الأطباء تعلن بدء تطبيق قانون المسئولية الطبية رسميا    الفيدرالي الأمريكي يقرر خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة    وزير الخارجية الإسرائيلي: مهتمون بإنجاح خطة ترامب ونزع سلاح حماس    الزمالك يصرف دفعة من مستحقات اللاعبين    أزمة نفسية تنتهي بمأساة في أوسيم، شاب يُنهي حياته داخل مسكنه    مدبولي: العالم ينتظر ما ستقدمه مصر خلال احتفالية افتتاح المتحف الكبير    اختيار عميد طب قصر العيني ضمن تشكيل اللجنة العليا للمسئولية الطبية    ضباب وأمطار.. حالة الطقس غدًا الخميس 30-10-2025 في السعودية    المنتخب الوطني تحت 17 عاما يتدرب على مرحلتين استعدادا لكأس العالم    أشرف زكي وروجينا في الجزائر لحضور مهرجان وهران.. وتكريم ياسر جلال ونادية الجندي ضمن كوكبة من نجوم العرب    روسيا تعرب عن قلقها إزاء انتهاكات حقوق الإنسان في الفاشر بالسودان    رئيس جامعة القاهرة يهنئ أساتذتها بقرار رئيس الوزراء باللجنة العليا للمسئولية الطبية    وزير العمل: الدولة لا تتهاون في تطبيق الحد الأدنى للأجور وحماية الطرفين داخل منظومة العمل    اختتام دورة تدريبية بمركز بحوث الصحراء بمطروح حول الإدارة المستدامة للمياه والتربة بمشاركة دولية    ليلى علوي تتصدر فعاليات مهرجان الرباط.. ندوات ومؤتمرات تحتفي بالفن والإبداع    هل يجوز للزوجة التصدق من مال البيت دون علم زوجها؟.. أمين الفتوى يجيب    وزير خارجية الصين: مستعدون لتعزيز التعاون مع الجزائر    السفير الفرنسي بالقاهرة يثمن جهود مصر في وقف إطلاق النار بقطاع غزة    كيف أتخلص من التفكير الزائد قبل النوم؟.. أستاذ طب نفسي يُجيب    «الصحة» تعلن تحقيق إنجازات نوعية في تنفيذ توصية «تمكين المرأة» قبل انطلاق مؤتمر PHDC'25    افتتاح قصر ثقافة الطفل بسوهاج    وزير خارجية إستونيا: بوتين يختبر الناتو ولا نتوقع اجتياح ليتوانيا    وزيرة الخارجية الفلسطينية: نحاول توجيه البوصلة الدولية حول ما دار في مؤتمر نيويورك    الإسكندرية تستعد ب22 شاشة عملاقة لنقل احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير    مجلس الزمالك.. لقد نفد رصيدكم!    الإمام الأكبر يخاطب المفكرين والقادة الدينيين فى مؤتمر السلام العالمى بروما    الشيخ خالد الجندي: الغني الحقيقي هو من يملك الرضا لا المال    مؤتمر إقليمى لتفعيل مبادرة تمكين بجامعة العريش    باسل عادل: المتحف المصرى الكبير نقطة تحول حضارية فى مسار الوعى الوطنى    شاشات بميادين كفر الشيخ لنقل حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    رئيس الوزراء القطري: نحاول الضغط على حماس للإقرار بضرورة نزع سلاحها    سقوط نصاب الشهادات المزيفة في القاهرة بعد الإيقاع بعشرات الضحايا    آرسنال يخطط للتجديد مع ساكا ليصبح الأعلى أجرًا في تاريخ النادي    خلال ساعات.. موعد إلغاء التوقيت