خرجَت علينا وزارة التنمية المحلية بمسودة جديدة لقانون الإدارة المحلية، الذى من المفترض أن يسهم فى التحول نحو اللا مركزية كما نص الدستور. اللا مركزية هى نقل جزء من السلطة والمسؤولية من المستوى القومى إلى المستوى المحلى من أجل التغلب على البيروقراطية الشديدة وتقديم خدمات أفضل للمواطنين. وهى لا تعنى الفوضى والتقسيم بل تسهم فى ضبط العلاقة بين الحكومة المركزية والوحدات المحلية من خلال نظام مالى وإدارى حديث. ولكن هناك ثلاثة أسباب رئيسية تجعلنا نتشكك فى قدرة القانون المقترح على تنفيذ ما نص عليه الدستور بخصوص التحول إلى اللا مركزية. 1- عدم التحول نحو اللا مركزية المالية: هناك صعوبة فى تنفيذ الصلاحيات المالية التى نص عليها القانون، ومنها منح المحافظ اختصاصات وزير المالية للمرافق التى نقلت إلى الوحدات المحلية كما اختصت المجالس الشعبية بإقرار مشروع الموازنة للمحافظة. وتأتى صعوبة التنفيذ بسبب أسلوب إعداد الموازنة العامة للدولة على المستوى المركزى. فالموازنة الحالية هى موازنة بنود، مما يعنى أنها تضم اعتمادات للبنود المختلفة بشكل كلى مثل المصروفات على الأجور، والمنح، وشراء السلع... إلخ. والتحول إلى اللا مركزية يتطلب التحول نحو موازنة برامج بحيث يتم تحديد مشروعات بعينها مثل محاربة الفقر أو تطوير التعليم ويتم توزيع الاعتمادات على الوحدات المختلفة فى ضوء ما تحتاج إليه من موارد لتنفيذ أهداف المشاريع. فالموازنة أداة من أدوات التخطيط وليست جدولا للإيرادات والمصروفات، ولذلك فالتحول نحو موازنة برامج من شأنه مساعدة الوحدات المحلية على تحديد أولويتها التنموية. 2- غياب رؤية عامة للتحول نحو اللا مركزية: قانون للإدارة المحلية لا يكفى للتحول السليم نحو اللا مركزية، فالدولة تحتاج إلى حزمة تشريعات جديدة ومنها قانون الوظيفة العامة لفصل الموظفين فى المحليات عن الموظفين على المستوى المركزى، وقانون المناقصات والمزايدات وقانون حرية تداول المعلومات للحد من الفساد. كما أنه لا توجد لا مركزية على مستوى الدولة دون اللا مركزية على مستوى المجتمع، ولذلك يجب تغيير قانون الأحزاب ليسمح بتكوين أحزاب فى محافظة واحدة بدلاً من شرط تجميع توكيلات من عديد من المحافظات، بالإضافة إلى تسهيل إجراءات إنشاء صحف وقنوات إذاعة وتليفزيون على المستوى المحلى. بالإضافة إلى تشجيع إنشاء المناطق الصناعية والتجارية فى المحافظات بعيدًا عن التعقيدات التى نص عليها القانون. 3- هيمنة السلطة التنفيذية المركزية وزيادة التعقيدات البيروقراطية: فعلى الرغم من نقل بعض السلطات والصلاحيات إلى المستوى المحلى، فإن القانون المقترح لا يزال يتميز بالغموض بيمنا يخص العلاقة بين المستوى المحلى والمركزى. فلقد أعطى القانون للسلطة التنفيذية المركزية سلطات واسعة وهيمنة على الإدارة المحلية، ومنها الرقابة على عمل المحافظ. بالإضافة إلى تفويض الوزارة بتشكيل لجنة عليا للإشراف على انتخابات المجالس الشعبية المحلية مما يزيد من هيمنتها على سلطة الرقابة والتشريع المحلى. لا يجب إصدار قانون بأهمية الإدارة المحلية قبل دراسته دراسة كافية ووافية مع كل القطاعات المجتمعية فى ضوء استراتيجية للتحول التدريجى نحو اللا مركزية، وانتظار مجلس النواب القادم لإقراره.