يحتاج البعض منا إلى وقت لكى يدرك أن الثورات لا تقاس بعدد شهدائها أو قتلاها أو المقبوض عليهم، وإنما بما تحققه من مكاسب ومكتسبات، من أحلام وطموحات ونجاحات وإنجازات، فهناك أجيال لم تعرف مصير الملك فاروق وهل سُجن أو حُبس أو قُتل أو رحل، وإنما بالتأكيد هى تعلم جيدا حجم ما حققته ثورة 52 فى تغيير أوضاع مصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخارجية والداخلية، ومن هنا فإن محاولة وقف عجلة ثورة 25 يناير عند براءة مبارك، وجعلها نهاية للثورة نوع من العبث وقصر للنظر، حيث المؤكد أن الأصل فى الموضوع الإطاحة بالنظام وسقوطه يوم 11 فبراير، بعيدا عن فكرة الحبس أو البراءة، لأن نجاح الثورة لم يكن فى الحكم على الرئيس الأسبق، وإنما فى إزاحته عن الحكم وإبعاد رموزه، بدءا من زكريا عزمى وأحمد عز ونجله جمال، وانتهاءً بقيادات حزبه المنحل. والمضحك أن يعلن البعض أن براءة مبارك تعنى عودة النظام الذى انهار، والأكثر إثارة للسخرية أن يدّعى البعض أن جمال مبارك سيعود لتولى رئاسة الجمهورية، وهو الذى فشل فى توليها ومبارك الأب على سدة الحكم، فكيف يتولاها وهو قابع فى السجن حتى الآن؟ إنه اللهو ومحاولة خلط الأوراق وبعثرة القضايا للخروج عن الهدف الأسمى والأهم وهو تحقيق أهداف ثورة 25 يناير، وهى التى لم تتحقق حتى الآن. والمؤكد أنها القضية الأساسية التى تحتاج إلى وقفة منا، فمصر لن يجدى معها براءة مبارك أو سجنه.. بقاؤه أو رحيله.. خروجه أو دخوله السجن.. كل ذلك إضاعة للوقت وإبعاد عن هدف أساسى ينبغى التركيز عليه، وهو بناء مصر الحديثة وتحقيق أحلام الشهداء فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ولا أعرف هل سيرضى الشهداء دخول مبارك السجن دون تحقيق حلمهم وأهدافهم التى خرجوا من أجلها وضحّوا بأرواحهم لتحقيقها.. لقد كثر المزايدون والمتاجرون بدماء الشهداء، وأخشى ما أخشاه أن يكون هناك انسياق وراء فكرة حقوق ودماء الشهداء دون النظر إلى القضية الأساسية التى قامت الثورة من أجلها.. مصر الآن فى أمسّ الحاجة إلى شباب يعمل ويجد.. يشعر بالمسؤولية والمهام الملقاة عليه.. كفانا شعارات وأحلاما وأوهاما بمنح الشباب فرصة فى تولى مناصب عليا وعضوية مجالس نيابية.. فالشباب لم يخرج بحثا عن سلطة أو جاه، وإنما خرج لشعوره بأن بلاده تستحق أوضاعا أفضل من ذلك بكثير، وأننا نملك مقومات تؤهلنا لاحتلال مكانة فى مقدمة الشعوب.. الشباب عليه أن يدرك قيمة العمل والعطاء بعيدا عن المتاجرين باسمه ورغبتهم فى استغلال حماسهم لخلق أوضاع غير صحيحة بالبلاد. إن الواقع المصرى يجعلنا نطالب الجميع بوضع أسس نتحرك عليها، تنطلق بمنح الشباب فرصة حقيقية للعمل، وإيجاد مساحات له فى ممارسة حياة طبيعية بتوفير مسكن وعلاج يليقان به، من خلال تصحيح منظومتى الصحة والتعليم.. هذه هى البداية الحقيقية التى يجب أن نهتم بها ونبنى عليها آمالنا وطموحاتنا، لكى نعيد حقوق الشهداء، لأن هؤلاء ينتظرون منا رفع شعار مصر 25 يناير الحقيقية وليست المختطفة أو التى تسير حسب الأهواء. مصر تنتظر ترك الصغائر والترفع عن التفاهات والبحث فى البناء.. أما إعدام مبارك أو حبس نجله ومنع قياداته فكل ذلك عبث وإضاعة للوقت، لأن الشعب الذى أزاح هؤلاء لن يسمح بعودتهم مرة أخرى.. فلنبدأ مرحلة جادة من العمل تعيد لنا روح 25 يناير الغائبة، التى افتقدناها نتيجة الجدل واللغو ومحاولات الجماعة الإرهابية إيقاف مسيراتنا بخلق أجواء من الصراعات فى قضايا فرعية لن تجدى أو تفيد الوطن، الذى ينبغى أن ينظر إلى المستقبل، ليحقق أحلام ثورة ننتظر منها الكثير، بأجيال تفكر بنظرة تحقق أهداف تلك الثورة.