يبدو من حرب الرئاسة أنهم يتصارعون على شكل دولة الاستبداد. على من سيصبح السيد الجديد. الإخوان يسابقون الفلول ويتصورون أنهم يمكن أن يتخذوا من الثورة والميدان جسرا جديدا، ليصنعوا دولتهم التى بشَّر بها حسن البنا. دولتهم كما كانت دولة مبارك دولته باعتباره العسكرى المنتصر. هذا ما نرفضه فى الانتخابات وما سمعه الإخوان فى الميدان. ليس هذا مساواة بين المرسى وشفيق. نعرف الثانى، فهو من سلالة منقرضة تحتال لتعود وتتمكن من جديد بعدما أظهرت الثورة هشاشتها، بل وموتها. هذه سلالة تحاول مصالح العصابة بث الروح فيها من جديد. لكن الإخوان فى نفس الوقت قبيلة، تتعامل بهذه النفسية المغلقة.. لها لغتها السرية.. ووجهها العلنى والآخر الذى لا يراه سوى مجمع الأسرار أو مكتب الإرشاد.. لا تعرف إذا اتفقت مع أحد منهم اليوم إلى أى مدى سيلتزم، لأن قانون القبيلة أكبر منه، أقوى من قدراته على الوفاء، قانون القبيلة يعطل التفكير خارجها. انتخاب مرسى طبعا أفضل من شفيق، لكن ليست هذه مشكلتنا، ولن ندخل فى استقطاب تاهت فيه مصر كل سنوات مبارك وما قبله. المهم هو رفض دولة الاستبداد، وتحويل الدولة إلى دولة الجماعة المنتصرة. العسكر احتلوها بالقوة. والإخوان يريدونها بالصناديق. لا فرق فى الاستبداد، كانت بلاد العسكر، وستصبح بلاد الإخوان. والثورة قامت لتكون البلد بلد كل فرد فيها ولو لم يكن من الأغلبية، أو من الأقوياء، دولة تمنح حق السعادة للجميع.. بلا تمييز، حسب اللون أو الدين أو الجنس أو الحساب فى البنك. الثورة ليست حيلة للوصول إلى السلطة لنا عكس ما تم فى يوليو 1952 عندما استولى الضباط الصغار على السلطة. ثورة يناير هى إعادة المجتمع إلى الحياة والمشاركة، وهذا ما يزعج كل مستبد حتى لو كان يوما فى المعارضة، الثورة قطيعة مع حالة الاستفراد بالسلطة أو التعامل معها، وفق الصورة القديمة للحاكم الاستثنائى البطل أو المعبِّر عن حقوق فوق السياسة. عودة المجتمع تعنى إعادة العلاقة بين الحاكم والشعب لا استبدال حاكم بحاكم يبدأ صالحا ورقيقا وينتهى متعجرفا سخيفا. كانوا يتعاملون مع البلد على أنها مزرعة كبيرة يستمتعون بالنظر إليها ويشكون من تعبهم فى ضغط زرار الآلة الضخمة، ومن اضطرارهم إلى توفير الأكل لكل العمال المحشورين فى هذه الآلة التى تصب فى حساباتهم وتصنع أهرامات سلطتهم. لهذا بكى مبارك أو قال حسبى الله ونعم الوكيل أو «دى آخرتها...» أو حتى أطلق شتائم كنا نسمع أنه يوجهها لجميع حاشيته من أصغر موظف إلى أكبر وزير. كيف نفخت السلطة مبارك ليصبح طاووسا بعد أن كان مجرد ضابط (بيروقراطى /محترف فى الحيلة، لا فى الخطط) يرتدى البدلة السفارى صنع المحلة الكبرى؟ الآلة كل يوم كانت تصنع منه إلها لحاشيته، يوزع ويمنع ويمنح، وحاشيته تخرج على الناس تقهرهم بنشر الرعب وهذا يمنحه -لو كان أعدل العادلين- شعورا بالاستبداد، فهؤلاء رعايا وليسوا مواطنين، ولا يمكن مساواة من يمنح بمن ينتظر المنحة. وهذا ما يجعل دفعنا للاختيار بين شفيق ومرسى، كارثة، لأنه بين دولة قديمة لها عقل استبدادى، بقبيلة تصورت أن الدولة بعد سقوط مبارك أصبحت خالية من السكان، وعليهم الآن شغلها، بنفس هيكلها، لكن مع محو كل ما ينتمى إلى النظام القديم، وكتابة كل ما يوحى بانتصار قبيلة الإخوان. لا مجال هنا للمزايدة بأن الهجوم على مرسى هو إعلان خفى باختيار شفيق. ولا مجال لتحويل الميدان إلى ساحة انتخابية تُصطاد فيها الأصوات. المجال هنا لإعلان أننا لا نريد دولة مستبدة باسم الثورة. الثورة ستظل مستمرة ضد كل استبداد، وليس معنى رفض شفيق هو اختيار الثورة لمرسى.. لأن الثورة تريد أن تكون البلد بلدنا والدولة دولتنا، وقد قطعنا عقود الإذعان ولم تعد المزرعة ملكا لأحد. المجال هنا للتفكير بأن الرئيس القادم ولو كان مرسى هو النظام، والثورة ستستمر ضده. نحن بدأنا مصارعة الطغاة، وسقف طموحاتنا أعلى من كل ما حققناه من الخارج يمكن اعتبار أن المؤبد لمبارك انتصار كبير، وأن الشعب بأيد عارية وبدون عنف سجَن الرئيس فى نفس السجن الذى كان يضع فيه معارضيه، لكنه انتصار صغير.. بعد أن أصبح سقف طموحاتنا أكبر.. ليس الانتقام.. ولا التشفِّى ولكن بناء دولة محترمة، لا نُستعبد فيها بعد اليوم لا من كتيبة ولا من قبيلة.