، وكفى إهانة للشهداء، لأن ما يُقال عن غباء المصريين يجعل ممّن دافعوا عن حقهم فى الحرية والكرامة مجموعة من الحمقى. نعم أنا مُحبط، ولكنى لن أعلّق إحباطى على شمّاعة الناس، يكفينى أننى ساهمتُ فى أن يعودوا إلى السياسة، وأن يدافعوا عن اختيارهم سواء كان صوابًا أم خطأ. سأحترمُ دومًا رأى الشعب إذا جاء عبر انتخابات تعدديّة حرّة. لنهدأ قليلًا، نستوعب ما حدث، ونفهم لماذا اختار الناس وكيف، وإلاّ لن نستفيد أبدًا من التجربة».
ما حدث فى نتائج المرحلة الأولى يستحق الدراسة، ويبعث برسائل هامة فى كل الاتجاهات، ويكشف عن اتجاهات معقّدة، هى بدورها حصاد لفترة انتقالية فوضوية، ومن السطحية، والإهانة للعقل، أن يُختزل هذا الأمر فى شتيمة شعب قامت الثورة من أجل أن ينزل لكى يقول كلمته، لا أن يصل الأمر إلى أن تُكتب جملة لم يقلها مبارك نفسه هى: «إحنا آسفين يا شهيد.. الشعب المصرى لسّه عبيد»؟!
خذ من الدروس مثلًا مفاجأة الأصوات التى حصل عليها حمدين التى أراها تأييدًا مذهلًا لفكرة الانحياز إلى مرشّح لديه خطاب يهتمّ أساسًا بالغلابة والفقراء، لم أتوقع أبدًا (وقد منحتُ حمدين صوتى) أن يحصد كل هذه الأصوات لأسباب تتعلق تحديدًا بالإمكانيات، ونتيجة منافسة آخرين شاركوا فى الثورة، ويحملون نفس الانحياز، لكن «الناس» وجدتْ أن حمدين الأفضل، والأكثر نشاطا واجتهادًا.
تأمّلْ أيضًا هذا الإقصاء الصارم الذى قرّره الناخبون تجاه أبو الفتوح وعمرو موسى، كان خطاب الاثنين غير مقنع على الإطلاق، موسى هاجم نظام مبارك بينما تسجيلاته تؤكد أنه كان سيمنح صوته لرأس النظام، وأبو الفتوح قدّم نفسه باعتباره «إخوانى ليبرالى أردوغانى»، بدا أحيانًا أن الرجل يستطيع أن يجمع بين وزارة الصحة ووزارة الأوقاف معًا، انتهت مناظرة أبو الفتوح و موسى إلى كارثة انتخابية يجب تحليلها ودراستها فى كليّات الإعلام. لم أتوقع أيضًا أن يحقق شفيق كل هذه الأصوات، ولا أظنه أيضا كان يتوقع ذلك، لكنى أستطيع تفسير ذلك من خلال زوايا متعددة، فليس صحيحًا أنه حصل فقط على تأييد الفلول، أعرف الكثيرين ممن كانوا ضد نظام مبارك، ولكنهم أعطوا أصواتهم لشفيق خوفًا من تحويل مصر إلى أفغانستان، وأخشى أن يتكرر ذلك فى الإعادة.
الكثيرون أفزعتهم غطرسة الإخوان، وزحفهم للتكويش والاستئثار، البعض كان يحلم حتى بوجود مرشح صريح من قلب المجلس العسكرى لكى «يشْكُم الإخوان»، اعتبروا المجلس مسؤولًا عن هذا المد الدينى، ورفعوا شعار «اللى شبكنا يخلّصنا»، ثم استراحوا أخيرًا إلى مرشح ذى خلفية عسكرية يحبّذه الجيش، كثيرون انتخبوا شفيق لأسباب بعيدة تمامًا عن عودة النظام القديم، أرادوا أن يقولوا للإخوان «لستم وحدكم»، «نحن هنا»، «إوعى يغرّك جسمك».
لو انحاز الإخوان منذ البداية إلى فكرة الابتعاد عن الفرز على أساس دينى فى هذه المرحلة، لما حصدوا هذا التصويت العقابى الذى أهدى شفيق أصواتًا ضخمة، كأن الناس الذين يتهمهم البعض بالجهل، قرروا ردّ الدين للإخوان، فرزتهم على أساس دينى، وخافت منهم على الدولة.
