سبع عشرة محاولة سابقة لم يكتب لها النجاح لتعديل قانون العاملين بالدولة المصرية منذ إقراره عام 1978، ولكن ربما تختلف المحاولة الثامنة عشرة، حيث إنها تأتى فى ظل واقع جديد يُحتّم علينا الاهتمام بالإصلاح الإدارى كشرط أساسى للإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى، فلقد أعلنت الوزارة أنها لا تسعى للتعديل، لكن إلى التغيّر الشامل، إذ إن الإصلاح الإدارى على رأس اهتمامات الحكومة الحالية. وكما نأمل أن يساعدنا تغيير القانون على الخلاص من تعقيدات البيروقراطية المصرية فإننا نتحفّظ على بعض ما ورد فى المسوَّدة الأخيرة، نظرا لأن الإصلاح الإدارى لم يعد رفاهية بل هو ضرورة قصوى للتنمية. وطبقا لبيان الوزارة فإن فلسفة قانون الخدمة المدنية المقترح تقوم على أنه يجب تقديم خدمة بأعلى كفاءة للمواطنين، وأن تنظيم العاملين بالدولة من شأنه المساعدة على تحقيق ذلك، لكن تأتى أول مشكلة فى القانون الجديد، وهى أنه يشمل جميع الموظفين فى الوزارات والمصالح والأجهزة الحكومية ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة، مما يعنى عدم الفصل بين العاملين فى الوحدات المحلية والعاملين على المستوى المركزى، والذى ربما يعرقل الانتقال السلس نحو اللا مركزية، كما نصّ الدستور. ومن ضمن التحفظات على القانون هو المركزية الشديدة فى التعيين، ففى حين أن شغل الوظائف يكون طبقا للكفاءة فإن آلية الاختيار لا تؤدى إلى تلك النتيجة، فآلية التعيين شديدة التعقيد، بحيث يقوم الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة بتنظيم مسابقة لاختيار الموظفين لشغل الوظائف الحكومية على جميع المستويات وفى كل التخصصات، ما يقلّص من صلاحيات المديرين، ويمنعهم من المشاركة فى اختيار فريق العمل الخاص بهم، وهو ما سوف يؤثر سلبا على مستوى الأداء بشكل عام، كما يعدّ هذا الإجراء عبئا على الجهاز المركزى ويمنعه من تأدية تلك الوظيفة على أحسن وجه. كما تجاهلت المسوَّدة وضع إطار قانونى للمتدربين فى الحكومة، فلا يمكن تمكين الشباب وبناء كوادر جديدة دون تفعيل لبرنامج توظيف مؤقت للمتدربين من الشباب داخل أجهزة الحكومة، وبالأخص فى الوحدات المحلية، كما هو معمول به فى عديد من دول العالم، فمنح فرص العمل المؤقت للشباب كمراقبين أو باحثين داخل أجهزة الدولة لفترة مؤقتة يجعلهم أكثر دراية بسبل وأدوات الإصلاح والتطوير، كما ينعكس إيجابيا على الحياة السياسية، بحيث يكون الشباب أكثر واقعية فى طرح الطلبات السياسية والاقتصادية، وتزداد قدراتهم على المشاركة فى صياغة برامج سياسات بديلة. هذا القانون من ضمن أهم محاور تطوير الجهاز الإدارى للدولة، ولا يمكن أن نعتمد فى فلسفته على معالجة قصور القوانين السابقة فقط، بل يجب العمل على إصدار قانون يكون أداة تخطيطية للمستقبل. ولنجاح المحاولة الثامنة عشرة لتعديل القانون يجب أن يتم تغييره فى إطار رؤية أشمل للإدارة بالأهداف وتهيئة بيئة العمل الداخلى، بحيث يشارك الموظفون فى وضع ميزانيات المؤسسات الخاصة بهم وتحديد مهامها وخطة عملها، بالإضافة إلى التحوّل نحو اللا مركزية الإدارية داخل المؤسسات الحكومية.