تحكي الأسطورة أن شابا سجن في عهد مبارك والمجلس العسكري ومرسي والسيسي، وتحكي نفس الأسطورة أن هذا الشاب تعرض للتشهير والتخوين من كل الأنظمة التي مرت عليه. الأسطورة لشخص يدعى أحمد دومه، مثلك تماما لا أعرفه معرفة شخصية، قابلته كثيرا في مظاهرات كفاية، ووقفات دعم القضية الفلسطينية، ألتقيته مرات في اعتصام إسقاط مبارك بميدان التحرير، شاهدته محمولا على أعناق شباب في سنه تقريبا يهتف "إرحل"، هتف معنا وهتفنا معه، شابا حالما، بسيطا، نقيا، واحد من هؤلاء البشر الذين إذا إلتقيتهم بالصدفة في المترو مثلا تشعر وكأنك تعرفه منذ زمن. عرف دومه طريق السجن، مع بداية إنشغاله بالسياسة، فكان ضيفا في سجون مبارك أكثر من مرة، منها عندما اعتقل على خلفية مظاهرات ميدان التحرير في 2007 التي كانت ضد قانون الطوارئ ورفضا لتمديده، رحل مبارك عن السلطة، ولكن لم يرحل فكره، ونظامه، وظل دومه حبيسا لكل نظام يحل ورئيس يحكم، في ديسمبر 2011، حبس دومه 4 أشهر على ذمة قضية "أحداث مجلس الوزراء" التي لاتزال منظورة حتى الآن، وفي عهد محمد مرسي وجهت له تهمة إهانة رئيس الجمهورية، وحكم عليه بالحبس ستة أشهر وبغرامة خمسة ألاف جنيها لإيقاف تنفيذ العقوبة، وتم الإفراج عنه بعد عزل مرسي من الحكم. في ابريل 2012 أخلي سبيل دومه في واقعة مجلس الوزراء، ولكن هل يصح أن يبقى "هذا الولد" خارج الأسوار؟ فقبض عليه مرة أخرى وحكم عليه بثلاث سنوات في القضية المعروفة باسم مظاهرات مجلس الشورى، المتهم فيها أحمد ماهر، ومحمد عادل. ليصبح السؤال مزعجا وأنا أكتب عن دومه؛ هل هذا الشاب صاحب ال26 عاما، يسبب كل هذا الفزع لتلك الأنظمة القوية فتسعى لحبسه طوال الوقت؟ الحقيقة أن دومه ليس المقصود بشخصه، بل هو ما يعبر عنه هو ورفاقه، قد نختلف مع دومه في بعض التقيمات للأحداث والشخصيات، قد نختلف معه في بعض الأفكار والتوجهات، لكن لا نختلف معه أبدا في نقائه وثوريته وتضحيته، وإخلاصه. ما المقابل الذي يساوي حياة الشخص؟ المأجور لا يقتل نفسه من أجل أي شيئ. دومه لا يسعى الأن إلى بطولة، ولا إلى شهرة ولا صك بالنضال. دومه قد يموت في أي لحظة، حسبما قال محاميه، كان بإمكانه أن يصمت كما يصمت كثير على ما يحدث لهم، لكنه رفض أن يدخل تلك الدائرة المغلقة، فكان اضرابه عن الطعام، صرخة في وجه الجميع، في وجه من يحاكموه، ومن يشاهدون المحاكمة، ومن ينتظرون دورهم في محاكمة قادمة، دومه قد لا يقرأ هذا المقال من الأساس. قرار الإضراب عن الطعام صعب، لا يتخذه أي شخص، هي قدرات ولكل شخص قدره لا يستطيع تجاوزها، لكنه قرر الجوع ليدق الجرس، ليكون نبراسا لنا في تلك العتمة، يضيئ الطريق الذي أظلمته الأحداث والإخفاقات والإحباطات، يمنحنا القوة من على كرسيه المتحرك، يذكرنا بهتاف الثورة، وأهدافها، وناسها، يعيدنا إلى ذواتنا، يذكرنا أن هناك ثورة قامت في ربوع تلك البلاد، وهتافات نحرت حناجرنا، كنا نطالب بالعدل والحرية والكرامة والعيش، دومه ليس هو الثورة لكنه ثائر مخلص. من حقك ألا تشعر تجاه دومه بأي مشاعر ألفه، من حقك أن تراه شابا متهورا، شتاما، يتجاوز حدود الأدب في الحديث، لكن من حق دومه عليك أن تطالب بمعاملته كإنسان، حتى ولو كان متهما، فمن حق المتهم أن يشعر أنه آمن على حياته ومحاكمته، وهو ما لم يشعر به في السجن حاليا كما قال هو نفسه في كلمته أمام هيئة المحكمة التي تنظر قضيته، لذلك كان قراره بالإضراب عن الطعام، منذ 28 اغسطس الماضي وحتى الأن، ما يجعل حياته في خطر، من حق دومه ورفاقه عليك أن تطالب لهم بالحرية كما طالبوها لك من قبل، من حقهم أن تقف معهم حتى تتحق لهم العدالة، التي حلموا لك بها من قبل. من حقهم أن يروا حلمهم وحلمك يتحقق بدولة جديدة، من حقهم وحقك أنت أيضا أن تعيش كإنسان. الحرية لأحمد دومة .الحرية لكل مظلوم.