حصل شفيق على أصوات لأسباب لا تخطر على البال، سألتُ أحد أصدقائى الطنطاوية عن سبب تفوّق شفيق فى المدينة، وفى محافظة الغربية بأكملها، رغم أنها المحافظة التى أسقطت صورة مبارك فى عزّ سطوته الأمنيّة، فقال لى إن طنطا مدينة صوفيّة، تعيش على مولد السيد البدوى، والإخوان والسلفيون طول عمرهم يسخرُون من بِدعَة المولد، بل إن هناك هواجس لدى الناس من إلغاء الاحتفال السنوى، عندما جاءت مناسبة الانتخابات الرئاسية، انحازت الطرق الصوفية علانية إلى صالح أحمد شفيق، نكايةً فى الإخوان الذين يؤيدون مرسى، وفى السلفيين الذى يناصرون أبو الفتوح/ الرجل الطيب.
هذا سبب لا أعرف مدى صحته، إنما قصدتُ أن أسجّله لأقول لك إن الصورة أكثر تعقيدًا مما تبدو، ولا يفسّرها أبدًا أن ينشر المحبطون اليأس واللون الأسود، أو أن يشتموا شعبهم، بل لا بد أن نبحث وندرس، أن نعترف بأن كثرة المرشحين الذين يرفعون شعارات الثورة قد أدت إلى تفتيت الأصوات، أن يعترف الإخوان أنهم لا يستطيعون رفع معيار الفرز بناءً على الموقف من الثورة حينًا، ثم ينتقلون إلى استخدام معيار الفرز على أساس الدين والشريعة فى وقت آخر، وكلّه حسب المزاج والطلب، الشعب لن يصدّق هذا المعيار المزدوج. يجب أن نشكر الانتخابات، لأنها قدّمت إلينا صورة كاملة بالأشعة لجسد الوطن السياسى، فأكدت لنا للمرة الأولى أن مليونيات الشارع قد تحولت إلى ملايين سياسية مؤثرة فى الصندوق، وأفصحت بأن تيار الثورة حىّ وقوى بما استدعى هذا الغزل الفج من مرسى وشفيق.
إذا أراد أحد أن يستفيد حقًّا مما حدث فعليه أن ينظر بعمق، أن ينزل إلى الناس ويسأل، لا أن يتكلم من البرج العاجى، أو من لوحة مفاتيح الكمبيوتر، عليه أن يرى فى ما حدث فرصة لإفاقة النائم، وتحفيز المتردد، وإعادة توجيه خطاب الثورة فى الاتجاه الصحيح، وتدعيم حمدين صباحى لكى يبلور قوى الثورة.
الذى يستوعب ما حدث عليه أن يجد فيه فرصة لاستعادة وحدة الميدان، بعدما أفسدت مصالح الجماعة الخاصة مصلحة الثورة والوطن، عليه أن يلوم من سمح لشفيق وسليمان بأن ينطلقا طوال عام ونصف العام دون أن يطالب أحد بعزلهما، ربما لأن الإخوان كانوا مشغولين وقتها بجمع الغنائم، ثم بحظر المواقع الإباحية، من هذه الثغرة الواسعة نفذ الفلول. علينا الاستعداد أيضًا لصراع طويل بين مؤيدى الثورة وخصومها أو القوى المقاومة للتغيير، مَن قال أصلًا إن فوز مرشحٍ محسوب على الثورة كان سيحسم المعركة نهائيًّا؟ هل ننسى أن سعد زغلول وحزبه اكتسح أول انتخابات بعد دستور 1923 ثم استقال من رئاسة الوزارة بعد ذلك بفترة وجيزة إثر اغتيال السير لى ستاك؟ الصراع طويل ومستمر سواء فى مستويات مرئية، أو فى أعماق المجتمع، ولن تحسمه أبدًا هذه الانتخابات أو تلك، رغم أهميتها.
لا تظلموا الشعب وتتهموه بالجهل والتخلّف، ولا تنشروا اليأس بالاستسهال وسوء القراءة والتأمل، تذكروا حكاية تلك الوجبة البشعة التى أفرزت نادرة، ولا تنسوا أنه لا الموت ولا شفيق ولا مرسى يستطيعون أن يهزموا الثورة.
ولكن اليأس وحده يستطيع أن يفعل.
ولذلك يستحق أن نطلق عليه وصْف: «بغيره».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.