تقترب مصر يوما بعد يوم من موعد الاستفتاء المرتقب على دستورها يومي 14 و 15 جانفي الجاري، فرغم مااثاره الاستفتاء المزمع من ردود فعل متباينة في الشارع المصري ، تعلق فئات كثيرة من الشعب المصري آمالا كبيرة على هذا الموعد التاريخي في محاولة لإنقاذ البلاد من حالة الاحتقان المخيمة عليها والحدّ من احتدام الصراع على السلطة. اعتبر الكاتب المصري والمحلل السياسي محمود السنّي في حديثه ل«المغرب» ان الدستور في صيغته المعدّلة يحقّق حدّا أدنى من التوافق بين مكونات الشعب المصري سواء السياسية أوالاجتماعية ، مضيفا انه سيكون هناك مراجعة لكثير من مواد الدستور، إذا استطاعت القوى الثورية المصرية الحصول على أغلبية في البرلمان القادم، مؤكّدا أن ثمار الثورة المصرية ستأتي رغم تأخّرها . قراءتكم للوضع الحالي في مصر ؟ تتشكل الخريطة السياسية في مصر من ثلاثة عناصر رئيسية التيار اليميني المتطرف ويضمّ جميع المنتفعين من الأنظمة السابقة والمتعاقبة، وجميع رجال الأعمال المحتكرين للأنشطة الاقتصادية، وكبار تجار المخدرات والسلاح، وكبار موظفي الجهاز البيروقراطي ، ويمتد تكوين هذه الطبقة إلى منتصف السبعينيات، بعد وصول السادات للحكم، وبعد ثورته المضادة على منجزات الشعب المصري خلال الفترة الناصرية ، وبالتحديد مع سياسات الانفتاح الاقتصادي التي اتبعها السادات، والتي أفضت إلي الارتباط الكامل بالرأسمالية العالمية، وسياسة السوق الحر، فتم تدمير الصناعة الوطنية الوليدة، وأدى ذلك للارتفاع الجنوني في الأسعار، والقضاء على قيمة التعليم الفعلية بإيقاف التعيين، وانتشار الفساد والرشوة، والاتجار بجميع الممنوعات، وبيع الذمم والضمائر، حيث تم سحق جميع فئات الطبقة الوسطى وإخراجها من السلطة الحاكمة، وكانت تلك جذور بناء هذا التيار اليميني وهو حاليا القوة السياسية الأكثر نفوذا وتأثيرا في مجرى الأحداث في مصر، رغم عدم وجود أحزاب تمثله، ولكن رغم ذلك يتناقص هذا الدور باطراد مع زيادة قوّة عناصر الثورة. ثانيا التيار اليميني الديني ويشمل جميع تيّارات الإسلام السياسي، من الإخوان المسلمين، وحزب الحريّة والعدالة، والتيار السلفي بجميع مدارسه، وجميع التنظيمات الجهادية، والأحزاب الدينية المستترة بزي مدني والتي تؤمن بنفس سياسات النظام السابق، وتتبنى نفس الاستراتيجيات وتخدم نفس الطبقات، ولا يوجد اختلاف بينهم سوى في المظهر الخارجي . ثالثا قوى الثورة المصرية ، ويتشكل من التيارات اليسارية، سواء الراديكالية مثل الاشتراكيين الثوريين، أو حزب العمال والفلاحين، والتيار الاشتراكي الديمقراطي، وجميعهم يؤمنون بالعدالة الاجتماعية، وفصل الدين عن السياسة، والمسار الديمقراطي لتحقيق أهداف الثورة، وهي العدالة الاجتماعية، والحرية، والاستقلال الوطني. وهناك التيار اليساري الناصري يؤمن بالوحدة العربية(اندماجية، او فيدارلية، أو كنفدرالية)، ويسعون لتحقيق ذلك ويؤمنون بالعدالة الاجتماعية، وفصل الدين عن السياسة، ويؤمنون بالمسار الديمقراطي لتحقيق أهداف الثورة، ويوجد التيار الليبرالي الوسطي الذي يؤمن بإكمال المسار الديمقراطي للثورة، ويقف موقفا مناهضا لكل مظاهر الفساد السياسي والاقتصادي. وهناك تيار الشباب الثوري الذي فجر ثورة يناير 2011، وجميع من شاركوا في الثورة من المصريين، ولكنهم لم يحسموا انتماءاتهم السياسية بعد، لعدم اكتمال تبلور التجربة السياسية، وتأخر القوى السياسية في الثورة في الربط بين السياسي والاجتماعي في الثورة، وان كان آخذا في التبلور . ومن الملاحظ أن جميع تلك القوى تنمو بشكل سريع جداً، وأنها تسير في الاتجاه الصحيح رغم كثرة العقبات والغيوم على الوضع الحالي. ويشمل العامل الجديد المتمثل في قوى الثورة، جميع فئات المجتمع المصري المنتجة، مثل العمال بجميع تصنيفاتهم، والفلاحين، وجميع المهنيين الذين تم سحقهم من النظام البائد، وهذا القطاع يشهد نموا في الوعي غير مسبوق، واعتقد انه سيكون له دور كبير في عملية تشكيل مصر بعد الثورة. ولكن أيضا يوجد نواحي قصور جوهرية في تيار الثورة أهمها عدم القدرة حتى الآن على الربط بين الجانب السياسي والجانب الاجتماعي في نضال القوى الثورية، مع مراعاة انه عادة يأتي هذا الربط متأخرا في مسار أي ثورة . وإذا أضفنا هذه العوامل السياسية والاجتماعية مع الوعي السياسي والوعي العام و الشجاعة والجرأة التي اكتسبها الشعب المصري خلال ثورته سنجد أن ثمار الثورة ستأتي وربما اقرب مما يتصور البعض. كيف تتوقّعون أن يكون الموعد التّاريخي للاستفتاء على الدّستور المصري؟ اعتقد أن الإقبال على التصويت للدستور سيكون كاسحا، وسيكون الخروج الثالث للمصريين بعد الثورة، وستكون النتيجة لنعم وبنسبة تفوق 70 % . واعتقد أن السبب هو قدرة لجنة الخمسين على صياغة دستور يحقق الحد الأدنى من التوافق بين مكونات الشعب المصري سواء السياسية ولاجتماعية والمجتمع المدني، مع الأخذ في الاعتبار انه سيكون هناك مراجعة لكثير من مواد الدستور، إذا استطاعت القوى الثورية الحصول على أغلبية في البرلمان القادم، وخاصة المواد المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. ماذا عن تداعيات إعلان جماعة الإخوان منظمة إرهابية ؟ اعتقد انه سيؤدي إلى أضعاف الجماعة وتحجيمها لأنه سيقضي على أهم أسباب وجودها وهو العيش تحت لواء النظام السائد ، وسوف يبعد عنها شرائح اجتماعية كثيرة كانت تؤيده وتدعم أساسا قوته التنظيمية، ونفوذه القوي، مثل البرجوازية الصغيرة، والفئات المهمّشة في المجتمع، والتي تحول بالفعل قطاع كبير منهم إلى معارضين لها بل وخصوم أيضا، وسيؤدي إلى ضعف التأييد الدولي لهم، لان مساندة المجتمع الدولي ارتكزت على انه تيار له سيطرة على الشارع المصري، وعندما يفقدون تلك السيطرة الجماهيرية سيفقدون في نفس الوقت المساندة الدولية. حسب رأيكم ما مستقبل العلاقات المصرية القطرية والمصرية الإيرانية بعد التصعيد الأخير ؟ العلاقات القطرية المصرية، لن تتصاعد أكثر من ذلك، أولا لان قطر ليست نظاما ايدولوجياً، ويجيد قادتها الاستفادة من العلاقات الدولية، واعتقد أن علاقتهم بالإخوان كانت بحكم الاستفادة من نظام قادم لامحالة، أما ماهو على السطح فلا يدل على الحقيقة ، واعتقد أن تأني مصر في التصعيد مع قطر يتسم بقدر من الحكمة، والفهم للأمن القومي المصري . أما إيران فهي لا تعادي مصر مثل تركيا، والنظام الإيراني يقف عند نقطة اللاّحسم مع الثورة المصرية، وخاصة بعد الثورة المصرية في 30جوان 2013، وسوف تختلف الأمور بعد الانتهاء من تنفيذ خارطة الطريق، وان ما يجمع البلدين من مصالح يفوق بكثير إلى ما يفرقهم ، وهذا هو الأهم، وهو العامل الحاسم في المستقبل القريب، خاصة وأن السلطة القادمة في مصر لن تكون أبدا تابعة او منقادة للقوى الخارجية، لأسباب تخص الثورة وأيضا لأسباب إقليمية تدعم ذلك. من منظوركم ماهو مستقبل الوضع السياسي في مصر؟ اعتقد أن مصر تتشكل من جديد وبشكل يليق بثورتها العظيمة، واستند في ذلك أشياء كثيرة منها: 1 دخول الشعب المصري لمكونات المعادلة السياسية وبقوة ووعي لأول مرة في تاريخه، مما يجعل من المستحيل تكرار أنظمة الاستبداد الغابرة. 2 وجود البنية الأساسية للأحزاب التي تعبر عن الطبقات الاجتماعية صاحبة المصلحة في التغيير . 3 التعاطف والتضامن من اغلب الدول العربية المؤثرة في المنطقة. 4 تخطي الثورة المصرية لأهم عقباتها الكبرى، وهي تفادي الوقوع في فخ الفتنه الطائفية، أو أي شكل من أشكال التقسيم للوطن، بل وحصّن نفسه من هذه الكوارث، وكان ذروة هذا التحصين خلع محمد مرسي واسترداد ثورته من التيار الطائفي، بصورة اقرب إلى المعجزة، لم يكن يتخيلها أكثر الناس تفاؤلا . 5 استمرار تحقيق مكاسب متتالية رغم بطئها، منها انجاز الدستور، بشكل توافقي ومرضي لأغلب فئات الشعب المصري، تطبيق الحد الأدنى للأجور، وكسر الاحتكار السياسي لثنائية اليمين المتطرف ( اليمين المتطرّف، واليمين الديني)، مما يؤكّد أن الثورة مستمرة وأنها ستواصل تحقيق أهدافها تباعاً، رغم المصاعب السابقة وأيضا المصاعب القادمة والتي قد تكون أصعب ولكن تلك هي ضريبة تحقيق أهداف الثورات، لان طرق تحقيق أهداف الثورات ليست وصفة جاهزة، أو خلطة سحرية، بل هي عملية تفاعلية متواصلة منها ما تحقّق، ومنها ما يتحقق الآن، ومنا ما يتحقق بعد سنوات ومنا ما يحتاج إلى أجيال لتحقيقه ، المهم هو الاستمرار، ورفع الشعار المناسب للمرحلة، وإجادة التحالفات السياسية، والائتلافات، والتحديد الجيد للطبقات صاحبة المصلحة في التغيير، والبعد عن الإحباط واليأس والتطرّف، والحياة بروح الثورة المتفائلة والواثقة بالنصر.