الصيفي 2025 في مصر وتأخير الساعة 60 دقيقة    مدافع النصر السعودي يغيب عن لقاء الفيحاء    انطلاق الاختبارات التمهيدية للمرشحين من الخارج في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    «الخطيب أخي وأوفينا بما وعدنا به».. خالد مرتجي يزف بشرى لجماهير الأهلي    تعديل موعد مباراة برشلونة وأتلتيكو في الدوري الإسباني    محافظ شمال سيناء يستقبل عدداً من مواطني إزالات ميناء العريش    مصر تشارك في اجتماع مصايد الأسماك والاستزراع المائي بالاتحاد الإفريقي في أديس أبابا    محافظ الدقهلية يتابع من مركز سيطرة الشبكة الوطنية محاكاة التعامل مع مياه الأمطار وحركة المواقف ومستوى النظافة    انتشال جثة شاب لقى مصرعه غرقا في بحر شبين بالمحلة    هل يدخل فيلم فيها إيه يعنى بطولة ماجد الكدوانى نادى المائة مليون؟    بعد تداول فيديو.. القبض على متهم بسرقة هاتف فتاة في الإسماعيلية    كليتى العلوم وتكنولوجيا التعليم ببنى سويف يحصلان على جائزة مصر للتميز الحكومى    المحكمة تقضي بعدم الاختصاص في قضية علياء قمرون    مصرع طفلة صدمتها سيارة أثناء عودتها من الحضانة فى البدرشين    حبس المتهم بقتل شاب بسبب معاكسة الفتيات ببنها في القليوبية    "أتوبيس الفن الجميل" يصطحب الأطفال في جولة تثقيفية داخل متحف جاير أندرسون    بينها «طبق الإخلاص» و«حلوى صانع السلام» مزينة بالذهب.. ماذا تناول ترامب في كوريا الجنوبية؟    أسقفا الكنيسة الأنجليكانية يزوران قبرص لتعزيز التعاون الإنساني والحوار بين الكنائس    "ADI Finance" توقع اتفاقية تمويل إسلامي بين البنك الأهلي لدعم أنشطة التأجير والتمويل العقاري    كيف تُعلّمين طفلك التعبير عن مشاعره بالكلمات؟    الدكتور أحمد نعينع يكتفى بكلمتين للرد على أزمة الخطأين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-10-2025 في محافظة الأقصر    الخارجية تشكر الرئيس السيسى على ضم شهدائها للمستفيدين من صندوق تكريم الشهداء    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية «الإنتوساي» ل3 سنوات (تفاصيل)    ناجي حكما لمباراة الزمالك والبنك في الدوري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.محمد الجوادى يكتب: وجوه وأوراق
نشر في التحرير يوم 12 - 05 - 2012

لا يمكن فهم الحاضر دون قراءة الماضى، ولا يستقيم فهم الوطن من دون مشاهدة العالم. ولا يكتمل تصور المستقبل دون تصفح التاريخ، ولا يمكن تحسس السطح دون التمعن فى الأعماق.
لهذا نعود إلى التراث والتاريخ والماضى والكلاسيكيات والبورتريهات ونعيد تصوير الزوايا والصفحات والأدوار والأطوار. لا نجتر الماضى ولا نعاديه. لا نعشق المستقبل ولا نخافه. لا نمجد الحاضر ولا نلعنه. لا نقدس البطل ولا نسفّهه. لا نهمل الشعب ولا نعبده.
نؤمن بالله ونوقن بالآخرة. ونخاف العذاب لكننا فى الحق لا نخشى أى عقاب.
