بعض القادمين الجدد عبروا عشرات السنين، وربما القرون، وحطوا بركائبهم.. بركت الإبل فى ميدان التحرير وحوله.. ونزلوا وترجلوا.. مرهقين من وعثاء السفر، وقد طالت لحاهم وتجهمت ملامحهم، ورفعوا راياتهم وهتفوا بشعاراتهم، ثم استراحوا قليلا من هجير الصحراء، وتقوتوا على بعض الزاد وشربة ماء، ومع نهاية النهار بدأ الاستعداد للعودة إلى مضارب القبيلة، آملين أن تكون نسمة الليل أحن عليهم من شمس النهار.. ويبدو أنهم قدموا من الماضى، وعائدون إليه، بعد أن تركوا المخلفات فى الميدان. والبعض الآخر من القادمين الجدد، ولدوا من رحم الرغبة فى التقدم وبناء مجتمع حديث عصرى وإنسانى للفن والثقافة والأدب، فيه دور أساسى لبناء وإثراء وجدان الإنسان المصرى، وصياغة خبرته الإنسانية والجمالية. وعلى الرغم من أن القادمين الجدد فى السينما يتعلمونها كحرفة فقط، فإن بعض نماذج إنتاجه يبدو متجاوزا هذه الحرفة إلى آفاق أكثر رحابة ليصلوا بها إلى عمق الفن. فى مشروعات تخرج الأكاديمية الدولية للهندسة وعلوم الإعلام، عندما تشاهد فيلم «مربوط»، ستدهش لبساطة الموضوع وعمقه وشمول الرؤية.. حمار مربوط فى عربة جمع قمامة، يشقى طوال اليوم مع الهزال والمرض والجوع، وفى النهاية يسقط ميتا، وفى سكرات الموت ينبثق حلمه فى أن يمرح فى أرض براح وسط الطبيعة.. إنه يخوص فى الماء ويبرطع ويتمرغ فى التراب، ويستدعى توقه الدائم للطبيعة والحياة. أما مشروعات السنة الثالثة فى معهد السينما فتجد فيها اهتماما واضحا بأحداث الثورة فى فيلمين يصيبهما كسل واضح، وفيلم عن الشاعر الكبير أمل دنقل، ويظهر الطموح واضحا فى فيلم «مجرد لعبة»، الذى يسجل بعين مدققة بروفات فرقة مسرحية من الهواة.. وفيلم آخر شديد الاحترافية والصرامة عن رأى الناس فى البضاعة المطروحة فى سوق السياسة من قضايا وخلافات.. مع عديد من الأفلام الأخرى المتنوعة فى النوع التسجيلى والمشرقة والمبشرة. وتكتمل الفرحة بفيلم «أحد سكان المدينة» الذى يتناول سيرة وحياة أحد كلاب الشوارع وعالمه ومجتمعه.. صراعه من أجل لقمة العيش أو ربما «عظمة العيش» الباحث عنها فى قمامة جمهورية القاهرة.. دفاعه عن أرضه ومنطقة نفوذه ضد الغزاة والطامعين.. حياته العاطفية وصداقاته، فحقيقة الأمر أن حياة كلب الشارع لا تختلف كثيرا عن الإنسان المصرى العادى الباحث عن لقمة العيش اليومية. تحية لجيل صقلت تجربته ثورة يناير بعيدا عن الصراعات التافهة وابتذالات السينما التجارية.. قادم إلى عالم الفن برؤية تحمل بكارة حب الحياة والكرامة الإنسانية، عله يغرى بعض من قدموا مؤخرا بالاتجاه للمستقبل.