المشهد مثير، مرشد الإخوان يؤم الصلاة وخلفه عدد من أعضاء الحكومة، من بينهم وزير الداخلية. الإخوان يتصرفون من موقع قوة، وكثير من القوى السياسية تتعامل معهم وكأنهم حكام مصر القادمون. لم يكن مشهد الإمامة وحده المثير، إذ رفض الإخوان أيضا قبول مقعد وزارى فى التغييرات الوزارية الأخيرة، هم أكبر من مجرد مقعد واحد. هم يعلنون الآن أن المادة الثانية من الدستور لا تعنيهم، وإنما يريدون الدستور كله، يصوغونه حسبما يريدون.. ليس مهما أن تنص المادة الثانية على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى أساس التشريع، ولكن أن يتم تفصيل دستور بأكمله ربما يسمح لهم بتحقيق حلم الإمارة، دستور لا يهم فيه جنسية من يحكم مصر ولكن الأهم أن يكون مسلما حتى لو كان ماليزيا! من أين أتت قوة الإخوان؟ فتش عن طارق البشرى.. ربما تكون هذه إجابة سهلة وبعيدة عن التخيل. ولكنها حقيقة، لأن البشرى والعوا وأحمد كمال أبو المجد من مستشارى المجلس العسكرى، والثلاثة، يلتقون بهم ويستمعون إليهم.. ولكن الأخطر فيهم هو البشرى، الذى يعتبر المنظر الأول والأخطر فى جماعة الإخوان. أعرف البشرى، غضب مرة وانفعل بشدة، وطلب إنهاء المكالمة الهاتفية. كنت أسأله عن «نكسة 1967»، ماذا فعلت به وماذا فعل فيها؟ من الصعب إيجاد مبرر قوى لغضب المستشار، سوى أنه لا يريد أن يذكّره أحد بماضيه اليسارى. البشرى ليس غريبا عن الواقع الثقافى المصرى، إذ لا ينسى له المثقفون فى بداية التسعينيات أنه صاحب فتوى مجلس الدولة الخاصة بمنح «الأزهر» حق الرقابة على المصنفات السمعية والبصرية، وبالتالى سلطات رقابية تصل إلى حق منح أعضاء مجمع البحوث الإسلامية حق الضبطية القضائية لأى كتاب أو مصنفات أخرى، وأسهم فى تعديل المواد الرقابية الخاصة بأى ظهور للمؤسسة العسكرية فى الأعمال الفنية فى أثناء أزمة فيلم «البرىء»، وهو القرار الذى ضاعف بقوة من سطوة الرقابة التى تعددت جهاتها لتشمل رقابة وزارة الإعلام والثقافة والمؤسسة الأزهرية. بعض المثقفين يرى أن البشرى هو «ابن فكرة الدولة القائمة على الهوية، لا على الديمقراطية»، الديمقراطية عنده خادم للهوية، وبهذا المعنى، فإن إسلاميته تدور فى إطار فكرة ثورة يوليو 1952، لا ثورة 25 يناير، وبالتالى فهو ينتمى إلى «قوى الثورة المضادة»، بحسب الباحث شريف يونس. فكرة «الدولة القائمة على الهوية»، جعلت للبشرى موقفا صلبا تجاه الأقباط، فقد أصدر ثلاثة كتب عن هذا الموضوع، لا يدافع فيها البشرى عن حقوق المواطنة مطلقا، ولا هو رافض للطائفية الدينية من حيث المبدأ. خلاصة موقفه أن على المسيحيين وحدهم أن يخرجوا من تحت سيطرة المؤسسة الدينية، مستعيدين قيم العصر الليبرالى. أما المسلمون، فيجب أن يخضعوا للإسلاميين لينادوا بالدولة الدينية. والهدف هو إقامة دولة تعتمد سيادة طائفة دينية على أخرى بمظهر غير طائفى، عن طريق فك طائفية الطائفة الأخرى، أو إقامة جماعة سياسية يسميها وطنية، مبنية على معايير مزدوجة، إذ تتماسك الجماعة المسلمة على أساس أصولى، ثم تتماسك مع بقية مكوّنات «الجماعة الوطنية» على أساس «حفظ المقامات» بين الأديان، ومن هنا، فإن «عدوه الرئيسى (العلمانية)، أو مبدأ الدولة المدنية»، وفق شريف يونس. ربما لهذا يدافع البشرى باستماتة فى كل حواراته الصحفية عن تعديلاته الدستورية. يرفض بقوة المبادئ الدستورية، يصرخ فى الزميلة «الشروق»: «هذا عبث»، و«لا يحق للمجلس العسكرى مخالفة استفتاء 19 مارس». بالتأكيد من حق كثيرين انتقاد وثيقة المبادئ الدستورية. فقد جاءت فى الحد الأدنى مما يريده المصريون الراغبون فى وطن حر يسع الجميع.. ويضمن الحرية، ولكن مبرراته -البشرى- واهية، أغلبها تتحدث باسم الشعب معتبرا المبادئ الدستورية التفافًا على إرادة الشعب. ولكن لماذا لم يحترم البشرى الشعب عندما وافق على تعديل دستور 71؟ أو تفخيخه؟.. ألم يكن يعرف أن موافقة الشعب على تعديلاته الدستورية تعنى عودة الجيش إلى ثكناته على أن يتحمل رئيس المحكمة الدستورية مهمة إدارة البلاد بحد أقصى شهرين يتم فيهم انتخاب رئيس جديد؟ وكانت هذه هى «المؤامرة» التى أدرك المجلس العسكرى أبعادها قبل أيام من الاستفتاء، ولكن لم يلغ الاستفتاء تكبرا وعنادا، فجرى الاستفتاء الشكلانى، وقال الشعب كلمته «لا».. وأصدر المجلس العسكرى إعلانا دستوريا مختلفا يدير به البلاد فى الفترة الانتقالية.. أى أن الاستفتاء وتعديلات البشرى مجرد حبر على ورق لم يتم الأخذ بها؟ أن لا يعرف سيادة المستشار أن المجلس العسكرى قد خرج فى بيانه الثانى بعد الثورة، مؤكدا احترامه للمواثيق والمعاهدات التى وقعت عليها مصر، ومن باب أولى عليه أن يحترم معاهدات حقوق الإنسان التى وقعت عليها مصر، ومنها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان. حقوق الإقليات، والحريات.. لا يمكن أن تضمنها دولة البشرى.. وإنما يضمنها فقط «مدنية» الدولة.. وهذا ما تؤكد عليه المبادئ الدستورية، فى حدها الأدنى، لأنه لا ينبغى أن يكون دستور الدولة أقل فى منح الحريات من المواثيق والمعاهدات التى وقعت عليها الدولة نفسها!.