أبو زغلة خرج من الحكومة بسبب قضية «عصمت السادات» ثم اختير عضوًا ب«الشورى»
مذكرات الوزير الذى نجا من زمن مبارك
هذه مذكرات مهندس متميز من أبناء مصر، قُدر له أن يعاصر القطاع العام، وأن يعمل فيه سنوات طويلة، وأن يصل من خلال العمل فيه إلى منصب وزير الصناعة فى أول عهد مبارك، حيث كان واحدا من الوزراء العشرة الأوائل فى عهد مبارك، لكن عهده بالوزارة لم يطُل، إذ خرج من الوزارة فى مارس 1983 على اعتبار أن اسمه ورد فى القضايا الخاصة بعصمت السادات، على أنه سهّل بعض المزايا لأبناء عصمت السادات، وكانت الحملة على عصمت السادات قد بلغت حدودا قصوى من القسوة رُؤِىَ معها أنه لا بد من التضحية بوزير أو وزيرين من أجل إشاعة الرهبة من طهارة النظام الجديد، وهكذا فقد وزير الصناعة (فؤاد أبو زغلة) ووزير التموين (أحمد نوح) منصبيهما، فى تعديل محدود عند صدور حكم القضاء فى قضية عصمت السادات، ولما كان أبو زغلة مؤمنا بأنه لم يفعل شيئا خطأ فإنه آثر أن يرد على الاتهام الذى لم يوجه إليه مباشرة، وكان من الشجاعة بحيث أثبت صواب موقفه، وقد أعادت الدولة إليه بعض حقه، فعيِّن عضوا فى مجلس الشورى، واستمرت عضويته 21 عاما ما بين 1992 و2004، وقبل هذا أسندت إليه رئاسة لجنة الصناعة فى الحزب الوطنى، وشغل كل المناصب التى يمكن للدولة أن تستفيد فيها من وزير صناعة سابق، لكنه كان واحدا من الذين ابتعدوا -أو أُبعِدوا- عن الدولة القائمة فى آخر سنوات عهد مبارك. وهكذا قدّر لهذا الرجل أن ينجو من السنوات الأخيرة من حكم مبارك بعدما استمتع بالحضور والنفوذ فى سنوات عهد مبارك الأولى.
يحدثنا فؤاد أبو زغلة عن نشأته فى فقرة مختصرة يكاد يخصصها للفخر بوالده المثقف الذى لم ينَل شهادات دراسة، لكنه تَخطّى مَنْ نالوا الشهادة بفضل الثقافة، وهو ينتقل من حديثه عن نشأته إلى الحديث مباشرة عن وصوله إلى الوزارة وتهنئة أبرز أصدقاء والده له: «وُلدت فى مدينة إدفو وكانت أسرتى تقيم فى المدينة، وتضم الأسرة والدى وإخوتى العشرة: 6 أولاد و4 بنات، ولم يحصل والدى على نصيب وافر من التعليم، فلم يتجاوز التعليم الأولى وحفظ القرآن الكريم، لكنه كان يحب قراءة كتب الأدب العربى القديم منها والحديث، وأصبح يجيد اللغة العربية، وكانت له ملَكة الخطابة والحديث، وكان مجلسه يضم مجموعة من المثقفين، سواء من أهل المدينة أو من خارجها، كما كان له (نشاط سياسى) فاشترك فى كثير من الندوات السياسية والثقافية والدينية، سواء فى المنطقة أو فى القاهرة، وكان يزور والدى عدد من الشخصيات المهمة فى هذه الفترة، مثل الزعيم أحمد حسين رئيس «مصر الفتاة»، والشيخ حسن البنا، والمهندس أحمد الشرباصى، وكان الأخير يعمل مفتشا لرى محافظتى قنا وأسوان، وقد أصبح فى ما بعد وزيرا للأشغال والرى، ونشأت بينه وبين والدى صداقة، وكان يزوره فى مكتبه بالوزارة عند حضوره للقاهرة، وحينما عُينتُ وزيرا للصناعة فوجئت بمكالمة تليفونية من سيادته يعبّر فيها عن سعادته بتولى ابن صديقه إبراهيم أبو زغلة هذا المنصب، مما يدلّ على وفاء هذا الرجل لأصدقائه».
