طالب المشاركون في الندوة التي نظمتها مجلة البيان السعودية بالاشتراك مع المركز العربي للدراسات الإنسانية حول كتاب «مصر 2013» بضرورة الإسراع في نقل السلطة وكتابة الدستور الجديد بموضوعية بعيدا عن أية ضغوط أو أملاءات من أية جهة حتي يمكن صياغة مستقبل أفضل لمصر، وحذروا من محاولات «التلغيم» قبل «التسليم» للسلطة مما يجعل الشعب المصري يندم علي اليوم الذي أيد فيه الثورة والثوار. وأشاروا الي ضرورة إنهاء الوضع الشاذ للقوات المسلحة في الدستور الجديد ومحاسبه أعضاء المجلس العسكري علي سوء إدارتهم للبلاد، والأزمات التي مازالت تعاني منها وخاصة في مجالي الأمن والاقتصاد فضلا عن الخضوع للضغوط الأجنبية مثلما تم في قضية التمويل الأجنبي مؤخرا. في البداية أكد الباحث الإسلامي أحمد فهمي مؤلف كتاب «مصر 2013» أنه استهدف من كتابه استشراف المستقبل انطلاقا من معطيات الماضي والحاضر حتي يمكن التعرف علي المستقبل الذي تنتظره مصر، وخاصة أنها الآن أشبه بعجينة سياسية تسعى القوى الداخلية والخارجية لتشكيلها كما تريد وفقا لمصالحها بصرف النظر عن توافق ذلك مصلحة عامة الشعب أو حتي شباب الثوار الذين فجروا الثورة ودفعوا ضريبتها من دمائهم. وأوضح أنه يتناول المشهد السياسي لمصر منذ ثورة 25 يناير من خلال استعراض العديد من المفاهيم النظرية والعملية المتعلقة بالتحول الديمقراطي في دول الثورات للاستفادة من تجارب الآخرين وتجنب أخطائهم، لأن ما جري في مصر نصف ثورة ولهذا لابد من استكمال الثورة حتي تحقق كل الأهداف التي قامت من اجلها. وأشار الي أن حصيلة ثلاثين عاما من حكم مبارك أوقعت البلاد فريسة لنخبة فاسدة وقبضة أمنية فولاذية ظالمة تحمى مصالح الفاسدين وهو ما إنعكس عمليا في تراجع مكانة مصر دوليا وتدهور أوضاعها داخليا مما جعل مبارك يحتل المركز الخامس عشر فى قائمة «أسوأ السيئين» لعام 2010، حسب تصنيف دورية فورين بوليسى الأمريكية لأن المجتمع المصري انقسم لفئتين أولهما قليلة تملك السلطة والقوة والمال في تزاوج غير شريف وثانيهما غالبية الشعب الذي يعاني من ثلاثي الفقر والجهل والمرض فضلا عن القمع ومصادرة الحريات مما جعل مصر تصنف من الدول الفاشلة. وحذر المؤلف من إحساس الإسلاميين بالتخوف من تحول «مؤسسة الرئاسة» إلى مركز ثقل مناوئ لتواجدهم السياسي فى مؤسسات الدولة الأخرى خاصة فى ظل تفضيل القوى الإسلامية لرئيس غير إسلامي قد ينقلب عليهم بعد الانتخابات القادمة، رغم أن الإسلاميين المستفيد الأكبر من سقوط نظام مبارك باعتبارهم أكثر التيارات التي تعرضاً للقمع فى الماضي ومن ثم عليهم ألا يتفرقوا ويتنازعوا فيفشلوا وخاصة المجلس العسكرى يتبع سياسة التفريق بين القوى السياسية الجيش والدستور. في حين أكد الدكتور وحيد عبد المجيد، وكيل لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب والخبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية علي ضرورة تحديد وضع القوات المسلحة في ظل الدستور الجديد الذي يجب أن تتم صياغته بحكمة لإنهاء الوضع الشاذ والغريب الذي تقف فيه القوات المسلحة فوق جميع مؤسسات الدولة وتدخلها في شئون باقي السلطات مثلما حدث مؤخرا في العديد من القضايا لهذا ينبغي أن تكون القوات المسلحة ضمن مؤسسات الدولة. وأشار