فى لقاء الرئيس السيسى والقيادات الصحفية قبل أشهر قليلة، أثيرت قضية الشباب، وأبدى رئيس الجمهورية اهتمامه بالأمر، وقال إنه طلب من الأحزاب السياسية أن تتيح الفرصة للأجيال الجديدة فى الانتخابات البرلمانية القادمة لأنها صاحبة الحق فى رسم مستقبلها ومستقبل الوطن. والنتيجة كما ترى.. الأحزاب السياسية «محلك سر»!! والانتخابات تقترب والأحزاب مشغولة بأحاديث المكاتب عن التحالفات التى لا تتحالف، والتكتلات التى لا تتكتل.. والشباب فى واد آخر يحاول أن يجد مكانًا يستحقه، بينما المال والعصبيات من ناحية، والمتاجرون بالدين وبواقى العهود السابقة تتربص وتستعد!! فى الأيام الأخيرة كرر الرئيس السيسى الحديث عن الشباب، مؤكدًا فى النهاية أنه يحتاج -فى موقعه الرئاسى- إلى الشباب ليسهم بنقائه وتفانيه وعطائه للوطن لكى يسهم فى البناء.. مبديًا اهتمامه بالحوار مع الشباب حول قضاياهم وقضايا الوطن، وداعيا الأحزاب مرة أخرى إلى إفساح المجال للأجيال الجديدة. الحوار بلا شك مطلوب ومهم، خصوصا إذا جرى فى مناخ ديمقراطى وقضايا محددة، وحديث رئيس الجمهورية المتكرر يعنى أن هناك إدراكًا حقيقيا بوجود مشكلة وبضرورة التعامل الجاد معها، وهذه هى بداية الطريق إذا تعاملت مؤسسات الدولة بجدية وبمسؤولية كاملة. الرهان على الأحزاب السياسية لن يكون له أثر كبير على الأقل فى الوقت الراهن، بفعل آثار سنوات طويلة من الحصار الذى فُرض عليها، وبفعل نظام الانتخابات الذى تقرر. الأمل كان -ولا يزال- أن يكون هناك فضاء سياسى متسع، وحركة سياسية تنزل من المكاتب إلى الشارع، ومساندة من الدولة للأجيال الجديدة، وفتح أبواب العمل العام أمامها. من أجل ذلك ناديت مبكرًا بأن تكون الأولوية لانتخابات مبكرة للنقابات العمالية والمهنية مع مساندة الشباب فيها، ولانتخابات المحليات التى نص الدستور على أن يكون للشباب نصف مقاعدها، لو فعلنا ذلك مبكرًا لكانت هناك فرصة للشباب لكى يكونوا فى قلب المشكلات ويتعامل مع الواقع الحى، ويكتسب الخبرة التى تؤهله لتخرج من صفوفه قيادات المستقبل. لم يحدث شىء من ذلك، بل تراكمت الأخطاء من كل الأطراف، ودخل «إخوان الإرهاب» ومن يدعمونهم على الخط لاستثمار الأخطاء، ولكن القاعدة الأساسية من شباب مصر رفضت ذلك، ولكنها أيضًا رفضت -ومعها الحق- ممارسات أحدثت شروخًا فى جبهة الثورة. علينا -إذا كنا جادين- أن نتعامل معها بحسم، لكى نستعيد وحدة جبهتنا، ونحن نواجه حرب الوجود ضد الإرهاب، وحرب بناء المستقبل فى أصعب الظروف. لم يكن ممكنًا أن لا تثور الشكوك فى صدور الشباب، وهم يرون الوجوه القبيحة لعهود الفساد القديم تعود إلى الانتقام وإلى استعادة النفوذ، وتبدأ الحملة ضد ثورة يناير، وتقيم إمبراطوريات إعلامية لهذا الغرض، وتحاول الاستناد إليها فى تمهيد الطريق لعودة لا تعنى إلا شيئًا واحدًا هو استدعاء ثورة جديدة لمنع سرقة الثورة مرة أخرى بعد أن سرقها الإخوان فى المرة الأولى!! ولم يكن ممكنًا أن يطول غياب السياسة وتترك الأمور -كما كان سابقًا- على عاتق الأمن وحده.. فتكون النتيجة هى الخلط بين المجرمين من «إخوان الإرهاب» وحلفائهم الذين يرتكبون الجرائم ويستخدمون القوة ويزرعون القنابل ويقتلون الأبرياء، وبين شباب يتمسك بالسلمية ولا يمارس العنف، حتى وإن اختلف أو أخذه الحماس إلى الخطأ فى الحسابات وليس إلى الجريمة فى حق الوطن أو محاولة الإساءة إلى شرف الثورة.. وهو ما يفعله إرهاب الإخوان، وفساد الواهمين باستعادة ما فقدوه فى يناير العظيم. الحوار مع الشباب مهم وضرورى.. ولكن ينبغى أن يسانده فضاء سياسى يقول إن ما أسقطته الثورة فى يناير ويونيو لن يعود، وأن تصفية أوضاع المحتجزين من الشباب ستتم فورًا، وأن وحدتنا ضد الإرهاب تحميها قدرتنا على إدارة الخلاف بين شركاء الثورة.. لتبقى الشراكة وتنتصر الثورة.