تراجع أسعار الذهب في بداية تعاملات الثلاثاء 10 يونيو    اغتيال الجوعى، 132 شهيدا ومصابا جراء استهداف الاحتلال طالبي المساعدات بمحور نتساريم    إعلامي حكومة غزة: ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين ل227 صحفيًا    إصابة 3 أشخاص إثر استهداف مسيرة إسرائيلية "وادي جنعم" بأطراف بلدة شبعا جنوب لبنان    لطلاب الثانوية العامة.. محظورات الامتحانات قبل بدء الاختبارات    "عيالي نزلوا هنا كانوا بيضحكوا".. نهر النيل يبتلع فرحة أسرة في ليلية زفاف بأسيوط- صور    الأرصاد تعلن درجات الحرارة المتوقعة من اليوم حتى الخميس المقبل    إحالة سيدتين للجنايات بتهمة الاتجار في المخدرات وسرقة المواطنين بالساحل    مصرع طالب بكلية الشرطة صدمته سيارة في الشيخ زايد    سارة وفيق ترد على انتقاد طارق الشناوي ل "ريستارت": "عرفت تبقي تريند من غير ما تنقد الفيلم"    حبس وغرامة، عقوبة استخدام حساب خاص بهدف ارتكاب جريمة فى القانون    أسعار اللحوم اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025 بالأسواق    ارتفاع أسعار النفط وسط ترقب نتائج المحادثات الأمريكية الصينية    الدبيس: نفذنا 70% من تعليمات ريبيرو أمام باتشوكا وماشفتش محترف زى معلول    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025    فى أحضان الفراعنة.. عروض فنية لقصور الثقافة بالأقصر في احتفالات عيد الأضحى    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 10 يونيو والقنوات الناقلة    قتيل و4 جرحى حصيلة الهجوم الروسي على أوديسا جنوب أوكرانيا    تحذير عاجل من عبوات "باراسيتامول" بالأسواق، وهيئة الأدوية البريطانية: فيها تلوث قاتل    بتوصية أيمن الرمادي.. الزمالك يفتح الباب أمام بيع نجميه (تفاصيل)    استقرار سعر الذهب اليوم وعيار 21 يسجل 4675 جنيها    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الثلاثاء 10 يوينو 2025    الصور الكاملة لحفل «واما» بعد تألقهم ب الساحل الشمالي في عيد الأضحى 2025    حقك لازم يرجع.. وزير الزراعة يزور مسؤول حماية الأراضي المعتدى عليه ب سوهاج    ماكرون: الحصار المفروض على دخول المساعدات إلى غزة "فاضح"    ترامب: إيران ستشارك في مفاوضات المحتجزين في غزة.. وسنرى ما سيحدث    الخارجية الإيرانية تعلن موعد الجولة المقبلة من المفاوضات مع واشنطن حول البرنامج النووى    يوميات أسبوع نكسة 1967 في حياة طبيب شاب    السيطرة على حريق شب داخل فيلا بالتجمع    القبض على صاحب مطعم شهير بالمنيا بعد تسمم أكثر من 40 شخصًا    «الأرصاد منعتنا من النزول.. وشركة المقاولات حفرت لوحدها».. اعترافات المتهم الخامس في قضية انفجار خط الغاز ب طريق الواحات (خاص)    وفد من أمانة حزب مستقبل وطن بالدقهلية يقدم العزاء لأسرة البطل خالد شوقي عبدالعال    خاص| الدبيكي: نعمل على صياغة اتفاقية دولية لحماية العاملين من المخاطر البيولوجية    مباراة السعودية وأستراليا في تصفيات كأس العالم 2026.. الموعد والقنوات الناقلة    بعد مفاجأة زفافهم ب اليونان.. من هو أحمد زعتر زوج أمينة خليل؟ (صور)    تامر عاشور يشيد بزوجته نانسي نور: قوية وحنونة وتتفهم طبيعة حياتي    حفلين خلال 48 ساعة.. محمد عبده وهاني فرحات يحطمان الأرقام القياسية    ذكريات كأس العالم!    رافاييل فيكي يدخل دائرة ترشيحات الزمالك لتولي القيادة الفنية    صحة سوهاج: 560 جلسة علاج طبيعي لمرضى الغسيل الكلوي خلال أيام عيد الأضحى    ب"شورت قصير".. أحدث جلسة تصوير جريئة ل دينا فؤاد والجمهور يعلق    ما حكم الشرع في بيع لحوم الأضاحي.. دار الإفتاء توضح    عاشور: كل لاعب يسعى لتأمين مستقبله.. ولا يوجد ما يمنعنا من التتويج بمونديال الأندية    وزير الصحة الأمريكي يُقيل اللجنة الاستشارية للقاحات    أجواء مشحونة بالشائعات.. حظ برج الدلو اليوم 10 يونيو    حاكم كاليفورنيا ينتقد قرار ترامب بنشر المارينز ويصفه ب "المختل"    خط دفاع تحميك من سرطان القولون.. 