أصدر مجلس الأمن الشهر الماضى قرارًا هامًّا يقضى بمحاصرة نشاط كل من جبهة النصرة فى سوريا والدولة الإسلامية بالعراق والشام/ داعش. وقد اهتم القرار بشكل خاص بتجفيف مصادر تمويل هذه التنظيمات الإرهابية ومنع إمداد التبرعات وتوافد المتطوعين. والحقيقة أن هذا القرار قد تأخر كثيرًا، فهذه التنظيمات، خصوصا «داعش» قد انتقلت فعليا من اعتمادها على مصادر تمويل خارجية كالتبرعات إلى قدرة مدهشة على توليد دخل مستقل وثابت عبر سيطرتها على مناطق غنية بالموارد بالعراقوسوريا. ولذا فهى أقرب إلى إدارة ناجحة لاقتصاد دولة منها إلى رقم حساب يقبل تبرعات. وإذ يصعب التأكد بدقة من قدرات «داعش» المالية، إلا أن المرجح، وفق تقارير استخباراتية غربية عدة أنها تسيطر على 2 مليار دولار، مما يجعل منه دون مبالغة أغنى تنظيم إرهابى فى التاريخ. فالنواة المالية ل«داعش» بدأت بالفعل عبر تبرعات خارجية غير رسمية تأتيها من عدة أماكن، وبخاصة دول الخليج، حيث يتم تجميع التبرعات محليا قبل أن تنتقل عبر وسطاء موثوقين إلى العراق. ثم تدريجيا أصبحت تدير عمليات إجرامية مربحة مثل سرقة وبيع السيارات مستفيدة من فشل الشرطة العراقية فى ضبط الأمن. ومنذ بدأت السيطرة على مناطق سورية بادرت إلى فرض ضرائب وإتاوات على الأنشطة التجارية، والجزية على غير المسلمين بما يُقدر بنحو 8 ملايين دولار شهريا. كما أدارت نشاطا لسرقة وتهريب الآثار مما وفّر لها دخلا مهمًّا. وبالمثل عندما سيطرت على حقول نفط وغاز فى دير الزور كما فى الموصل، استطاعت أن تجد وسائل لتهريب هذا النفط فى السوق السوداء العالمية عبر تركيا أو تصريفه فى السوق المحلية التى تعانى حصارًا كبيرًا فى هذا الشأن، خصوصا بسوريا. وعلى الأرجح فإن «داعش» قد تعاونت عبر وسطاء مع النظام السورى لتصريف إنتاج الحقول الواقعة تحت سيطرة التنظيم، مما حقق لها دخلا ماليا كبيرًا. يضاف إلى ذلك أن النجاح العسكرى الكبير الذى حققه تنظيم «داعش» فى العراق مؤخرًا قد وفّر له سيطرة مماثلة على حقول نفطية منها ما يقدر إنتاجه بنحو 30 ألف برميل يوميا. فإذا افترضنا أن الحقل يعمل بكامل كفاءته ويتم تصريف إنتاجه وفق الأسعار العالمية، فهو يوفر إذن ل«داعش» ما يقارب 2.5 مليون دولار يوميا. من جهة ثانية سيطر التنظيم على أموال طائلة فى البنوك العراقية تقدر بنحو 430 مليون دولار سائلة. وهو ما وصفه بعض الخبراء البريطانيين باعتباره عامل بقاء مهمًّا، إذ يستطيع «داعش» أن يوظف بهذا المبلغ فقط نحو 60 ألف مقاتل يتقاضى كل منهم 600 دولار شهريا لمدة عام. الأمرالذى يعنى أن تحدّى تجفيف مصادر التمويل لا يتعلق فقط بمنع انتقال التبرعات من دول الجوار إلى «داعش» بل بمحاربة نموذج استغلال الموارد الذى تديره فى مناطق نفوذها وعزله عن السوق السوداء التى تبيع من خلالها هذه الموارد عبر دول الجوار.