قصة إنشاء مصنع الدخيلة الذى استولى عليه أحمد عز
البنك الدولى ساهم ب3% واليابان ب10% وشارك فى التأسيس هيئة البترول و«الحديد والصلب» وبعض البنوك وشركة «مصر للتأمين»
تجربة فؤاد أبو زغلة الضخمة التى يعتزّ بها على مدى حياته هى تجربته فى رئاسة شركة «الحديد والصلب» المصرية.. وهى شركة ضخمة من جميع النواحى، وبجميع المقاييس، ومن الجدير بالذكر أن جهده فى هذه الشركة هو الذى صعد به إلى منصب وزير الصناعة:
«فى أكتوبر 1978 كان المرحوم المهندس أحمد هلال وزيرا للبترول، وقد أسند إليه الإشراف على وزارة الصناعة، وقد استدعانى فى مكتبه وأخبرنى أن رئيس شركة الحديد والصلب ترك منصبه وتعاقد مع شركة الحديد بقطر، وطلب منى الموافقة على رئاسة مجلس إدارة شركة الحديد والصلب، فأخبرته أننى لا أستطيع إدارة هذه الشركة بأسلوب القطاع العام، حيث إن الشركة تضم 25 ألف عامل، وإنتاجها متكامل بدءا من استخراج الخامات من المناجم، إلى خطوط المنتجات المختلفة للحديد والصلب».
«فأخبرنى بأنه سيمنحنى سلطات كاملة لإدارة الشركة دون الرجوع إلى الوزارة، وصدر القرار بتعيينى رئيسا لمجلس الإدارة، وقد سبق لى أن عملت نائبا لرئيس مجلس الإدارة، و(إن كنت) على علم بمشكلات الشركة والصعاب التى تتعرض للإنتاج، خصوصا أن هذه الشركة تتكون من مصانع متعددة الأنشطة داخل موقع كبير تبلغ مساحته عشرة آلاف فدان يحتاج إلى أيام للمرور على أقسامه المختلفة.
«بعد التعرف على قيادات الشركة، رأيت أنه من الصعب إدارة الشركة منفردا، ووقع اختيارى على سبعة من خيرة قيادات الشركة تمت ترقيتهم إلى الدرجة الممتازة، وهى نفس الدرجة التى أشغلها، وفوضت كل منهم أن يتولى إدارة القطاع الذى يشرف عليه بنفس سلطات رئيس مجلس الإدارة».
ولأن هذا الكتاب نُشر فى عهد مبارك، فقد كان أبو زغلة حريصا على أن يروى كيف بدأت زيارة الرئيس للمصانع العامة والخاصة، إلى أن يصل إلى انتقال هذه الزيارات إلى مصانع القطاع الخاص أيضا، وكيف كانت شركة النساجون الشرقيون تشكو فى ذلك الوقت مرّ الشكوى من البيروقراطية.. وسبحان مغير الأحوال:
«... تعاقبت الزيارات لعدد آخر من المصانع التى بلغ عددها 30 شركة صناعية، معظمها قطاع عام».
«بعد الزيارات التى قام بها السيد الرئيس لعدد كبير من شركات القطاع العام، اقترحت على سيادته زيارة إحدى شركات القطاع الخاص فى مدينة العاشر من رمضان، وهى شركة (النساجون الشرقيون)، فرحب سيادته بذلك، وعند وصولنا إلى مقر الشركة وتفقد خطوط الإنتاج سأل السيد الرئيس رئيس الشركة وهو السيد محمد فريد خميس عن أحوالهم، وهل هناك عقبات أمام الشركة، ذكر خميس أنه يعانى مشكلات وإجراءات البيروقراطية، الأمر الذى دعاهم إلى التوقف عن النشاط والرغبة فى العودة إلى الكويت حيث كانوا يعملون هناك قبل حضورهم إلى مصر للاستثمار وإقامة شركتهم».
وتُلقِى مذكرات أبو زغلة ببعض الضوء على قصة إنشاء مصانع الدخيلة، وهو المصنع الضخم الذى تمكن أحمد عز من ضمه إلى إمبراطوريته بطرق لا تزال تخضع للتحقيق القضائى، والمساءلة القضائية بعد ما أثير من حديث متوسع عن المخالفات التى شابت هذه الإجراءات على مدى السنوات الأخيرة من عهد مبارك:
«... خلال عملى بالوزارة تم الانتهاء من المفاوضات بين الجانب اليابانى والجانب الألمانى لاختيار أنسب العروض لإنشاء مشروع حديد تسليح الدخيلة، وقرر الجهاز التنفيذى للمشروعات الصناعية، الذى قام بدراسة المشروع، إسناده إلى الجانب اليابانى، وقمت بتوقيع العقد معهم على أساس أنه أفضل العروض، وقدم تسهيلات ائتمانية ومشاركة فى رأس مال المشروع بنسبة 10٪، كما أسهم صندوق النقد الدولى (IFC) بنسبة 3٪، وأسهمت فى المشروع هيئة البترول، وشركات المؤسسة المعدنية والحديد والصلب والنحاس والدلتا للصلب الأهلية للصناعات المعدنية، وبعض البنوك، بالإضافة إلى شركة مصر للتأمين».
ويشير أبو زغلة إلى أنه كان هو المسؤول الذى تولى اختيار وزير الصناعة الشهير إبراهيم سالم محمدين ليكون مسؤولا عن هذا المشروع، ومن المثير للفكر أن إبراهيم سالم محمدين كان وزيرا للصناعة فى أثناء حرب أكتوبر 1973، وكان أول وزير يتولاها بعد نهاية عهد عزيز صدقى برئاسة الوزارة، ومن قبلها بوزارة الصناعة وقد ظل محمدين مسؤولا عن شركة الدخيلة حتى تمكن عز من إزاحته عن هذا الموقع المهم، وفى ما بعد فقد قبض على محمدين وأودع السجن فى التحقيقات التى أجريت حول استيلاء أحمد عز على الدخيلة:
«ونظرا لأن هذا المشروع عملاق ويحتاج إلى قيادات ذات خبرة ومهارة عالية، فقد وقع اختيارى على المهندس إبراهيم سالم محمدين، الذى كان وزيرا للصناعة فى الفترة التى كنت أعمل فيها فى مجمع الحديد والصلب، ولمست فيه الاهتمام بالمشروع وعمل متابعة له والقيام بزيارته عدة مرات».
ومن العجيب أن التوفيق لا يخطئ أبو زغلة، وإنما يدفعه إلى أن يتحسر فى صمت على ما آل إليه جهده، وهو يقول فى سطر واحد: «ثم جاءت الخصخصة بعد ذلك، وتم إعفاء الإدارة القائمة، وأصبح المهندس أحمد عز رئيسا لمجلس الإدارة». هكذا يُبدِى أبو زغلة أسفه المؤدب حين لم يكن فى وسعه إلا أن يعمل هذا.
أما القصة السياسية التى يحب القارئ أن يطالعها، وهى قصة خروج صاحب الذكريات من الوزارة، فيرويها أبو زغلة على نحو دقيق:
«بدأت هذه القصة عندما كلف جهاز المدعى الاشتراكى فى هذا الوقت بإجراء التحريات عن عصمت السادات وأولاده، ومدى استغلالهم اسم الأسرة فى الحصول على مزايا واستثناءات فى كثير من المواقع، مما اعتُبر انحرافا فى تصرفاتهم».
«وقد طلب السيد جلال السادات أحد أولاد عصمت السادات مقابلتى حينما كنت أشغل رئيس شركة الحديد والصلب، ولم أكن أعرفه أو قابلته من قبل، فحددت له موعدا وحضر لمقابلتى وأخبرنى أن ضمن أنشطته استيراد وتصدير منتجات الحديد والصلب، وأنه علم أن الشركة تقوم بتصدير كثير من المنتجات للحصول على العملة الصعبة، وقال إنه يطلب الحصول على مجموعة من المنتجات والدفع بالعملة الصعبة لتلبية احتياجات بعض عملائه بدلا من استيرادها من الخارج، وقد طلبت منه أن يتقدم بطلب إلى إدارة المبيعات بالشركة لدراسة طلبه والرد عليه، علما بأنه فى هذه الفترة كان لدى الشركة مخزون كبير تحاول الشركة تصريفه عن طريق السوق المحلية، أو التصدير، وقد أعدت إدارة المبيعات عرضا له بالأسعار للكميات المطلوبة فى ما عدا نوعا واحدا كان سبق أن طلبت وزارة الصناعة وشركة النصر للمواسير عدم بيعه فى السوق المحلية، وكان نوعا من الصاج تقوم شركة قطاع خاص بتصنيع مواسير مماثلة لمنتج شركة النصر للمواسير وتبيعه بسعر أرخص، مما دعا شركة النصر للمواسير إلى طلب عدم بيعه لأى عميل، وقد تحقق ذلك لعدم تسليم هذا الصنف ضمن طلبيته التى تسلمها، والتى دفع قيمتها بالعملة الصعبة».
