الحرب ضد الإرهاب هى أصعب أنواع الحروب التى تخوضها الدول، لكنها تنتهى دائما بالتخلص من الإرهابيين، لسبب بسيط، هو أن الإرادة الشعبية قبل أجهزة الأمن فى الدول التى ابتليت بالإرهاب هى السبب الرئيسى فى القضاء على هذا الطاعون الأسود، لأن الإرادة الشعبية تصبح الظهير والسند للأجهزة التى تقوم بالتصدى المباشر للإرهابيين، وفى كل دول العالم عندما تتزايد الظاهرة تتدخل الجيوش لحسم المعركة ضد الإرهاب، وشتان بين الثورات وحروب التحرير الشعبية من ناحية، والإرهاب من ناحية أخرى، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد كان جيش التحرير الشعبى الذى بدأه ماوتسى تونج بعدة أفراد قلائل بدؤوا بحرب عصابات، اتسع ليصبح بالملايين، ويدخل بعد رحلة كفاح طويلة بطول البلاد وعرضها عاصمة بلاده ظافرا مظفرا تستقبله الجماهير بالورود، وهنا يظهر واضحا جدا الفرق بين مَن ترفضهم جموع الشعب وبين مَن تؤيدهم جموع الشعب، وفى مثال آخر طوال السنوات بعد إنشاء دولة إسرائيل ظلت حكومتها تنعت المقاومة الفلسطينية تارة بالمخربين وتارة أخرى بالإرهابيين، لكن التأييد الشعبى من فلسطينيى الداخل والشتات أعطى مصداقية ومشروعية للمقاومة، جعلت العالم يقر بحكومة سلطة للشعب الفلسطينى، وذلك بعد أن نحت الفلسطينيون مصطلح «الانتفاضة»، استمرارا للمقاومة المسلحة بشكل آخر، وهكذا يظهر جليا الفرق بين الميليشيات أو الجماعات المسلحة التى تناضل من أجل قضية وطنية عادلة تحتشد خلفها أغلبية عظمى من الشعب، وبين الجماعات الضالة التى تلجأ إلى العنف، فى محاولة قسرية لفرض أفكارها المنحرفة أو نظام حكم خرافى، لهذا تنصرف عنهم الأغلبية وتعزلهم، إلى أن تتخلّص منهم أجهزة الدولة المنوط بها فقط إدارة أى صراع مسلح. نظرا للتيه الذى تقع فيه الجماعات الإرهابية سرعان ما تسعى بعض الدول الإقليمية أو القوى العظمى لاستغلال هذه الجماعات، إما لفرض مصالحها عنوة على الدول التى تعانى من الظاهرة، وإما الإضرار بحكومات وشعوب الدول التى لا تتفق مصالحها الوطنية مع مصالح وأطماع الدول والقوى الداعمة للإرهابيين، وهذا ما تتعرض له مصر الآن فى حربها ضد الإرهاب، فطوال الأشهر الماضية تحركت عناصر الإرهاب بدعم خارجى لوجيستى مالى، وإمداد بالأفراد والسلاح من جهات خارجية عبر الحدود المباشرة مع قطاع غزة، وبدرجة أقل من الحدود مع ليبيا، لأن المعركة الأساسية للإرهاب تدور رحاها فى شمال سيناء، ولمدى زمنى طويل كانت القيادة السياسية فى مصر تتحاشى بكل ما تملك من قوة أعصاب تفريغ المنطقة الملاصقة للحدود مع قطاع غزة من السكان، حتى تتمكن من إيقاف نزيف الدم لخيرة شباب مصر، وحتى تتمكن من السيطرة على الإرهابيين، لكن مع استمرار العمليات الإجرامية وآخرها عملية كرم القواديس التى راح ضحيتها غِيلة وغدرا أكثر من ثلاثين شابا فى عمر الزهور، وبعد أن تأكد بما لا يدع مجالا للشك الدور الخارجى لعناصر مدعمة من دول إقليمية بأسلوب مباشر أو غير مباشر، أصبح من المحتم أن تخلى المنطقة الحدودية مع قطاع غزة لعدة أسباب: 1- أن العناصر الداعمة من خارج مصر تتسلل إلى سيناء عبر الأنفاق، كما أن العناصر المحلية تذهب إلى هناك عبر هذه الأنفاق لتلقى التدريب وترتيب الخطط. 2- تستغل العناصر التى تقوم بتنفيذ العمليات الإرهابية وجود سكان فى المنطقة الملاصقة للحدود لتكديس أسلحتها ومعداتها. 3- فى أعقاب تنفيذ الهجمات الإجرامية تقوم العناصر المنفذة من الإرهابيين بالانسحاب إلى هذه المنطقة والهروب عبر الأنفاق إلى غزة، أو الاختباء وسط السكان، مما يعرقل مطاردتهم ويحدّ من قدرات الاشتباك معهم. 4- بدأت العناصر الإرهابية فى إكراه القبائل بكل قسوة وعنف إلى درجة التصفية الجسدية، خصوصا فى هذه المنطقة، على التعاون معهم قسرا. عندما بدأ تهجير المواطنين من هذه المنطقة المحدودة لقطع الطريق على الإرهابيين بدأت حملة دعائية منظمة ضد هذا الإجراء كأحد أعمال السيادة لمواجهة مخاطر جمة تهدد الأمن القومى للبلاد، وتعطّل الاستثمار والسياحة، وتعوق جميع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، بالطبع قادت هذه الحملة قناة «الجزيرة» التى صارت أرخص من أن تنعت ب«العمالة»، وأبواق تركيا التى أحبطت مصر خيالاتها المريضة بعودة الخلافة، وكان الزعم أن ما يحدث تهجير قسرى، وهذا زعم وإفك عظيم، فالتهجير القسرى له شروط لا يتحقق أى منها فى الحالة السيناوية، أولا: لأن الحكومة وهى تفعل ذلك تقوم به مضطرة، ولا غاية من وراء ذلك سوى مواجهة الإرهاب، والانتهاء من كابوس الأنفاق بكشفها وردمها داخل الأراضى المصرية، لأن مصر لا تقبل بأعمال وقائية داخل قطاع غزة، فهذا ضد مبادئها فى احترام سيادة الدول، فما بالنا بالقطاع ذى الظروف المأساوية، ثانيا: التهجير القسرى يكون لأسباب دينية أو عرقية أو أى أسباب عنصرية أخرى، وهذا بعيد تماما عما يحدث فى منطقة ضئيلة للغاية فى سيناء، ثالثا: تقوم الحكومة المصرية بالاتفاق بالتراضى حول البديل الذى يقبل به المهجرون فى اختيار أسلوب يناسبهم، إما بالتعويض النقدى العادل وإما بقطعة أرض مساوية أو وحدة سكنية مناسبة دون أى إكراه فى ما يتم اختياره.