لا يزال «حل الدولتين» هو الحل الذى يريح الأكثرية المهتمة بشأن الصراع الفلسطينى-الإسرائيلى، والانتهاك الدائم من الأخيرة لحقوق الفلسطينيين، الحل الذى يقضى ب«دولتين فى فلسطين التاريخية تعيشان جنبًا إلى جنب، هما دولة فلسطين ودولة إسرائيل»، وهذه هى الصيغة التى توافق عليها فلسطين (عبَّر عن ذلك الرئيس أبو مازن فى كثير من التصريحات خلال السنوات الماضية وخلال زياراته الخارجية، وفى الأممالمتحدة، وآخرها كان فى لقائه وزير الخارجية الألمانى فى رام الله منتصف نوفمبر الماضى)، كما أن صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين يعتبر أن «تحقيق المصالحة الفلسطينية يعد مدخلًا لتحقيق حل الدولتين»، إسرائيل أيضًا ترى فى حل الدولتين الوسيلة الأفضل، وهى المستفيدة بكل الأحوال (أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو عن استعداد إسرائيل لسلام تاريخى مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين، ودعا نتانياهو لاستئناف مفاوضات السلام من دون أى شروط مسبقة «5 ديسمبر 2013»)، صحيح هى تتخذ إجراءات كثيرة تعطِّل «الحل» مثل المستوطنات الجديدة، والتشديد الدائم فى إدخال المصلّين إلى المسجد الأقصى، لكن يبقى الخط العريض أن إسرئيل توافق على الأمر بل وشعبها أيضًا (64% من الإسرائيلين يؤيِّدون حل الدولتين، تقرير لمجلس الوزراء المصرى 2009). دول العالم المعترفة بإسرائيل كدولة، وتلك التى لا تعترف بفلسطين حتى الآن، تعتبر أيضًا أن حل الدولتين هو الحل الأمثل لنهاية هذا الصراع، الذى تداخلت فيه المصالح السياسية والاقتصادية، ومؤخرًا الإرهابية (حماس فى قطاع غزة). نعم اغتصبت إسرائيل الأرض، وطبعًا هذا عدوان واحتلال، لكن الآن لم تعد عبارة «محو إسرائيل من الوجود» تجدى، ولن تكون فى ظنِّى ولا توجد آلية واحدة لتنفيذها، هذا واقع يجب أن نتعامل معه، ونضع خططنا السياسية بناءً عليه، ومن هنا أمسك السيسى بنهاية الخط فى الصراع العربى-الإسرائيلى، منذ مجيئه للرئاسة وحتى الآن والحديث واحد وفى سياق معتدل، مصر مع «حل الدولتين» ليس كلامًا وحديثًا فقط، لأن الموضوع «قديم» لكن فعلًا أيضًا، وأظن وأرى وأتوقع أن يتم هذا الاتفاق خلال السنوات الباقية للرئيس فى الحكم، ومصر بعد أن كانت الدولة راعية لاتفاق وقف الحرب الأخيرة على غزة، قامت باستضافة الفصائل الفلسطينية من أجل الوصول إلى حلول ومصالحة بينها، تمهّد لفكرة حل الدولتين المطروحة منذ وقت طويل، وتعطّلها كما أعتقد «حماس» وإسرائيل أكثر من «فتح» والسلطة الفلسطينية، فإن قامت الدولتان سيصبح قطاع غزة المنهوب والمحتل من قبل «حماس» تابعًا للسطلة الفلسطينية، وهنا تدرك حركة حماس أنها بلا غزة لا وجود لها، بل إسرائيل نفسها تتفق معها فى هذه الرؤية، حسبما قال أبو مازن أمام وزراء الخارجية العرب بجامعة الدول العربية منذ أيام قليلة، «إسرائيل تريد أن تُبقى قطاع غزة خارج الفضاء الفلسطينى، لأنها تدرك أنه لا دولة فلسطينية فى قطاع غزة ولا دولة فلسطينية دون قطاع غزة». إذن لم يكن ما قاله السيسى- فى مقابلة مع صحيفة إيطالية: «مستعدون لإرسال قوات عسكرية إلى داخل دولة فلسطينية»، و«سنساعد الشرطة المحلية وسنطمئن الإسرائيليين بشأن دورنا الضامن، ليس للأبد بالتأكيد، للوقت اللازم لإعادة الثقة، ويجب أن تكون هناك دولة فلسطينية أولًا لإرسال قوات إليها»- إلا إشارات -كما أعتقد- إلى الدور المصرى الحالى فى الوصول إلى «حل الدولتين»، وقد مثَّلت القضية الفلسطينية محورًا مهمًّا فى زيارة السيسى الأخيرة إلى إيطاليا وفرنسا، وربما كان الأمر -حل الدولتين- من الأولويات التى تحدَّث فيها السيسى مع رئيس وزراء إيطاليا، ثم مع أولاند، والكلام الذى قاله الرئيس مهمّ، ليس فقط لفلسطين، لكن لمصر أيضًا، لأن «حل الدولتين» يخلّصنا من مشكلة قطاع غزة الكبيرة، أو تحديدًا إرهاب المنظمات الإرهابية فى القطاع، والذى أصبح منذ عام حكم الإخوان لمصر موردًا رئيسيًّا ورسميًّا للإرهاب، بزعامة «حماس» والذى إن تم «حل الدولتين» ستبقى هى سؤالًا مهمًّا «ماذا ستفعل؟ وماذا سنفعل معها؟».