«وقد حضر السيد جلال السادات لمقابلتى وتقدم بطلبية أخرى تضمنت نصف الصنف من الصاج الممنوع بيعه، وطلب استثناءه من ذلك، لكن الشركة رفضت تسليمه أى كمية من هذا الصنف، واستلم الكمية التى تم التعاقد عليها، وكانت الشركة قد رفعت الأسعار بعد توقيع العقد معه، وقام بتسديد القيمة بالأسعار المرتفعة». «من ذلك يتضح طبقا للمستندات المسجلة بالشركة، أنه لم يتسلم أى كمية من الخامات الممنوع بيعها، مما يدل على أنه لم تحدث أى مجاملة له».
ويستطرد أبو زغلة إلى رواية السبب الحقيقى وراء إقحام اسمه فى هذه القضية، متهما أحد المستشارين العاملين فى جهاز المدعى الاشتراكى دون أن يذكر اسمه الصريح:
«وقد حدث فى يوم من الأيام أن اتصل بى أحد أقاربى، وهو مستشار بالنقض وصديق لأحد المستشارين الذين يعملون بجهاز المدعى الاشتراكى، لكى أقوم بتلبية طلب له من الشركة، وقد وجدت عدم شرعية هذا الطلب، فاعتذرت له، ثم تكرر فى موضوع آخر واعتذرت عنه للمرة الثانية».
«وعند استعراض المواقع التى تعامل معها عصمت السادات وأولاده ظهرت شركة الحديد والصلب وتعاملها مع جلال السادات، كما ذكرت سابقا، وكان المستشار المختص بالتحقيق فى هذا الموضوع هو نفس المستشار السابق الإشارة إليه، واستدعى فى مكتبه مدير المبيعات، واستعرض معه تعامل جلال السادات مع الشركة ومدى استثنائه فى الحصول على كميات كبيرة من الخامات لمجاملته، وكذلك الخامات التى كانت ممنوعة، فتقدم السيد مدير المبيعات بكافة المستندات التى تثبت عدم وجود أى استثناءات، بل بالعكس، أوضح له أنه عومل معاملة غير عادلة بالنسبة له، حيث إنه قام بسداد قيمة الخامات فى الدفعة الثانية بالأسعار المرتفعة بالعملة الصعبة رغم أن التعاقد معه كان بالأسعار الأقل، كما أنه لم يتسلم أى كمية من الصنف الذى تم منع بيعه، ولكن السيد المستشار استفسر منه عن الذى يقوم بتحديد إجراءات البيع، فأخبره أن هناك لجنة مُشكَّلة يرأسها رئيس مجلس إدارة الشركة، فاستفسر عن اسم رئيس مجلس الإدارة، فأخبره باسمى، وقام منفعلا وقال له: لماذا لم تذكر اسمه من الأول؟ مما يدل على وجود سوء نية فى تصرفاته».