5 أطعمة غنية بالألياف أبرزها التفاح    سباليتي يعترف: من العدل أن أرحل عن تدريب منتخب إيطاليا    إجراء 2600 جلسة غسيل كلوي خلال إجازة عيد الأضحى بمحافظة قنا    استقبال 13108 حالة طوارئ بالمستشفيات خلال عيد الأضحى بالمنوفية    كيفية إثبات المهنة وتغيير محل الإقامة ب الرقم القومي وجواز السفر    سعر السكر والأرز والسلع الأساسية ب الأسواق اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025    برلمانية: مصر تستعد للاستحقاقات النيابية وسط تحديات وتوترات إقليمية كبيرة    موعد أول إجازة رسمية بعد عيد الأضحى المبارك .. تعرف عليها    هل تنتهي مناسك الحج في آخر أيام عيد الأضحى؟    ما حكم صيام الإثنين والخميس إذا وافقا أحد أيام التشريق؟.. عالم أزهري يوضح    دار الإفتاء تنصح شخص يعاني من الكسل في العبادة    دعاء الخروج من مكة.. أفضل كلمات يقولها الحاج في وداع الكعبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يحيى حقى.. رفيع المقام وصاحب الكرامات
نشر في التحرير يوم 30 - 09 - 2014

عندما يتابع الباحث والقارئ تاريخ الأدب والثقافة فى مصر، لا بد أن يفسح مكانًا واسعًا ونظيفًا وخاليًا من أى عكارة للكاتب والمثقف والأديب الكبير يحيى حقى، هذا الزاهد الذى عاش كثيرًا لغيره، وعاش قليلًا لنفسه، رغم إبداعه الشامخ المتعدّد المترامى الظلال على كل عاشق للأدب والثقافة والفن، ولا أظن أن أحدًا من جيلى الذى عاش بعضًا من ستينيات القرن الماضى، وكل السبعينيات وما بعدها، لم يلفحه هواء «قنديل أم هاشم» الساخن والحاد والمثير لمشاعر وخواطر وأفكار ظلّت نائمة، حتى استيقظت على عزف كلمات يحيى حقى الحاسمة والشاردة والمربكة فى ذات الوقت.
فى هذه الرواية الفريدة، كان جيلنا والجيل الذى سبقنا يكنّ احترامًا شديد الخصوصية ليحيى حقى، فهو لم يكن أديبًا وكاتبًا فقط، بل كان قائدًا وموجّهًا وصانعًا لمناخ ثقافى فى هدوء ودعة دون أى صخب أو إعلان عن مجهوداته الكبيرة فى صياغة مرحلة، وبناء أجيال، وأعتقد أن كل كتّاب الستينيات ذهبوا إلى مجلة «المجلة» التى كان حقى يرأس تحريرها، وكانوا يعرضون عليه كتاباتهم، وكان النشر فى مجلة «المجلة»، جواز مرور للكاتب، فيحيى حقى لم يكن يفوّت أى نص ركيك أو ضعيف أو حتى «نص نص»، ولكنه كان يستبقى الكاتب الذى يذهب بنصه إليه، ويقرؤه فى حضوره، ويناقشه فيه، ويضع بصيرته على مناطق الضعف إذا كانت موجودة، ويرشد الكاتب الشاب إلى تصحيح أو تعديل أو حذف جملة هنا أو جملة هناك، وكثيرون من الكتّاب حكوا تجاربهم مع العم يحيى حقى، وهذا هو الكاتب والمترجم والأديب الراقى محمد إبراهيم مبروك، يحكى قصته مع يحيى حقى، وهى حكاية مذهلة، وأعتقد أنها تركت أثرًا بعيدًا فى شخصية وأداء محمد مبروك -شفاه الله- إذ ذهب مبروك فى منتصف الستينيات بقصة قصيرة، وكان عنوانها غريبًا وهو «صوت صمت عزف نصف طائر»، وقرأ يحيى حقى القصة، واندهش كثيرًا، واقترح على محمد تغيير العنوان، ولكن مبروك رفض الاقتراح بأدب جم، وأعاد عليه يحيى الاقتراح، وقال له: «هل أنت متمسك بالعنوان، حتى لو عاق نشر القصة فى المجلة»، وأصرّ مبروك على التمسُّك بالعنوان ضاربًا بفكرة النشر فى المجلة عرض الحائط، وهنا استيقظت حواس يحيى حقى الأدبية العادلة، وأجاز نشر القصة، وهذا يدل على أن الكاتب والأديب الراقى يحيى حقى، أقوى من المسؤول ورئيس التحرير الذى يمنع ويمنح حسب متطلبات إدارية تافهة، فيحىى حقى الذى كتب: «صحّ النوم وخليها على الله، وكناسة الدكان، وتعال نذهب إلى الكونسرفوتوار، والفراش الشاغر، ودماء وطين، والبوسطجى، ويا ليل يا عين، وفجر القصة القصيرة، وعطر الأحباب»، وغيرها من كتب كثيرة نشرها بنفسه، أو جمعها تلميذه النجيب فؤاد دوّارة فى مجلدات وصلت ال28 مجلدًا من المقالات التى ملأ بها الصحف فى زمن الستينيات، وهى فصوص ذهبية من الأدب ذى القيمة العالية، يعرف جيدًا شخصية الأديب الحقيقى من الأديب المفتعل الذى يجعل من الأدب واجهة اجتماعية فارغة، وهناك كتاب جميل كتبه سكرتير تحرير المجلة سامى فريد عن أستاذه يحيى حقى، يسرد فيه قصصًا ومواقف مدهشة ليحيى حقى الذى كان يخالط الأدباء ويناقشهم وينزل معهم إلى الشارع، ولم يترفَّع عن مشاركة الأدباء همومهم، رغم أنه بدأ حياته مشتغلًا فى القضاء ثم فى الدبلوماسية المصرية، التى تجعل من المشتغلين بها أشخاصًا متعالين جدًّا على مَن يقابلهم فى كل المجالات، ولكن يحيى حقى لم يفعل كما فعل توفيق الحكيم، أى أنه لم يصعد إلى البرج العالى، ولم يختر الصحف والجرائد المنتقاة والتى كانت تدفع مكافآت مجزية، وأظن أنه لم يكن يفاصل فى ما يُصرف له من مكافآت، فمعظم كتاباته فى عقدى الخمسينيات والستينيات كانت فى صحف شبه شعبية، مثل «التعاون» و«المساء»، ولم يهرول كما فعل آخرون نحو «الأهرام» و«الأخبار»، ورغم ذلك كان يضمن قارئًا دائمًا يترقَّب ما يكتب، وينتظر الأثر الذى تتركه مقالاته، وهناك كتابات ليحيى حقى لا ينساها القارئ، عن شخصيات مثل المسرحى العظيم عباس علّام، الذى يكاد يكون مجهولًا، وكان يحب فنانة وممثلة يهودية اسمها فيكتوريا موسى، وكانت إحدى فاتنات العصر، ولكن مسألة يهوديتها هذه التى تركتها لتعتنق الإسلام فى ما بعد، طمست شهرتها فى ما بعد، وغاب اسمها من تاريخ المسرح، وكان عباس علّام يعشقها عشقًا رهيبًا، وكتب مخطوطًا لم يقدر له النشر تحت عنوان «عبد إيزيس»، وكان هذا المخطوط عبارة عن تطوحات عاطفية مهولة، ضمنها يحيى حقى دراسته الطويلة عن علام، وكان قد حصل على هذا المخطوط من صديقهما المشترك صلاح كامل، الذى كتب كتابًا كاملًا عن عباس علام، وهذه الدراسة التى كتبها حقى تدلنا على أن يحيى حقى كان ينتصر دومًا للمستبعد والمهجور والمغبون والمهدور فى ثقافتنا، وهذه الخصلة هى التى تميّزه وتجعله صانعًا للمعانى الحقيقية فى ثقافتنا المعاصرة، حتى لو كانت هذه المعانى لا تصبح سلعة جيدة فى السوق، لأنه لا يتعامل مع الثقافة بمنطق السوق، وتبعًا لذلك كانت اختياراته فى الترجمة كذلك منتقاة، ولا تجنح نحو المشهور والمرموق فى الثقافة الغربية، وربما يكون يحيى حقى غير معروف كمترجم، رغم مجهوداته العديدة فى الترجمة، ومن بين ترجماته رواية «لاعب الشطرنج» للكاتب استيفان زفايج، والتى كانت تنشرها جريدة «المساء».
وفى 30 سبتمبر 1961 نشرت فصلًا منها، وهى رواية تحلل وتشرّح شخصية لاعب الشطرنج العالمى، وتقول عنه الرواية إنه مغرور وبجح وجاهل وغير مثقف، وكل نبوغه محدود فى رقعة الشطرنج التى أمامه، وفى سياق الرواية يحدث أن هذا اللاعب كان يركب سفينة تعبر المحيط، وحدث شىء غريب جدًّا، فقد تقدَّم راكب مجهول وصمد أمام هذا البطل فى اللعب، رغم اعترافه بأنه لم يلعب الشطرنج منذ خمسة وعشرين عامًا، وفى أثناء اللعب يحكى هذا الشخص المجهول حكايته المدهشة لبطل الشطرنج وبطل الرواية فى ذات الوقت، وتتسم ترجمة حقى -كما كتابته- بالسهل الممتنع والممتع والعميق، هذا الكاتب الذى يستحق منا ومن المؤسسات الثقافية المصرية كل تقدير، وعلى هذه المؤسسات أن تشترى حقوق نشر كتبه كاملة، لتصدرها مجددًا، حتى يعم نفعها على الأجيال الحديثة التى لا تدرك معنى يحيى حقّى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.