بدأت مرحلة جنى ثمار ثورة الخامس والعشرين من يناير قبل مضى عام من نشوبها. وثمار الثورة لا يجنيها الذين تجمعوا فى الميادين، ولا الذين خططوا وحرضوا الشباب على الخروج ومواجهة الخطر ،وحشدوا الثوار عبر الانترنت، والتليفونات المحمولة، فقد انتهى دور هؤلاء جميعا بهدم النظام الفاسد، وإزاحة أركانه، وجاء دور الذين أعدوا أنفسهم للمراحل التالية، وهم الذين لديهم خطط سابقة ويقولون إنهم أقدر على إدارة الدولة وتولى السلطة لأنهم يملكون أدوات ووسائل التعامل مع العامة قبل الخاصة من أجل تحقيق أهداف محددة تضمن لهم جني الثمار وتهميش الثوار الذين نجحوا فى إزالة الفساد ، والإطاحة بالفاسدين والمفسدين، دون ان يعدوا أنفسهم لتحمل مسئولية إعادة البناء على أنقاض النظام المنهار، فهم لم يستعدوا لذلك ، ولم يضعوه ضمن مخططات تحركاتهم فى الشوارع والميادين. وكما يفشل الثوار فى جنى ثمار ثورتهم، فإنهم يفشلون أيضا فى استعادة ما ضاع منهم ، كما يعجزون عن اصطناع ثورة جديدة، خاصة مع ظهور الآثار الجانبية للثورة مثل كل ثورة متمثلة فى أزمات اقتصادية، ومطالب فئوية ، ومشاكل أمنية، وفوضى نظامية، وتخبطات إعلامية. والإعداد للثورة لم يكن ليقف عند حد إسفاط النظام ، والإطاحة بأركانه ومحاسبة زعمائه، وإنما كان لا بد من التجهيز لما بعد ذلك ، ووضع خطط تبادلية يجرى تنفيذ المناسب منها فى وقته المحدد، حتى تتحقق أهداف الثورة دون ان يفسح الثوار المجال للذين أحسنوا الاستعداد لجنى الثمار ، وتولى القيادة التى لم يعد الآخرون أنفسهم لها. وهناك أسباب عديدة وراء فشل الثوار فى تحمل مسئولية إزالة الأنقاض وإعادة البناء، من بينها عدم وجود قيادة موحدة تتجمع الخيوط فى يدها، وتكون قادرة على تحريك القاعدة الثورية، وإزاحة الخارجين عن أهداف الثورة واستبعاد المناوئين لقادتها. وتقلص دور ثوار يناير وشباب ميدان التحرير وسائر الميادين فى الدلتا والصعيد لم يكن مفاجأة لنا ،أو لغيرنا، فقد بدأت بوادر تراجعهم عندما توقفوا عن ضبط حركة الشارع ، وسمحوا للهاربين من السجون، وأصحاب السوابق ومحترفى الإجرام، وتجار المخدرات بالتحرك فى الشارع، وادعاء الثورية، وقطع الطرق ووقف حركة القطارات وتركوهم يهاجمون الممتلكات العامة والخاصة، ومنها المتحف المصرى بالميدان الذى احتشد يه الثوار، ورغم ذلك تعرض للسرقة أكثر من مرة، وحاول الثوار حمايته مرة وفشلوا مرات، مثلما فشلوا فى حماية المجمع العلمى من الحريق. ونحن نقر ببراءة ثوار يناير من ارتكاب هذه الجرائم وبراءتهم من جرائم السرقة التى تعرضت لها بعض البنوك وسيارات نقل الأموال ومحلات الصاغة، فهم أبرياء من ذلك، وأبرياء من خطف الرجال والأطفال طلبا للفدية، لكن تلك الجرائم ارتكبت تحت سمع وبصر الثوار، وقام بها مجرمون ينتحلون صفة الثورية الى حد ان منهم من سقط قتيلا بأيدى من كان يدافع عن نفسه وعن ممتلكاته ليحتسب شهيدا تحت زعم ان كل من قتل أثناء الثورة فهو شهيد.. وقبل الثوار بذلك، أو تجاهلوه، وأثبتوا عدم قدرة على تولى مسئولية ما بعد نجاح ثورتهم وعدم القيام بإزالة الأنقاض وإعادة البناء وتحمل تبعات المواقع القيادية، واكتفوا بالمطالبة بحقهم فى ذلك انتظارا لمن يأت إليهم بما يطلبونه، وتهافتوا على الظهور فى وسائل الإعلام والقنوات التليفزيونية والبرامج الحوارية، وتسابقوا على الادلاء بالتصريحات الصحفية، وهم فى ذلك جزر منفصلة لا تجمعهم سوى الصفة الثورية وأسماء تجمعات وتنظيمات شبابية، بعضها يموج فى بعض، وتحسبهم جميعا وقلوبهم شتى. وهم فى ذلك لهم منا كل التقدير والاحترام على ما أدوه من عمل عظيم أزاحوا به نظاما فاسدا ليبقوا بذلك ثوارا أفسحوا الطريق لمن سيقومون بجني الثمار ويتقلدون المناصب ويتصدون لقيادة الأمة على أمل العبور بها الى مرحلة الإصلاح الاقتصادى والاستقرار الأمنى وتحقيق سائر الشعارات التى رفعها ثوار الخامس والعشرين من يناير. ونسأل الله العافية لنا ولكل الثوار..