وهبت ثورة 25 يناير الشعب مساحة حرية، لم يكن يحلم بها أكثر المتفائلين بالتغيير السلمى، والقضاء الرائع على نفوذ حاكم ديكتاتورى مثل مبارك، والخلاص منه فى مدة لم تتجاوز 18 يوما، بعد الثورة خُلق مناخ ديموقراطى يسع الجميع، إلا أن هذا الوضع مر بمنعطفات، كادت تقسم ظهر الشارع السياسى، حين تبدلت بعض التكتلات بفعل هذا التحول، من أصدقاء بلون ثورى واحد، إلى أعداء يتبادلوا الكيل بالاتهامات، فرض ذلك حالة من توهان غير محمود لشعب، نفذ بجرأة، أعظم ثورة عرفها تاريخ الدولة المصرية الحديث. "بين جيلين" ناقش هذا الطرح فى ندوة بعنوان: الديمقراطية المعلنة.. مسار التحول الديموقراطى المصرى، أدارتها الدكتورة سهير المصادفة وكان ضيفها عن جيل الشباب الناشط السياسى والمخرج: ياسر شبانة وعن جيل المخضرمين عز الدين نجيب، ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب. وقال ياسر شبانة، كان حلم الشباب حالة من الوعى الثقافى، تمكنهم من التعبير عن رأيهم بشكل حضارى، من خلال قصور الثقافة المنتشرة، لكن كان هناك عدم استجابة، وتمكنت من عمل نشاط، تبناه الدكتور عماد أبو غازى، نزلنا المحافظات، ومعنا الأدباء والمثقفين والثوريين، لعمل ما يسمى بقوافل أفراح الثورة، كانت فكرتها تبنى المواهب فى جميع المجالات، فكانت أول قافلة خرجنا فيها بمحافظة الشرقية، للأسف فشلت فشلا ذريعا، لعدم وجود الجمهور، للخوف من التجمهر، وكررنا التجربة فى محافظة الإسماعيلية، وهذه كانت فى ميدان الممر، حققت فوق 10 آلاف متفرج وانتشرنا بعدها فى محافظات مصر، وقد وثقناها كحالة ثورية شارك فيها كل الشعب المصرى. بينما قال الناقد والفنان التشكيلى عز الدين نجيب، من خلال تجربتى فى العمل السياسى، أجد تقاربا بينى وبين جيل ياسر شبانة، حيث نقطة الارتكاز لعمل هذا الجيل، ومنها تحديدا كانت من أتيليه القاهرة، وهو القاعدة التى انطلقت منها فى السبعينيات، وكنت من البورد الرئيسى الذى يدير أتيلية القاهرة، حتى تم انتخابى رئيسا لمجلس الإدارة سنة 1995. وتابع نجيب، وما لايعلمه الكثيرون أن تجربة الثقافة الجماهيرية رائدة، وحين تولى الدكتور عماد أبو غازى، وزارة الثقافة، أكد بأنه استفاد من تجاربى، خلال الستينيات من القرن الماضى، وأعلن أنه لا مفر أمامنا سوى إحياء مشروع الثقافة، لذا سعيد بإحياء التجربة، بمجموعة الشباب الواعى، كنت أتمنى أن أكون معهم، وكنت أتمنى أن ينغمس شباب الثورة فيها وهى إقبال الشباب على عمل ثقافى يقود الثورة. وقال "نجيب" فى عهد عبد الناصر كنت من المعارضين للتجربة الناصرية، ولم يكن يسمح لصوت بعيد عن مراقبته، وكان يطلقون على من يخالفهم بالمعادى للفكر اليسارى، وفى مقابلها معاداة الفكر الإخوانى، فكان عدوان ضد مساندة أى فكر شبابى، حتى لو كان فى خدمة التجربة الناصرية نفسها، وتطورت الأمور بسرعة حين شغلت منصب مدير قصر ثقافة قصر كفر الشيخ، وعندما عرض على عبد الناصر