بصعوبة قدرت اقرا اللي مكتوب .. دم الولد خلّى الصفحة حمرا .. بس بحاول اربط الكلام ببعضه واشوف مصطفى اللي اتقتل كان كاتب ايه. الصفحة ريحتها حلوة .. من ريحة صاحبها .. الاسم مصطفى حمزة السيد .. اولى ثانوي .. مدرسة الأورمان الثانوية .. في اول صفحة بسم الله الرحمن الرحيم وتحت البسملة أية مش عارف ليه اختارها الولد بالذات " يطوف عليهم وِلدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين".. لو الولد مكنش مات كنت سألته ليه الآية دي بالذات.. وأيه اللي لفت نظره فيها.. بس الولد مات.. اتحرق.. اتفحّم.. مش باين منه أى حاجة.. ممكن يكون مصطفى، وممكن يكون محمد وجايز يطلع إبراهيم.. أهو كلهم اتحرقوا وحرقوا قلبنا كلنا.. بس موتهم ده وبالطريقة دي.. خلّانا نفوق.. ونعرف حاجات مكناش عارفينها ولا كان نفسنا نعرفها.. الوهم ساعات بيريّح صاحبه .. بس لللي عايز يرتاح وخلاص .. بيغمّض عنيه عن الحقيقة .. اصلها مش حلوة اوي زي ما الناس فاكره .. طيب نعمل ايه ؟ نصبر .. يمكن في نهاية النفق نلقى مخرج ، نخرج منه من زنقتنا .. اللي طالت كتير. في صفحة م الصفحات كان راسم صورة لواحدة زي القمر .. بس عنيها مدمّعة .. واقفة صالبة عودها .. بس تحس ان ضهرها موجوع .. بتضحك .. بس ضحكتها مش صافية .. ضحكة اللي مش عايز دموعه تبان .. اصلها متحبش تصعب على حد .. هى كده .. ربنا خلقها كده .. مهما كان الحِمل تقيل .. لازم تبقى جامدة .. لو " نخّت " او قالت " أه " .. حتلاقي اسنان مبارد تفوت في الجليد .. مفيش سخن بارد .. بتاكل الحديد! وفي صفحة تانية كان كاتب : ربنا رحمنا من الإخوان المجرمين .. كانوا حيضيّعوا البلد .. عمري في حياتي ماحبيّتهم .. ولا حسّيت اننا منهم وهمّا منّنا .. بس ربنا له حكمة .. حكمونا عشان نعرفهم على حقيقتهم .. وفي سنة واحدة .. طيّرناهم .. وجبنا السيسي .. هو اللي يستحق ثقتنا ويشيل معانا همومنا الكتيرة .. بس من ساعة ماجه .. مفيش حاجة اتغيّرت .. ولو فيه ، فمش حاجات كتيرة .. الامن بقى كويس طبعا .. بس لسه اللصوص والمجرمين أحرف منه .. والناس لسه الفقر ناشع في حيطان بيوتهم .. بس صابرين .. الغلبان ممكن يموت على باب مستشفى ، اصحابها مش عايزين يدخّلوه الا لمّا يدفع .. والراجل مش معاه قرش صاغ .. يبقى يموت .. " واللي معوش ميلزموش " .. والحكومة بتتكلم كتير .. مفيش فقير فيكي يامصر حيبات من غير عشا .. " لا وحياة ابوكي ياحكومة .. بيناموا والله من غير لا فطار ولا غدا ولا عشا " .. كرامة الانسان مصانة بعد ثورتين ورئيسين في السجن .. " الكرامة مش بس ان ادخل القسم واتعامل باحترام ولا انضربش على قفايا .. الكرامة ان ابقى كبير في عين ولادي .. بما اني المسؤول عنهم .. عيشتهم كريمة ومدارسهم بتعلّم بجد .. ومدرسين زي زمان .. الحصة حصة .. تخرج منها شبعان ومتحسش انك محتاج واحد خصوصي يجيلك البيت يمص دم اللي