الي أن الرئيس المصري القادم سيواجه معضلة ضخمة تتمثل فى مطاردة جسد النظام المصري السابق الذى سقط رأسه متمثلا فى الرئيس مبارك ونجله فى حين مازال باقى جسد هذا النظام موجودا فى كل المؤسسات الفاعلة فى مصر. ويردف بقوله «كما أن المؤسسات الأمنية على سبيل المثال مازال يصعب على المصريين التعامل معها وأغلب الظن أنها تحتوى على أكبر كم من الفساد المادي والإداري مما أدى إلى أن تصبح أكبر مصدر للمشكلات فى مصر بدلا من أن تحل هي المشكلات». وقال:إن المجلس العسكرى يعد أحد أهم الأسباب الرئيسية لوجود جسد النظام السابق على قيد الحياة حتى هذه اللحظة لأن قادة المجلس لم يحاولوا الإستناد على القيادة الشعبية ولم يحاولوا إشراك الشعب الذى قام بثورة جاءت بهم فى الحكم وهو ما أدى إلى كون المجلس العسكري يمارس عمله معتمدا على سياسة الأمر الواقع ما أدخل البلاد فى أزمات متعاقبة. وحذر الدكتور كمال حبيب، الباحث في الإسلام السياسي، من حالة الإحباط التي يعيش غالبية الشعب المصري حاليا حتي انه قد «يكفر» بالسياسة ويرتضي بأي نظام يسهم في توفير الأمن والاقتصاد حتي ولو كان نظاما استبداديا، لأنه أفضل من حالة الفوضى الحالية. ودعا باحث الإسلام السياسي إلى إعطاء فرصة أكبر للشباب لأنهم العماد الرئيسي للثورة ومستقبل مصر بدلا من الاعتماد علي بقايا نظام مبارك في أكثر من أربعة آلاف موقع قيادي في مصر، ومازال يخربون فيها باعتبارهم في طليعة الثورة المضادة ومع هذا فإنهم مازالوا يفسدون دون حساب. وأكد الدكتور كمال حبيب أن الدولة المصرية لن تنهار كما يراهن البعض في الداخل أو الخارج لأنها تتصف بما يطلق عليه في العلوم السياسية ب«الدولة العميقة»، والتي لها جذور في التاريخ ويتعايش أهلها منذ آلاف السنين وبالتالي لن يسهل تفككيها أو تقسيمها. وأوضح أنه يجب علي الإسلاميين استثمار الفرصة التي منحهم الشعب إياها. وحذر الإعلامي الدكتور محمود خليل القيادي بحزب الحرية والعدالة من محاولات البعض ومنهم المجلس العسكري أن يتم تلغيم الأوضاع بالبلاد قبل تسليمها حتي تدخل في حالة فوضي تجعل الشعب يندم علي الثورة الذي ساند فيه الثورة. وفي نفس الوقت يجب أن يكون كل المصريين علي قلب رجل واحد حتي يكونوا كفرق الطوائف الأندلسية التي تخرب بيوتها بأيديها قبل يد أعدائها، وهذا التخوف ليس قاصرا علي مصر فقط وإنما يمتد الي كل الدول العربية التي تفتقد الي خارطة طريق مستقبلها أو تصور لعمل جماعي لها بعيدا عن التبعية للخارج. وأكد الدكتور محمود خليل أن الأنظمة الاستبدادية الي سقطت كلها وجوه متعددة لعملة واحدة، وبقوله، «بدليل أنني أثناء زيارتي لتونس تم احتجازي في المطار 13 ساعة ثم تم ترحيلي الي مصر لمجرد انني نشرت ملفا في مجلة «البيان» عن جامعة الزيتونة، وما يتعرض له الإسلاميون علي يد نظام زين العابدين بن علي وقالوا لي «لولا إنك جئت في وفد إعلامي رسمي وكنت سترجع الي بلادك ابدا، أي انهم صورة طبق الاصل مما كان يفعله زبانية أمن الدولة في مصر». وعقب انتهاء عرض الكتاب والتعليق عليه دارت مناقشات ساخنة من الحضور الذين تناولت أسئلتهم الكثير من القضايا الساخنة ومنها غياب دور الأزهر في رسم الخريطة المستقبلية لمصر، والتغيير في موقف السلفيين أثناء وبعض الثورة.