الرئيس السيسي يؤدي صلاة عيد الأضحى بالعاصمة الإدارية    محافظ قنا يستقبل ممثلي الأحزاب ونواب البرلمان للتهنئة بعيد الأضحى    عاجل.. "الشهر العقاري" تواصل تقديم خدماتها خلال إجازة عيد الأضحى    الحوثي تعلن استهداف مطار بن جوريون بصاروخ باليستي ردًا على استهداف بيروت وتجويع غزة    ماسك ينفي على الفور ادعاءات ترامب بشأن علمه بتفاصيل الميزانية    جيش الاحتلال يعلن استعادة جثتين لرهينتين محتجزتين من«القطاع»    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى فى حماية شرطة الاحتلال    الرمادي: التتويج بكأس مصر مع الزمالك هي اللحظات الأفضل في حياتي    منتخب إسبانيا يتخطى فرنسا في مواجهة درامية ويتأهل لنهائي دوري الأمم الأوروبية    وسام أبو علي يقود منتخب فلسطين للفوز على الكويت في تصفيات المونديال    مرتجي يطمئن على ترتيبات بعثة الأهلي في أمريكا    موعد صلاة عيد الأضحى في مصر 2025    موعد صلاة عيد الأضحى 2025 في محافظة أسوان    رحيل الإذاعية الكبيرة هدى العجيمى إثر إجرائها عملية جراحية    كيرلي وقصات شعر جديدة.. زحام شديدة داخل صالونات الحلاقة في ليلة العيد    بعد طرحها.. "سوء اختيار" ل مسلم تتصدر تريند " يوتيوب" في مصر والسعودية    المايسترو تامر غنيم مديرًا للدورة 33 من مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية 2025    ما هي سُنة الإفطار يوم عيد الأضحى المبارك؟    سُنن الخروج لصلاة العيد.. احتفالات واتباع للسنة النبوية    خطوات عمل باديكير منزلي لتحصلي على قدمين جميلتين في عيد الأضحى    الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل تعلن مواعيد العمل بمنافذها خلال إجازة عيد الأضحى المبارك    بسبب إسرائيل.. الولايات المتحدة تفرض عقوبات على 4 قضاة بالجنائية الدولية    6.19 دقيقة بالقاهرة.. مواقيت صلاة عيد الأضحى 2025 في محافظات الجمهورية    20 صورة ترصد وقفة عيد الأضحي المبارك في شوارع القاهرة والجيزة    عمال السكة الحديد يواصلون العمل خلال إجازة عيد الأضحى لخدمة المسافرين    الإمام الأكبر يهنئ الرئيس السيسي وقادة العالم الإسلامي بعيد الأضحى المبارك    الري: خطة طوارئ شاملة لمواجهة فترة أقصى الاحتياجات المائية بعيد الأضحى    السيسي يؤدي صلاة عيد الأضحى اليوم في مسجد مصر بالعاصمة الجديدة    حماس: لم نرفض مقترح ويتكوف ومستعدون للانخراط في محادثات جديدة لإنهاء الحرب    إيمان العاصي بملابس مكشوفة و روبي جريئة.. لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    هنيدي ومحمود سعد وفيفي عبده..النجوم في عزاء سميحة أيوب    في معركة ال 9 أهداف.. إسبانيا تنتصر على فرنسا وتتأهل لنهائي دوري الأمم الأوروبية    صبحي يكشف سبب حزنه وقت الخروج وحقيقة سوء علاقته مع عواد    محمد عبد الشافي يعتزل كرة القدم بعمر ال 39    إيلون ماسك يفجر مفاجأة: ترامب متورط في قضية "إبستين"    قطر تهزم إيران بهدف نظيف وتنعش آمالها في التأهل إلى مونديال 2026    أمين الفتوى بقناة الناس: صلاة العيد سنة مؤكدة    سعر الذهب اليوم الجمعة 6 يونيو محليا وعالميا بعد الارتفاع الأخير.. بكام عيار 21 الآن؟    ناصر منسي: شعرت بالقلق بعد إهدار ركلة الترجيح.. وكأس مصر مكافأة من ربنا    جامعة كفر الشيخ ترفع درجة الاستعداد بمستشفى كفر الشيخ الجامعى خلال العيد    في وقفة العيد.. «جميعه» يفاجئ العاملين بمستشفى القنايات ويحيل 3 للتحقيق (تفاصيل)    قرار هام بشأن أسئلة امتحانات الثانوية الأزهرية في مطروح (تفاصيل)    شيخ الأزهر يهنئ الرئيس السيسي والأمة الإسلامية بمناسبة عيد الأضحى    صلاة العيد يوم الجمعة الساعة كام في مصر؟ رسميًا بالتوقيت المحلي    المهيرى: اتفاقية للحفاظ على حقوق العاملين ب «اقتصاد المنصات»    ورش وعروض فنية في احتفال ثقافة المنيا بعيد الأضحى    مخرجة «ريستارت» عن انتقادات مشهد ارتداء تامر حسني ملابس داخلية: أشكره على جرأته    أستاذ تمويل: المنصة الإلكترونية لتراخيص الاستثمار مهمة لتعزيز بيئة الأعمال    " صوت الأمة " تنشر أهم التوصيات الصادرة عن المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية    المجمع المقدس يؤكد على الرعاية المتكاملة ويُطلق توصيات جديدة للرعاية والخدمة والأسرة    خلال اتصاله بنظيره الرواندي.. وزير الخارجية يشدد على أهمية تحقيق التهدئة في منطقة البحيرات العظمى    في إجازة عيد الأضحى.. حدود السحب والإيداع القصوى من ماكينات ATM    يوم الرحمة.. كيف تستغل يوم عرفة أفضل استغلال؟    الصحة: فحص 17.8 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف عن الأمراض المزمنة    بالفيديو.. "نصائح لازم تاخد بالك منها وأنت بتشتري الأضحية"    أجمل صور يوم عرفة.. لحظات تتجاوز الزمان والمكان    قبل عيد الأضحى.. حملات تموينية بأسوان تسفر عن ضبط 156 مخالفة    مصرع عامل في حادث انقلاب دراجة نارية بالمنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زكريا الحجّاوى.. عاشق المدّاحين
نشر في التحرير يوم 19 - 11 - 2014

فى المنعطفات الكبيرة التى تحدث فى أى مجتمع من بلاد الله، يبدأ الباحثون والفنانون والشعراء والكتّاب العودة إلى الخلف، وذلك للبحث عن جذور صلبة قوية، ربما لتعزيز موقف الحاضر المجروح أو المذبوح أو المهزوم أو الناقص أو المثكول أو المسروق، يحدث هذا فى الأحداث الكبرى التى تهز المجتمع هزًّا عنيفًا.
والذاكرة مزدحمة بالأحداث العملاقة التى أفرزت آليات البحث والباحثين والشعراء، عندما كان العدوان الثلاثى قرأنا مطولات بحثية وسردية وشعرية لاستنهاض هذا الشعب لمقاومة العدوان الثلاثى البشع، واستمعنا إلى أغنيات تلعب الدور ذاته، وشاهدنا أفلامًا ومسرحيات تحث الشعب على المشاركة فى المعركة بكل طاقاته المتنوعة.
وفى أعقاب هزيمة 1967 حدثت هزات ثقافية مختلفة، هناك من لطموا وندبوا وكتبوا المراثى وعرائض الاتهام الطويلة، وهناك من صلّوا شكرًا للهزيمة، على اعتبار أنها تخصّ السلطة وحدها ولا تخص الشعب كله، وهناك من راح يبحث فى جذور الشعب فنيا وسرديا وشعريا وبحثيا، لاكتشاف العناصر التاريخية والإيجابية فى جوهر هذا الشعب الذى لا يمكن أن يستجيب لشتى أشكال الإحباط التى يبعثها المغرضون داخليا وخارجيا، وقرأنا فى ضوء ذلك محاولات البحث عن تفسيرات لما حدث، وجاءت إجابات كثيرة، منها الروايات والقصص القصيرة والشعر والمسرح والسينما، وكانت كلها تضع إجابات متقاربة، وعاد جمال الغيطانى إلى التاريخ فى مجموعته القصصية الأولى «أوراق شاب عاش منذ ألف عام» عام 1969، وكتب يوسف القعيد روايته الأولى «الحداد» عام 1969، وكان سؤال الديمقراطية ينبثق من خلال الكتابين، وكتب نجيب محفوظ سلسلة قصص قصيرة كانت قريبة من هذه الإجابات، وذهب أمل دنقل كذلك لاستنطاق التاريخ بشتى الطرق.
ومثلما حدث فى أعقاب 1967، حدث ذلك بعيد رحيل الزعيم جمال عبد الناصر، وراح الباحثون يكتبون، والشعراء ينشدون، والمطربون يشدون، وكان من أبرز الكتابات البحثية كتابات زكريا الحجاوى، التى عاد فيها إلى التراث الشعبى المصرى، الذى انبنت عليه الشخصية المصرية. ومن هذه الكتابات سلسلة مقالات تحت عنوان: «متتابعات فى الثقافة الشعبية»، وهى حلقات بدأ نشرها بعد رحيل الزعيم جمال عبد الناصر، وكانت كل حلقة مختصة بتفصيلة معينة فى الثقافة الشعبية، وفى 19 نوفمبر 1970 كتب حلقة عنوانها «السيرة أطول من العمر»، بدأها ب:
«قال (حسن) للحاكم بأمر الله: مع السلامة.. وغنينا لحسن.. يا خولى الجنينة يا أبو على، وأنشأنا الكلام لتلميذنا وابننا (الظاهر بيبرس)، ولما انفرد بالحكم مع أقاربه المماليك غنينا:
(خدك دهب، من عجب
يا سمية روحى
جيت أكيد العوازل
كدت أنا روحى)».
