أسابيع قليلة وندخل فى الخطوة الأخيرة من خريطة المستقبل وهى الانتخابات البرلمانية. ومع ذلك يبدو المشهد السياسى شديد الارتباك، وتبدو الأحزاب السياسية وكأنها تدور فى مكانها، ويتحوَّل حديث «التحالفات» إلى شىء عبثى يذكرك بتاريخ طويل من فشل أحزابنا فى توحيد جهودها فى المواقف الحاسمة، وهو تاريخ كنا نظن أنه انتهى بعد مأساة تسليم الحكم للإخوان، وبعد التجربة الجيدة ل«جبهة الإنقاذ» والتى تبدو وكأنها استثناء لا يريد أحد أن يكرره!! مجلس النواب القادم هو الأهم فى تاريخ حياتنا البرلمانية. أعطاه الدستور سلطات واسعة فلم يعد مجرد «ديكور» كما كان قبل الثورة، بل هو شريك أساسى فى الحكم سواء بدوره فى اختيار الحكومة ومراقبة أعمالها، أو بِكَمّ القوانين والتشريعات الهامة التى سيصدرها لتفعيل الدستور ووضع أسس النظام الجديد للدولة وهى تعيد بناء نفسها لتستأنف مسيرة النهضة والتقدّم.
كان المفروض بعد التجارب الأليمة التى واجهناها عندما سرقت ثورة 25 يناير، وبعد الانتفاضة العظيمة لشعب مصر فى 30 يونيو، أن يتغيّر المشهد، وأن نكون جميعًا قد استوعبنا الدرس. كان المفروض أن يكون لدينا الآن «تحالف الثورة» الذى يضمن أن يكون البرلمان القادم انعكاسًا حقيقيًّا لمصر بعد 25 يناير و30 يونيو. والذى يغلق الباب تمامًا أمام فلول الفساد التى أسقطتها ثورة يناير، وأمام «إخوان الإرهاب» والمتاجرين بالدين الذين أنهى الشعب حكمهم فى 30 يونيو.
وكان المفروض أن يحتضن هذا التحالف قوى الشباب بمختلف توجهاتها، وأن يدفعهم إلى الواجهة ويحمّلهم أكبر المسؤوليات لكى يكتسبوا الخبرة وينخرطوا فى الواقع، ولكى يمنحوا -من جانبهم- للتحالف المزيد من الحيوية، ويفتحوا أمامه آفاقًا جديدة للتفكير المبتكر فى التعامل مع مشكلاتنا.
لكنّ شيئًا من ذلك لم يحدث. لم نبنِ «تحالف الثورة»، وتعاملنا مع الانتخابات البرلمانية كأنها ستحدث بعد سنين، واكتفينا بأحاديث المكاتب بديلاً عن الحركة فى الشارع. والأخطر من ذلك أننا تركنا الشباب بلا جهد حقيقى لمساعدتهم على المشاركة الفاعلة فى العمل السياسى المنظم، وبلا حوار مسؤول يطمئنهم على مستقبل الثورة، خصوصا مع حملة مشبوهة لتشويه ثورة يناير، ولتلميع رموز الفساد فى النظام الأسبق تمهيدًا لعودة يتوهمونها لما كانوا فيه!!
والنتيجة نراها الآن قبل أسابيع من بدء العملية الانتخابية للبرلمان القادم. «تحالف قوى الثورة» غير موجود. الانقسام والتشرذم هما العلامة المميزة فى حياتنا الحزبية العليلة. الحوار الجاد مع الشباب غائب، والبديل إما انسحاب غير مقبول، وإما صدام يعكس حضور الأمن حين تغيب السياسة ويختفى الحوار.
فى المقابل.. تستعد القوى الأخرى لمعركة تعتبرها حاسمة. فلول الفساد جاهزة والمال السياسى متوافر لديها، والمتاجرون بالدين يملؤون الساحة، وإخوان الإهاب لن تتوقف مؤامراتهم.
فى ظل هذه الظروف كلها لا بد أن تتواضع الآمال. نعرف الآن أن البرلمان القادم لن يكون برلمان الثورة كما نتمناه. لكن السؤال يبقى: هل نترك هذا البرلمان ليسقط فى يد أعداء الثورة؟ ومَن يتحمَّل مسؤولية هذه الكارثة إذا حدثت؟!