«حضر مدير المبيعات لمقابلتى، وكنت فى هذا الوقت أشغل منصب وزير الصناعة، وذكر لى ما حدث، وأنه يشعر أن هناك شيئا فى نفس المستشار نحو شخصى، وهو ما تحقق فى سير التحقيق بعد ذلك، حيث قام سيادته بعرض تقرير على المدعى الاشتراكى بصفته المستشار المسؤول عن قضية عصمت السادات وأولاده، واتهمنى فيه بأننى جاملت جلال السادات وسلمته معظم منتجات شركة الحديد والصلب بما فيها الخام الممنوع بيعه، الأمر الذى ترتب عليه نقص فى منتجات الشركة فى الأسواق، وتوقف الإنتاج فى كثير من شركات القطاع الخاص، الأمر الذى لم يحدث إطلاقا، بدليل أن مخازن الشركة كانت مليئة بالخامات، وكنا نعمل على تسويقها بكافة الطرق».
«وهكذا عَرض التقرير الملفق على محكمة القيم، واتخذت قرارها باتهامى بأننى جاملت جلال السادات فى تسليمه كميات كبيرة من منتجات الشركة بدون وجه حق على حساب الشركات الأخرى، ويعتبر ذلك إجراء يضر بالمصلحة العامة للاقتصاد القومى يستحق المساءلة، وهكذا صدر القرار وأعلن فى كافة الصحف، وقد طلب منى السيد رئيس الوزراء تقديم استقالتى من الوزارة، حيث إن القرار أثار الرأى العام، وصدر القرار الجمهورى بقبول استقالتى».
ويروى أبو زغلة أن الرئيس كان على علم بالظلم الذى تعرض له، وأنه توجه إلى النائب العام للتحقيق، وأن النائب العام والنيابة العامة أنصفاه، ولست أدرى لماذا لم يطور أبو زغلة الموضوع إلى شكوى مباشرة ضد المستشار الذى سبب له هذه المضايقات:
«وفى اليوم التالى لصدور القرار فوجئت باستدعاء من مكتب الرئيس لمقابلة سيادته، وتوجهت لمقابلته، وقابلنى مقابلة حارة وأخطرنى بأننى قد ظُلمت».
«وقد أخطرت سيادة الرئيس أننى أرسلت كافة المستندات التى قُدمت للمدعى الاشتراكى الخاصة بقضية جلال السادات إلى النائب العام للتحقيق فيها وإبراز الحقيقة أمام الرأى العام، وطلبت منه أن يأمر بإجراء التحقيق لمعرفة الحقيقة، حيث إننى ظُلمت فعلا، ووعدنى الرئيس بتنفيذ هذا».
«وقد قام النائب العام باستدعائى، وناقش معى ما حدث، واطلع على كافة المستندات التى تثبت عدم صحة الادعاءات التى تقدم بها المدعى الاشتراكى، وتساءل عما إذا كان هناك شىء مع المدعى الاشتراكى، لأنهم يعلمون أن تحقيقاتهم لا تظهر الحقائق، وطلبت منه أن يصدر تقريره طبقا للمستندات المقدمة لديه، وأننى لا أريد أن أتكلم عن المدعى الاشتراكى وأجهزته، أو عما حدث من تصرفات من السيد المستشار الذى أشرف على التحقيق، وفعلا صدر قرار النائب العام بعدم وجود أى مجاملات من ناحيتى مع جلال السادات، كما هو موضح ومنشور فى الصحف».
«وهكذا قامت النيابة بتأدية واجبها بأمانة، وأظهرت الظلم الذى وقع علىّ».
