الحب هو سبب وجود العالم، ففى الحديث القدسى: كنت كنزًا مخفيًّا لم أعرف، فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق، وتعرفت إليهم، فبى عرفونى. فالعالم بالحب خُلق وبالحب يعاش. كلمة الحب وردت فى القرآن الكريم ثلاثا وثمانين مرة، على اختلاف مشتقاتها، وعن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحببه فيحبه جبريل فينادى جبريل فى أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول فى الأرض». والحب هو أصل العبادة وهو روح التصوف، وهو شعاره ودثاره، والحب عند المتصوفة، لا يمكن تحديده ولا تعريفه، ولا شرح حقائقه، وكما يقول محيى الدين بن عربى (من حد الحب ما عرفه.. ومن لم يذقه شربًا ما عرفه.. ومن قال رويت منه ما عرفه». وأى مرتبة تسمو إلى الحب الإلهى، يخلو المحب فيها إلى ربه فى محاريبه، يسمر بطاعته ويضىء ليله بنور وجهه، ويقطع نهاره بجميل ذكره، ثم تأتى النشوة الكبرى، بالأنس والرضا. وحين قالوا للجنيد هات ما عندك يا عراقى، أطرق برأسه ودمعت عيناه ثم قال: عبدٌ ذاهب عن نفسه متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه ناظر إليه بقلبه، أحرق قلبه أنوار هيبته، وصفى شربه من كأس وده، وانكشف له الجبار من أستار غيبه، فإن تكلم فبالله، وإن نطق فمن الله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكن فمع الله، فهو بالله ولله ومع الله. ويقول مولانا جلال الدين الرومى: «سألنى أحدهم: ما هو الحب؟ قلت: لا تسأل عنه سوف تراه حين تصبح مثلى» وفاضت أشعاره بمشاعره فقال: فى كل لحظة من كل جانب، يتردد صدى نداء الحب، نحن قاصدون السماء، من يوّد المجىء معنا؟ ذهبنا إلى السماء صرنا أصدقاء الملائكة، لماذا لا نتجاوزهم؟ هدفنا هو ذو الجلالة المطلق. أما الحلاج فيقول: والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت إلا وحبّك مقرون بأنفاسى ولا خلوتُ إلى قوم أحدّثهم إلا وأنت حديثى بين جلاسى ولا ذكرتك محزونا ولا فَرِحًا إلا وأنت بقلبى بين وسواسى ولا هممت بشرب الماء من عطش إلا رَأَيْتُ خيالا منك فى الكاس ولو قدرتُ على الإتيان جئتُكم سعيًا على الوجه أو مشيًا على الراس ويا فتى الحىّ إن غنيت لى طربًا فغّننى وأسفا من قلبك القاسى ما لى وللناس كم يلحوننى سفهًا دينى لنفسى ودين الناس للناس ويقول محيى الدين بن عربى: ليس يدرى الغير ما طعم الهوى إنما يدريه من ذاق الهوى والهوى لولا الهوى ما هويت نفسُ من ذاق الهوى غير الهوى..