ويستطرد مستكملا على جانب آخر:
«قال الراوى: وقفنا بالقراء عند المناظرة التاريخية بين الشيخ المهدى وجهابذة المتعلمين من المماليك الشراكسة، أيام أن كان صارى عسكر الفرنساوية مقيمًا بالبلاد المصرية.. والذى قام بالمناظرة هو بونابرطة نابليون، لأنه كان بالشيخ مهديا وبكلامه مفتونا».
وهكذا يسترسل الحجاوى فى خدش جدران التاريخ، ليكشف ويكتشف النقوش والكنوز المختبئة تحت ما تراكم من عناصر تجاهل ونسيان وإخفاء واغتيال عديدة.
والجدير بالذكر أن تكوين الحجاوى الوطنى العتيد هو الذى ساعده على هذا الدأب المثير، فهو كاتب القصة والشاعر والملحن والمؤرخ والمسرحى والحكّاء، وأحد عمالقة وجلّاس مقهى عبد الله الشهير فى الجيزة، وهو الأستاذ الذى تخرجت على يديه جحافل من الكتّاب والمبدعين والمثقفين، الذين كانوا يجلسون بين يديه يتعلمون، ويشربون الروح الوطنية المفعمة بالحب والعشق لهذا البلد، وكان من أبرز هؤلاء يوسف إدريس ومحمد عودة ومحمود السعدنى وعلى شلش وصلاح عبد الصبور وحلمى شعراوى وعبد الرحمن الخميسى وسمير سرحان وغيرهم، وكل هؤلاء أنصتوا له، وتعلموا منه، وبعضهم اختلفوا معه، وساروا مسارات مختلفة، لكنهم جميعًا يكنّون له كل التقدير والعرفان، ويتذكرونه بكل جميل، رغم أنه عانى من التجاهل حيّا وميتا.
والجدير بالذكر أن معظم كتاباته، أو القسم الأعظم من هذه الكتابات، لم يُجمع حتى الآن فى كتب، فدراساته الخاصة بالفنون الشعبية عمومًا، التى كان ينشرها فى صحف ومجلات والتى تمثّل قيمة عليا فى مجال الدراسات الشعبية، لم تظهر للنور، وربما مسرحيته الأولى «بجماليون» ، التى نشرها فى منتصف الأربعينيات، لا يعرف كثير من الأجيال الجديدة عنها شيئًا، وأعتقد أن دراساته هذه ستكون زادًا إضافيا لمجال الثقافة الشعبية، وهو الذى أفنى حياته كلها فى هذا المجال.
ومن المؤكد أن المناخ الذى ولد فيه عام 1915 فى المطرية، بلد الصيادين والفن الشعبى، هو الذى رسّخ فى وجدانه العشق الملتهب للسِّير والحكايات الشعبية، إذ كان والده يأتى بالمدّاحين، ليقيموا حفلات غنائية على سطح منزلهم، وكان الجيران يصعدون إلى أعلى منازلهم لكى تنالهم سعادة الإنصات إلى هذا المديح الشعبى الجميل.
ونشأ الحجاوى فى هذا المناخ الذى يقدّر الفن الشعبى، ووجد نفسه يسعى خلف هذا الفن بكل الطرق، ويكتب يوسف الشريف فى كتابه: «زكريا الحجاوى.. موال الشجن فى عشق الوطن»، أنه كان يذهب إلى آخر الدنيا ليحقق مثلا شعبيا، أو تكملة لحكاية ناقصة، أو يستمع للحن قديم ويحاول تحقيقه واستعادته مرة أخرى على الاستماع الجديد.
ومن بين مآثره العظيمة التقاؤه بصاحب المقام الرفيع يحيى حقى، وقدما معًا أوبريت «يا ليل يا عين» فى منتصف الخمسينيات، ولكن للأسف كانت وزارة الثقافة لا تسعى إلى إحياء كتاباته ومسرحياته وأوبريتاته، فقد عرضت بعد رحيله الأبدى، قدموا مسرحية «عاشق المدّاحين»التى تسرد إنجازاته ومآثره، وأطلقوا على مسرح السامر اسمه، ولكن ما عدا ذلك فحدِّث ولا حرج. وأعتقد، ونحن نقبل على مئوية ميلاده فى عام 2015، أنه من الواجب الذى يصل إلى مستوى الضرورة استعادة تراثه الفنى والبحثى والفكرى، ليكون بين يدى الأجيال الجديدة، حتى يتعرفوا على واحد من الآباء العظام المخلصين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.