عيد الأضحى لم يعد ذلك العيد المرتبط بالخروف والملابس الجديدة، منذ أن ودعت مرحلة الطفولة، بل أصبح هو رمزا للعلاقة بين الوالد وابنه، بسبب ما حدث بين سيدنا إبراهيم وولده إسماعيل. قال تعالى «فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ قَالَ يَا بُنَىَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ». فى مجتمعنا المدعى التدين، يدّعون أن طاعة الوالدين واجبة، ويعتبرون أن طاعة الأهالى من طاعة الله! إذن لماذا لم يذبح سيدنا إبراهيم (وهو خليل الله) ابنه مباشرة، بل ذهب ليسأله «فانظر ماذا ترى»؟ أليس هذا غريبا؟ الشيوخ والدعاة الجدد لا يكترثون بدراسة مثل هذه المواقف من النواحى الفلسفية والنفسية! كل ما يعنيهم هو الذبح قبل أم بعد الصلاة؟ يجب رؤية الذبيحة أم لا؟ صلاة العيد خارج أم داخل المسجد؟ هناك فرق كبير بين الطاعة والبر! وهذا هو أحد الألغام الاجتماعية فى مجتمعنا التى استحسنها الشيوخ والآباء والأمهات. الكل يريد أن يجعل ابنه أو بنته مثل الصلصال فى يديه باسم «طاعة الوالدين». لم يطلب منا الله طاعة الوالدين ولكن المطلوب هو البر فقط. قال الله عز وجل «يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا». إذن الأبناء ليسوا ملكا أو وقفا للآباء والأمهات، بل هم هبة وأمانة من الله، إذن استعبادهم باسم الدين ليس من الدين على الإطلاق، بل من باب الأنانية والطمع. بعث الله الرسل برسالاته عبر العصور، ليعطينا حريتنا من الآلهة التى صنعها آباؤنا وأجدادنا وأسلافنا، وحتى يجوز علينا الحساب. الأجمل من هذا هو رد سيدنا إسماعيل الذى لم يقل افعل ما تشاء، بل افعل يا أبت ما تؤمر به، وهذا فرق كبير! سيدنا إسماعيل يعلم أن أباه مأمور من الله، ولهذا وجبت الطاعة من باب طاعة الله وليس طاعة الوالدين. سؤال إلى مطيعى آبائهم باسم الله والدين: لماذا كُتب علينا الحساب ونحن مأمورون بطاعة الوالدين! كيف يحاسبنا الله على الحرية والاختيار، إن أمرنا بطاعة الوالدين؟ وهذا ليس من باب الحث على مفارقة الأهالى واصطناع المعارك معهم، ولكن من باب الاستقلالية والحرية فى تجربة الحياة. إن أطعت والديك فهذا حقك أن تفعل ما تشاء، ولكن أرجوك لا تقل إن هذا من باب التدين. على الهامش: إن لم نستطع أن نكون أحرارا فى حياتنا ومع أهالينا، فلماذا نطلبها من الدولة؟ من يترك أقداره وحياته لأهله من باب التدين المزيف، لا يستحق الحرية! كفانا عبادة لآلهة نصنعها بأيدينا من العادات والتقاليد! أستطيع أن أعترف أن علاقتى بأبى (أو خالى الأصغر لأنى لا أعلم الفرق جيدا بينهما) لم تكن علاقة عادية أو بسيطة على الإطلاق. كلاهما أعطانى الحرية كاملة غير منقوصة فى سن مبكرة، دون أن أطالب بها وارتضيا فقط بدور الرقيب والاستشارى، مما سمح لى أن أنقدهما شخصيا! أيضا، أعترف بفخرى بأبى وخالى الأكبر والمتوسط، فهم من محاربى 67 و73، وقد أسر أبى لمدة عشرة أشهر فى تل أبيب فى حرب 67. أرجوك لا تتعجل، فلم يحك لى عما حدث فى أثناء الأسر غير أن الإسرائيليين حاولوا أن يقنعوهم بتحضر الدولة التى أسسوها منذ 48، وأنهم اشتروا ما يزعمون أنها أرضهم عبر التاريخ من الفلسطينيين. ما هو ليس من العقل أن يحكى لى أبى أنهم حطوا السيخ المحمى فى سرسور ودنه. أشكر صديقى شريف صقر، الذى أصر أن أكتب عن محاربينا يوم 6 أكتوبر، خصوصا أن أبى وأباه (رحمهما الله) كانا من أبناء جيش مصر.