رفض أن يتم سجنى وغلق المركز. موضحًا: وهذه التجربة كانت مؤيدة للعدالة الاجتماعية، ومتفقة مع طرفى الحراك فى الثورة وهما السلطة والشعب، أما تجربة جيل 2011 سبقتها حركات ثورية، كانت للنخبة، وبعد نجاح الثورة، لم يستمر فى الالتحام بالشارع، وتركوها لحزب الإخوان، الذين استغلوا الموقف وقفزوا على الثورة، وهذا الجيل انغمس فى دعم من الخارج وفى النهاية لم يكن لدية القدرة على قيادة الثورة وحمايتها، وكانت هناك أولويات، مثل حقوق الإنسان، واستخدموا شعار يسقط حكم العسكر. وأضاف نجيب، لكن غياب بوصلة التمييز طرحت الخلاف على أنه بين القوة الثورية والعسكرية، وبين النظام القديم المتمثل فى بقايا الحزب الوطنى وبقايا تكتلات الرأسمالية، التى كانت تبحث عن فرصة لتستولى على الثورة وكان بينهم جميعا وبين الإخوان، فكان لابد من إزالة التناقض الرئيسى بين الثوار وبين هذه القوى وأن يكون التناقض مع القوات المسلحة هو التناقض الثانوى حتى يمكن أن يحل بالطريقة التى لا تؤدى لعداء، لأن القوات المسلحة فى النهاية ليست فصيل أجنبى، وليست قوى معادية، انما هى الشعب ممثلا فى قوى مهمتها الدفاع عن الشعب والدفاع عن حدوده، والدفاع عن أمنه الداخلى والخارجى. وقال "نجيب" واليوم نعيش نتائج هذا التناقض الخاطئ الذى أعتبره المنزلق الذى يجعل بعض شباب الثورة يرددون فكرة أن المشير عبد الفتاح السيسى مثل حكم العسكر، وأن دعوته لحكم مصر هو إعادة استنساخ لحكم العسكر، هذا الخطأ الاستراتيجى نتيجه غياب الرؤية الصحيحة لدى الشباب، منذ 25 يناير، ولم يفطن الثوار لمدى توغل الجماعة بمساندة الولاياتالمتحدة الأمريكية'، وقطر وتركيا، وبالتالى كان لابد أن يكون الوعى من هذا الوقت مبكرا حتى لا ننزلق اليوم إلى تناقض أعتبره غريبا ومجانيا لأنه يأخذنا إلى أزمة جديدة فى مسارنا الديموقراطى، بعيدا عن مصلحة الوطن المتمثلة فى وجود التفاف شعبى حول قوة وطنية قادرة على حماية منجزات الثورة، ووضع أدوات لتحقيق خارطة الطريق. وأوضح "نجيب" أن كون للمشير خلفية عسكرية أو كان عضوا فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، هذه كلها أشياء ثانوية أما الأمر الرئيسى التى يجب أن تصطف جميع القوى الوطنية حوله هو أن نتوحد فى مواجهة القوى من الخارج والقوى الداخلية المتمثلة فى الإخوان. وتابع: ولا أشك للحظة فى براءة الدوافع الوطنية لدى شباب الثورة المعارضين للمشير السيسى، وما نحتاج إليه هو عدل البوصلة على التناقض الرئيسى المتمثل فى قوى خارجية وهى أمريكا وقطر وتركيا ومن الدخل فلول الإخوان وبالقرب منهم النظام المباركى الذى له مصالح كفيلة بأن تسحب البساط من تحت أهم شعار قامت ثورة 25 يناير من أجله وهو العدالة الاجتماعية، وكلى ثقة رغم هذا الفرق بين جيلينا، أننا سرعان ما سوف نتجاوز هذا التناقض، حتى نكون على مسار واحد مع بدء مسيرة الديموقراطية الحقيقية من خلال انتخابات الرئاسة القادمة.