فى 1980 كانت السينما المصرية على موعد مع فيلم «إنتبهوا أيها السادة»، تأليف «أحمد عبد الوهاب» وإخراج «محمد عبد العزيز» وإنتاج «شهر زاد فيلم» وبطولة «محمود ياسين» و«حسين فهمى» و«ناهد شريف». الفيلم بسيط وما فيهوش تعقيد سينمائى ولا عمق على مستوى الإضاءة والكادرات، كما أنه لم يشارك فى مهرجانات عالمية، ولا يتم التعامل معه كعلامة سينمائية، ربما لأن موضوعه كان هو الأهم، والفكرة البسيطة التى يطرحها كانت هى الموضوع، هذا بالإضافة إلى إسمه العبقرى والذى إذا أضفتموه إلى سنة نزوله السينما فسوف تجدون أنفسكم أمام علامة لا ينبغى تركها تمر مرور الكرام.. 1980، إنتبهوا أيها السادة... يتناول الفيلم فكرة سقوط المعايير المنطقية المجتمعية اللازمة لتوازن أى مجتمع، أيا كان موقعه على الخريطة، فمع كامل الإحترام لمهنة جامع القمامة، إلا أنها ينبغى ألا تتفوق على مهنة أستاذ الفلسفة. ينبغى ألا تنسحق الفلسفة أمام الزبالة. والعقل أمام المادة. وهكذا جاء التنبيه الواضح والصريح والحاسم والحازم.. إنتبهوا أيها السادة، فالمعايير فى خطر والمنطق معرض للإنهيار والمجتمع مؤهل للتفسخ وللشقلبة وللإنهيار الأخلاقى.. إلا أن أحدا للأسف لم ينتبه. فعندما تصبح الأخلاق والشرف والحرص على تحصيل العلم أعباء على كاهل صاحبها ومدعاة لتأخره ماديا وسببا منطقيا لهبوطه إلى طبقة أدنى من طبقته، عندها كان ينبغى أن ينتبه السادة.. إلا أن أحدا للأسف لم ينتبه.. نحن الآن فى 1980، الفهلوة باتت تحكم البلد، وأصحاب مصانع اللبان والبسكوت صعدوا، بينما هبط المفكرين والعلماء والمثقفين إلى الدرك الأسفل إجتماعيا. «محمود ياسين» زبال يجمع القمامة من العمارة التى يسكنها أستاذ الفلسفة «حسين فهمى» وأخته «ناهد شريف»، أستاذ الفلسفة تقريبا مش لاقى ياكل، ولا عارف يتجوز، ولا فاهم أصلا إزاى حيقدر يجوز ويجهز أخته.. وفى أثناء بحثه عن شقة مع خطيبته يفاجأ بأن مالك العمارة هو نفسه الزبال الذى يجمع الزبالة من على بسطة السلم كل يوم، كما يكتشف أيضا أنه مالك العمارة التى يعيش فيها، بالإضافة إلى امتلاكه عددا كبيرا من الأبراج والعمارات، هو مليونير.. جاهل وجلف وهمجى.. إلا انه مليونير وواصل ويستطيع شراء أى شىء بفلوسه، وهو ما يدفعه إلى طلب الزواج من أخت أستاذ الفلسفة الذى يشعر بالصدمة.. خاصة بعد أن يخبر أخيها أستاذ الفلسفة أنه عايزها بشنطة هدومها، كما أنه على استعداد لدفع المهر الذى يريدونه، وهو المبلغ الذى لو اتشقلب استاذ الفلسفة لكى يحصل على مثله من وراء تدريس الفلسفة والمنطق فلن يكفيه عمره كله تحويش ربعه حتى... يكتئب استاذ الفلسفة ويشعر بعدم جدوى ما درسه، يلوم أباه الذى حرص على تعليمه وعلى تلقينه مبادىء الشرف والأخلاق.. فها هو مش لاقى ياكل ولا عارف يعيش، بينما الهمجى والجاهل والجلف أصبح مليونيرا يمتلك كل شىء والناس بتعمل له ألف حساب.. منين؟ من العمل فى الزبالة.. وهى المقارنة الواضحة بين العمل فى مجال العقل البشرى والعمل فى مجال زبالة البشر، وهى المقارنة التى تنتصر للعمل فى مجال زبالتهم على العمل فى مجال عقلهم ومنطقهم! إذن، إنفتحت البلد إقتصاديا، فانفشخت أخلاقيا، فخربت إجتماعيا، فتبهدلت سياسيا.. وهكذا.. بدأت الهجرة المصرية للبحث عن لقمة العيش فى دول الخليج، ثم عادوا من هاجروا وهم يحملون على أكتافهم المراوح والكاسيتات أم بابين وشرايط الهمج بما تحمله من ثقافة همجية صحراوية وهابية رجعية وأخلاق تعود بنا للوراء مليون سنة، زيادة ما كنا عائدين للوراء أصلا.. وبعدها.. حصل كل اللى انتوا شايفينه بيحصل دلوقت.. تأكدوا تماما أنه لو لم ينتصر الزبال الهمجى الجاهل الفهلوى على أستاذ الفلسفة الشريف النقى الصادق لما كان شيئا مما يحدث الآن قد حدث.. لو كان السادة قد انتبهوا من زمان إلى أن التخلى عن المنطق هو بداية الهرطشة.. ربما كان الوضع ليختلف.. إلا انهم للأسف لم ينتبهوا...