كيف تم إنقاذ السوق من أزمة السجائر؟
من الطرائف التى لا بد لنا أن نتأملها فى مذكرات أبو زغلة، ما يرويه عن دوره فى حل أزمة السجائر، ومع أن موضوع هذه القصة يمكن النظر إليه على أنه من طرائف الصناعة المصرية، فإن دور أبو زغلة (أو غيره) فى حله يمثل أهمية خاصة للدخل القومى لمصر، ولست أحب أن أفيض فى هذا بأكثر من أن أقول إن الشركة الشرقية للدخان تمثل الآن أبرز الشركات الناجحة فى قطاع الأعمال العام، وباعتبارى طبيبا يكافح التدخين والدخان، فإنى لا أستطيع أن أنفى اعترافى بفكرة أن منع التدخين ومكافحته لا يمكن أن يتم فى يوم وليلة، ولا أن يتم باستحداث مشكلة اجتماعية واقتصادية تؤذى الاقتصاد القومى، وتؤثر على مدخرات المصريين، ومن هذا المنطلق فإن أستاذ الطب (الذى هو كاتب هذه السطور) لا يرى حرجا فى أن يعترف بجهد أبو زغلة أو غيره فى علاج مثل هذه المشكلة الاقتصادية أو التخطيطية أو الإدارية:
«... حدث أن ارتبكت السوق (يقصد سوق السجائر)، للنقص الذى حدث فى عرض كمية السجائر المصرية التى تنتجها الشركة الشرقية للدخان، وسيطرة مجموعة من المستغلين، مما تسبب فى نقص المعروض فى السوق، فظهرت الطوابير للحصول على علبة السجائر بصعوبة كبيرة، مما أثار الرأى العام، وهاجمت الصحافة قطاع الصناعات لعجزه عن مجابهة هذه المشكلة.
وقد قمتُ بدراسة الموقف بعمق، فاتضح أن إنتاج الشركة من السجائر يغطى الاحتياجات المطلوبة للاستهلاك، لكن حدث ارتفاع فى سعر السجائر المستوردة، مما زاد (من) الإقبال على السجائر المصرية، لذلك استغل بعض التجار الموقف لتخزين كمية من السجائر لبيعها فى السوق السوداء، مما ترتب عليه نقص المعروض وخلق الطوابير التى ظهرت.
وقد قمت فورا بزيارة مقر الشركة بالجيزة، واجتمعت مع مجلس الإدارة، واستعرضت معهم الموقف، وباستعراض خطة الشركة فى العام القادم اتضح أن الشركة قد تعاقدت على إضافة خط لإنتاج السجائر، ومنتظر وصوله قبل موسم الصيف، وطلبت أن يتم فورا الاتصال بالشركة المسند إليها خط الإنتاج الذى تم التعاقد عليه، وتقديم عرض لتزويد خط إنتاج آخر فى نفس موعد الخط الأول، وبنفس الأسعار، وتم إرسال فاكس إلى الشركة فى أثناء وجودى بالشركة الشرقية للدخان، التى بدأت زيارتها الساعة العاشرة صباحا، وغادرتها الساعة الرابعة مساء، وقد وصل فاكس من الشركة بقبولها طلب الشركة».
ويمضى أبو زغلة فى التدليل على حاجة مصانع الحكومة إلى همّة بالغة من وزراء الصناعة لحل المشكلات المتعددة التى لا تنتهى فى ما يتعلق بالأبنية والتشييد والاعتمادات الاستثمارية والاستيراد والتعاقدات... إلخ.
وقد تم والحمد لله تنفيذ الخطين فى المواعيد المتفق عليها، وبدأ الإنتاج يغزو الأسواق بكميات كبيرة قبل موسم الصيف، واختفت طوابير السجائر، بل أصبحت الطاقة تزيد على احتياجات السوق، وتم الاتفاق مع الشركة على البدء فى إنتاج السجائر المستوردة لتشغيل الطاقة الفائضة وتحقق ذلك، وأوقفنا استيراد السجائر الأجنبية، ثم بدأت عمليات التصدير للأسواق الخارجية».
ونعود إلى التجارب الوطنية التى يحرص أبو زغلة على الإشارة إلى مشاركته فيها، ومن هذه التجارب مشروع إصلاح شبكة الصرف الصحى فى القاهرة، وهو مشروع مهم لبى حاجة حرجة فى فترة الستينيات، وكان بمثابة طوق نجاة لإنقاذ الحكومة والنظام من الحرج الذى نشأ بسبب انفجار تلك المشكلة على نحو واسع:
ونأتى إلى جوهر ما نجح فيه خلال هذه التجربة، وهو النجاح الذى جلب له وسام الجمهورية من الطبقة الثانية بعد تمكنه من تصنيع طلمبة صرف صحى لسوق السمك فى القاهرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.