خلفّوا اهلك .. الكرامة رغيف عيش صالح للاستهلاك الادمي .. وأكلة حلوة فيها حتة لحمة تصلب العود .. وسكن فيه حمّام .. مش الواحد يقضي حاجته زي الكلاب والبهايم والحمير"! ايه الكلام الكبير ده اللي كاتبه مصطفى .. لسه قاعد اقلّب في الصفحات .. لقيته راسم قلب على طرفه كاتب اسمه والطرف التاني اسم حبيبته .. اسمها " أمال " .. لسه الولد كان عنده " أمال " نفسه يحققها .. مقلش كان عايز يطلع ايه .. بس واضح من كلامه وعمق تفكيره انه كان نفسه يكبر ويبقى بني ادم محترم .. دكتور مثلا ، بس قلبه مش مكانه حتة حديد .. الطب عنده بيزنس .. حتدفع اعالجك .. مش حتدفع .. انا مش شؤون اجتماعية ولا فاتحها سبيل .. ممكن كان يتمنى يبقى مذيع مثلا .. بس مش زي مذيعين واخدين دكتوراه في النفاق والتطبيل والتبرير والصوت العالي والتمثيل .. ممكن كان نفسه يبقى صحفي .. بس قلمه ميكنش سيف في ايد اللي يدفع تمن الحبر .. هو اختصر الكلام ولقيته كاتب في اخر الصفحة : مش مهم تبقى ايه .. المهم ايا كانت مهنتك تبقى انسان مخلص ومحترم .. الامانة منهج حياة .. والجدّية اسلوبك .. والبلد تشيلها في عنيك. بقع دم الولد كتيرة اوي في الصفحة الاخيرة .. والكلام مش واضح .. 3 كلمات مكتوبة ومش عارف كان ايه قبلها .. " حتى اخر العمر " .. ممكن يكون كاتبها لحبيبته مثلا : حافضل احبك حتى اخر العمر .. او كاتبها لأمه : حتفضلي حبيبتي وحياتي حتى اخر العمر .. او يمكن لواحد صاحبه اوي " اتمنى ان تظل صداقتنا بكل هذه القوة والاصالة حتى اخر العمر " .. ولا يمكن كاتبها لمصر .. حافضل احبك واشيلك فوق راسي واحميكي وادافع عنك حتى اخر العمر! ياه يا مصطفى .. كنت فاكر ان أخر العمر لسه مشواره طويل .. سنين جاية وراها سنين .. حتكبر وتتخرج وتتجوز وتجيب عيال .. حتفرح وانت شايل احفادك وبتلعب معاهم .. مكنتش تعرف ان أخر العمر قريب اوي كده .. اقرب اليك من النفس اللي دخل وماخرجش ..! امك مش مصدقة انك مت .. اتحرقت في اتوبيس المدرسة .. اتاريك وانت بتسلم عليها الصبح قبل ماتنزل فضلت حاضنها ومش عايز تسيب حضنها " فيه ايه ياواد .. اشمعنى النهارده قاعد تبوس فيا وفي ايدي ومش عايز تنزل .. مش عوايدك يعني .. كل يوم تلبس وتجري جري وع السريع كده .. سلام ياست الكل .. النهارده بالذات " لابد " في حضني ومش عايز تبعد .. اتاريك ياحبة عيني كنت عارف انك مش راجع .. دي هى نص ساعة .. يادوب برتّب سريرك ، إلا والتليفون رن : مصطفى مات مع اصحابه في باص المدرسة .. نزلت يابني بهدوم البيت عشان الحق اشوفك واملّي عيني منك .. قالولي في المشرحة .. رحت المشرحة .. لقيت جثث ياما .. انت مين فيهم يامصطفى ؟ .. كلكلم متفحمّين كأنكم خارجين من نار جهنم .. هاتولي ابني عشان ادفنه .. محدش بيرد .. ابوك حاول يتعرف عليك ، معرفش .. كلكم شبه بعض .. كلكم ولادي .. كلكم ضحايا ميراث عفن .. مش باين له أخر !!!